نشر موقع "ذي إنترسبت"، مقالا عن رواية الناشطة الحقوقية اليمنية هدى الصراري، عن السجون السرية للإمارات في اليمن، وهي التي أجبرت على الخروج إلى المنفى، بعدما وثقت وفضحت هذا الملف.
وفي التقرير الذي أعدته أليس سيبري، قالت فيه إن المحامية اليمنية الصراري تولت ولسنوات عدة قضايا عدد من النسوة اللاتي عانين من العنف المنزلي، لكنها حولت اهتمامها عام 2015 لقضية أخرى مهمة بنفس القدر أو أكثر للدفاع عنها. فمع تحول الحرب الأهلية اليمنية إلى حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية بدأت الصراري تتلقى المكالمات الهاتفية في منتصف الليل تخبرها المتصلات إن أزواجهن وأشقاءهن اقتيدوا بالقوة من بيوتهم.
وهناك من كن يتصلن بها بعد أيام من البحث العبثي عن مكان اعتقال أحبائهن، ومناشدة المسؤولين في مراكز الأمن إخبارهن عن مصيرهم.
وقالت: "كانت النساء يقلن لها: ساعدينا، فقد تم اختطاف أبنائنا. وأضافت: "لم يكن لدي أي خيار للوقوف صامتة، بعد استماعي للانتهاكات والجرائم". وبعد عمليات الاختفاء جراء الحملة التي قادتها السعودية بدعم من الولايات المتحدة والإمارات لإعادة الحكومة الشرعية بعد سيطرة قوات الحوثيين على العاصمة، سيطرت الإمارات على مناطق واسعة في الجنوب.
اقرأ أيضا: قيادي يمني لـ"عربي21": هذا ما يحدث بسجن إماراتي بـ"عصب"
وتركزت عمليات الاختفاء القسري في البداية حول عدن، وزادت الأعداد إلى المئات، وانتشرت التقارير عن اعتقال الرجال وضربهم وتعذيبهم في سجون تديرها قوات أمن يمنية غير رسمية، سلحتها الإمارات.
وبدأت الصراري وعدد من المحامين والناشطين بالتحقيق وبدقة في التقارير، وبناء قاعدة بيانات وصل حجمها مرة إلى 10.000 اسم رجل وولد، وكلهم اعتقلوا خارج الإطار القانوني للدولة.
وأسهم عمل الفريق بالكشف عن سلسلة من السجون السرية التي أدارتها الإمارات، بمساعدة ومعرفة أحيانا من القوات الأمريكية.
وكان عمل الصراري مهما للتقارير التي نشرتها وكالة أنباء "أسوسيتدبرس" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش".
وأدى الكشف عن الانتهاكات والتعذيب في جنوب اليمن، وتورط القوى الأجنبية في النزاع الأهلي، للاهتمام بما تقوم به القوى الأجنبية في البلد، وكذا الانتهاكات التي ارتكبت باسم مكافحة الإرهاب. وأسهم توثيق المحامين والتقارير التي نشرت بناء على عملهم للإفراج عن 260 معتقلا، وتقدم دليلا مهما في دعوات لاعبين دوليين للمحاسبة على الانتهاكات التي ارتكبت في اليمن. وتقول الصراري إن هناك أكثر من ألف معتقل لا يزالون في المعتقل وإن هناك 40 شخصا لا يزالون في عداد المفقودين.
ورفضت الحكومة الإماراتية التعليق على التقرير، فيما أحالت وزارة الخارجية الأمريكية الأسئلة إلى وزارة الدفاع، التي لم ترد هي الأخرى.
ولم يتم الكشف عن هوية الأشخاص الذين شاركوا في التدقيق، إلا أن الصراري ظهرت في التقارير الإعلامية وقدمت مقابلات، وهو ما جعلها هدفا. وأصبحت هدفا للتشويه والتخويف والتهديد، وناشدتها عائلتها بالتوقف عن الكلام، "وجهوا لي اللوم قائلين: إن لم تكوني خائفة على نفسك، خافي على أطفالك وسمعتك".
وبعد أربعة أعوام، ترك عمل الصراري أثرا عميقا على حياتها، فقد هربت من اليمن في عام 2019، وبعد أشهر من مقتل ابنها الشاب. وتعتقد أن القتل هو انتقام لما قامت بعمله من فضح للممارسات في السجون السرية.
وهي مختبئة اليوم في بلد طلبت من الموقع عدم الكشف عنه، وتواصل منه تلقي المكالمات من الأمهات للتحقيق في اختفاء أبنائهن.
وفي المنفى، تفضل الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وليس عن الثمن الذي دفعته: "سأواصل عملي، ولست نادمة على ما فعلت، رغم الخسارة التي تكبدتها. وعدم التمكن من العيش في اليمن والبقاء مع عائلتي بسبب عملي، هي مسؤوليتي كمحامية وكمدافعة عن حقوق الإنسان وكإنسانة، ويجب الدفاع عن هؤلاء الضحايا لأنه لا يوجد من يدافع عنهم".
اقرأ أيضا: ديلي بيست: هذا هو الدور الأمريكي بسجون الإمارات في اليمن
وأشار التقرير إلى دواعي التدخل السعودي، وسيطرة الحوثيين على صنعاء، وتقدمهم نحو الجنوب، حيث تم وقف تقدمهم في عدن -التي تعمل منها الصراري- بدعم أمريكي.
وبعد ذلك، وسعت الإمارات من وجودها بذريعة مكافحة الإرهاب، حيث تم القبض على أشخاص لا علاقة لهم به. ومع ذلك حظي الدور الإماراتي بدعم أمريكي، واعتبروه نموذجا يجب تطبيقه في كل المنطقة، حسبما قال مايكل موريل، نائب مدير سي آي إيه.
وبعد تحول عدن لعاصمة انتقالية للحكومة اليمنية المخلوعة، قام الإماراتيون ببناء أجهزة موازية للأجهزة الموجودة بدلا من بناء المؤسسات اليمنية، وقاموا بتدريب وتسليح نظام من القوات الخاصة تابع اسميا للرئيس عبد ربه هادي منصور الذي يعيش في المنفى، ولكنه تابع فعليا لهم. وتضم القوات هذه "الحزام الأمني" في عدن و"قوات النخبة الحضرمية" والتي اتهمت بانتهاكات. ورغم سحب الإماراتيين قواتهم من الجنوب عام 2019، إلا أنهم يواصلون تأثيرهم المهم.
وقالت الصراري: "شكلت الإمارات هذه القوات خارج إطار الدولة، ومنفصلة عن قوات حفظ النظام، في وقت تم فيه تعطيل النظام القضائي".
وقالت: "لم تكن دائرة الشرطة تعمل بشكل جيد، ولهذا سيطر الحزام الأمني الذي شكلته الإمارات على العمل الأمني داخل محافظة عدن، وهو الذي قام بالتوغل والمداهمات والاعتقالات".
وفي أثناء تحقيقاتها في الممارسات، كانت تتلقى الصراري ما بين 10-20 شكوى في اليوم. وفي البداية كانت تلجأ إلى قوى الأمن والقضاء، قبل أن أكتشف أن هناك قوات أخرى غير القوات الرسمية تقوم بالاعتقالات".
ولهذا بدأت الصراري وزملاؤها بتسجيل شهادات العائلات، وكتابة أوصاف الأسلحة والكلمات المكتوبة على زي القوات التي تقوم بالمداهمات. واكتشفوا أن الممارسات منظمة، وليست مقتصرة على عدن، بل وعلى مناطق خضعت تحت سيطرة الحوثيين، وإن لفترة قصيرة.
وتوسعت القائمة بعد ذلك. وتقول: "لم تكن هناك جهة رسمية تلجأ إليها العائلات ولهذا لجأوا إلينا"، وكانت الأمهات في الغالب من يبادرن في الاتصال بالحديث المباشر أو عبر "جمعية أمهات المختطفين". وتم اعتقال الرجال الذي شاركوا في الدفاع عن الجنوب من الحوثيين وقاوموا التحالف في عدد من السجون السرية، ووجهت إليهم اتهامات عدة من الانتماء للقاعدة إلى تنظيم الدولة.
واستطاعت الصراري تحديد عدد من هذه السجون، وقابلت مرة شخصا أفرج بعد اعتقاله وشقيقه في واحد منها، ولكنه طلب من أمه واخته الخروج من الغرفة، حيث قال إن شقيقه أغرق رأسه في الماء، ولا يعتقد أنه نجا من التعذيب.
وطالبت منظمات دولية الأمم المتحدة بآلية للمحاسبة. وتقدمت في الشهر الماضي 75 منظمة حقوقية ومجتمعا مدنيا إلى الجمعية العامة بآلية محاسبة، بعدما تم وقف تفويض مجموعة من الخبراء لليمن، وذلك بضغط سعودي وإماراتي.
وقالت جينفر غيبسون، المحامية التي تقود برنامج القتل خارج القانون في المنظمة البريطانية "ريبريف": "في مرحلة ما سيتم الاعتراف بما حدث في اليمن من كل الأطراف، ويجب أن تضم أي آلية للمحاسبة في مرحلة ما بعد نهاية النزاع مكافحة الإرهاب"، مضيفة أن عمل "هدى مهم؛ بسبب ما وثقته في الوقت الحقيقي، والأدلة التي استطاعت جمعها، وهذه الأدلة لن تختفي".
وشعرت الصراري بالإحباط بعد عملها على توثيق الانتهاكات ما بين 2015- 2016، ولهذا عندما اتصلت بها أسوسيتدبرس وهيومن رايتس ووتش شاركتهما بما لديها، ونسقت الزيارات للعائلات. ونشرت المنظمتان لاحقا تقارير في 2017 عن السجون السرية، وأكدت النتائج لجنة الخبراء عن اليمن في الأمم المتحدة في تقريرها عام 2018.
واشتملت التقارير على شهادات معتقلين سابقين شجبوا الممارسات التي ارتكبتها القوات التي تدعمها الإمارات، ووصف الضرب والتعذيب والانتهاك الجنسي، والاعتقال في حاويات سفن، والأكياس على رؤوسهم لأشهر عدة.
وقالوا إنهم ضربوا بالعصي الكهربائية، وعرضوا للصعقات الكهربائية. وتم استخدام مواقع في المطار والبيوت الخاصة والنوادي الليلية والقواعد العسكرية كسجون سرية. وتم التحقيق مع المعتقلين على متن السفن.
وشمل التعذيب على أسلوب "الشي"، حيث كان يعلق السجين بسيخ حديدي، وتحريكه فوق النار. ووصف سجين سابق المعتقلات بأنها "لا خروج منها"، وزار شخص طفلا معتقلا في إحداها، وقال إنه بدا "مجنونا".
ومع انتشار التقارير وأخذ تصريحات من الصراري، بدأ مؤيدون للسعودية والإمارات بحملة تشويه وقذف لها، حيث زادت الحملة بعد مقابلة مع قناة "الجزيرة". واتهمت على منصات التواصل بـ"التعاطف مع الإرهاب والجاسوسة والمرتزقة والعاهرة".
وزادت الحملة ضدها من خلال تهديدات بالقتل من مجهولين. وقام أحدهم بالتسلل مرة إلى بيتها، وسرقة هاتفها المحمول، وهشم آخر زجاج سيارتها. وقالت: "كان هدفي مواصلة العمل، ولكنني كنت خائفة".
وعبّر أفراد عائلتها عن دهشتهم من مواصلة العمل في بلد منهار، وقالوا: "قومي بعملك العادي، ولكن لا تقومي بالرصد، ولا تتحدثي". وتتذكر أنهم قالوا لها: "لا يعمل القضاء ولا المحاكم أو منظمة إلا أنت"، لكنها واصلت العمل، ودفعت الثمن، كما تقول كريستين بيكرلي، الباحثة السابقة في هيومن رايتس ووتش، والتي قالت إن تقرير المنظمة عام 2017 اعتمد على الشهادات التي جمعتها الصراري.
وفي آذار/ مارس 2019، وعندما كانت تناقش احتجاجات ضد القوات الخاصة في اليمن، أطلق النار على ابنها محسن، 18، ومات متأثرا بجراحه في واحد من الاحتجاجات. وطلبت من السلطات المحلية التحقيق، لكنها لم تفعل. وبدأت بالتحقيق بنفسها لتكتشف أن الرصاصة التي تلقاها لم تكن عشوائية، بل أطلقها شقيق مسؤول في الحزام الأمني في عدن، والذي أطلق النار عن قرب. ولكنها واصلت العمل متجاهلة نصائح المقربين منها، وغادرت لاحقا بعد زيادة الحملة ضدها.
وكانت النقطة الحرجة عندما تلقت رسالة من مجهول باستهداف ابنها الوحيد. وقالوا لها: "سيتخلصون من ابنك الوحيد، وعليك المغادرة". وهي وإن لم تندم على التضحيات التي قدمتها، إلا أنها تشعر بخيبة أمل من أن عملها لم يؤد إلى ردة فعل قوية، وبخاصة من الولايات المتحدة، التي كان يجب أن تتحرك وتحمل الإمارات المسؤولية، و"لم يقوموا بأي عمل يحقق العدالة للضحايا، وبخاصة مع وجود عناصر أمريكية داخل المعتقل"، في إشارة لوجود مسؤولين أمريكيين أثناء التحقيق. و"لم يضغطوا على التحالف لوقف هذه الجرائم".
وكشفت عمليات التوثيق، التي قامت بها الصراري ومن معها، عن تورط الأمريكيين في السجون السرية، والتي تشبه السجون السرية التي أقامتها سي آي إيه بعد هجمات 9/11، وهو ما أكدته عدة تقارير مستقلة أخرى.
صحيفة بريطانية ترصد حياة الرفاهية لشيوخ الخليج
لوموند: متى تتوقف فرنسا عن دعم الانتهاكات بالشرق الأوسط؟
"WP": الإمارات تجسست على هاتف زوجة خاشقجي قبل مقتله