بالقرب من حي الشيخ جراح بالقدس، يقف قصر (فيلا) أثري جميل التصميم صامدا رغم الإغلاق الذي فرض عليه عام 2001 والذي يمدد كل 6 أشهر بقرار من "وزير أمن" الاحتلال منذ 20 عاما.
يقع "بيت الشرق" الذي تمتلكه عائلة الحسيني شمال شرق القدس المحتلة، والذي بناه إسماعيل موسى الحسيني، مفتي القدس بالنصف الأول من القرن الماضي وتحديدا عام 1897 بحي الشيخ جراح، في شارع أبي عبيدة بمنطقة باب الساهرة، للسكن من ثلاثة طوابق ومعمار أوروبي.
بني القصر بالحجر المقدسي، واستخدم من قبل عائلة الحسيني بيت ضيافة لزوار القدس وخاصة الشخصيات السياسية. وبقي البيت مكانا لتجمع آل الحسيني ووجهاء القدس وضيوفها حتى وقعت النكبة عام 1948.
مدخل بيت الشرق بالقدس المحتلة
شهد "بيت الشرق" أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، مراسم العزاء في وفاة الشريف حسين بن علي (قائد الثورة العربية الكبرى) الذي دفن في رحاب المسجد الأقصى، وتلقى ولداه الملك فيصل والملك عبد الله العزاء في "بيت الشرق". وبعد النكبة استأجرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لفترة قصيرة، ثم أصبح مقرا لفندق "الشرق الجديد" الذي أغلق بعد حرب 1967 وعاد مسكنا لأسرة الحسيني.
في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي صعد اسم السياسي الفلسطيني الراحل فيصل في معركة الدفاع عن القدس، وكان حريصا على إقامة مؤسسات فلسطينية بالمدينة للحفاظ على هويتها العربية والإسلامية، فأنشأ "جمعية الدراسات العربية" التي أنشأت مراكز متخصصة، هي: مركز التوثيق والمعلومات، مركز المعلومات الفلسطيني لحقوق الإنسان، المركز الجغرافي الفلسطيني، مركز أبحاث الأراضي، مركز استطلاع الرأي العام، مركز الأبحاث والنشر والطباعة، مركز التخطيط، مركز الدراسات والمعلومات السياحية، ودائرة الشباب والرياضة.
ولم تترك سلطات الاحتلال، الحسيني يمارس نشاطه بحرية فوضعت أمامه العراقيل التي انتهت بإغلاق مقر الجمعية والمؤسسات التابعة عام 1988، وانتهى الأمر باعتقال فيصل الحسيني لمدة عامين.
ولم تلبث سلطات الاحتلال أن أعادت فتح "بيت الشرق" عام 1992، واستأجر فيصل الحسيني البيت بكامله بعد أن أصبح مسؤول ملف القدس باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وسرعان ما أصبح "بيت الشرق" مقصدا للضيوف الأجانب الذين يزورون القدس، فاختير مقرا لوفود المفاوضات الدوليين لمناقشة موضوع المبعدين الفلسطينيين إلى مرج الزهور في لبنان والبالغ عددهم 415 فلسطينيا.
واعتاد قناصل الدول وسفراؤها وزوار القدس من كل أنحاء العالم والوفود الشعبية والرسمية والإعلامية الدولية على زيارة "بيت الشرق"، وفيه أعدت التحضيرات لمؤتمر مدريد، فأصبح "بيت الشرق" المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تحول "بيت الشرق" إلى مقصد دولي أزعج سلطات الاحتلال التي وضعت قانونا خاصا للحد من فعاليته ونشاطاته، ثم طبقت حكومة الاحتلال عقوبات خاصة ضد الدبلوماسيين الذين يلتقون الحسيني.
وتصاعدت عام 1995 المضايقات الإسرائيلية للأنشطة الفلسطينية في "بيت الشرق"، وأصدرت محكمة إسرائيلية قرارا بمنع أعمال الترميم في المبنى، بزعم أنها تتم بدون إذن خاص من البلدية الإسرائيلية بالقدس، وقام المستوطنون بنصب خيمة احتجاجية أمامه بينما نظمت مظاهرات فلسطينية لحماية المكان.
وانتهى الأمر بقرار من حكومة بنيامين نتنياهو إغلاق ثلاثة مكاتب تعمل من خلال "بيت الشرق" عام 1999 ما أثار اعتراضات الدول العربية وعدة دول في العالم، فأصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكما بوقف قرار الإغلاق، إلا أن حكومة الاحتلال قامت بإغلاق "بيت الشرق" عام 2001.
وأكملت حكومة أرييل شارون قرار الحكومة السابقة لها فأغلقت كافة المؤسسات الفلسطينية بالقدس، بما فيها "بيت الشرق" الذي استولت عليه قوات الاحتلال فعليا بعد وفاة مسؤول ملف القدس فيصل الحسيني بنحو سبعين يوما، وأنزلت العلم الفلسطيني ورفعت العلم الإسرائيلي على المبنى.
وصادرت السلطات الإسرائيلية ما فيه من وثائق ومستندات وأبحاث ودراسات، واعتقلت سبعة من حراسه.
وتوالت الاحتجاجات الفلسطينية على الإجراء الإسرائيلي بإضراب عام بالضفة والقطاع، وحدث إضراب عام بالمخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان، وسط حملة انتقاد عربية ودولية واسعة للإجراء الذي اتخذته سلطات الاحتلال. لكن الولايات المتحدة منعت مجلس الأمن من تقديم مشروع قرار يدعو سلطات الاحتلال إلى الانسحاب من بيت الشرق.
شموع
أمام بيت الشرق في ذكرى رحيل فيصل الحسيني
ولم يظهر الاحتلال أي استجابة للمطالبات المتكررة دوليا بالانسحاب من المكان. وتواصل سلطات الاحتلال منذ ذلك الوقت إغلاق "بيت الشرق" وحتى اليوم .
وكان أخر قرار قد صدر عن وزير "الأمن الداخلي" الإسرائيلي عومر بارليف، في آب/ أغسطس الماضي، بتمديد إغلاق "بيت الشرق" ومقر الغرفة التجارية وجمعية الدراسات العربية ومؤسسات مقدسية أخرى، لستة أشهر أخرى، وجرى تعليق القرار على بوابات المؤسسات المغلقة منذ عام 2001.
ومنذ عام 1967 وحتى اليوم، أغلق الاحتلال ما يزيد على الـ100 مؤسسة مقدسية في محاولة للسيطرة على كل زاوية وشارع وحي في القدس والتحكم بسكانها ومقدساتها وتراثها وإرثها.
لقد شكل إغلاق "بيت الشرق" مشهدا واحدا من عملية نهب واسعة للذاكرة الفلسطينية ولتاريخها ووثائقها من قبل الاحتلال.
عملية لم تتوقف منذ بدء الصراع، وتتواصل حاليا بتصاعد وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى وتهويد القدس دون أن تشكل الإدانات أي رادع للاحتلال الذي يعي تماما أنه لا قيمة للكلام الذي لا يسنده الفعل.
مراجع
ـ الجزيرة نت، بيت الشرق.. أسسه "الحسيني" وأغلقه الاحتلال، 7/12/2015.
ـ الموسوعة الفلسطينية، بيت الشرق القدس، 23/9/2013.
ـ موقع مدينة القدس، الاحتلال يمدد إغلاق "بيت الشرق" في القدس 6 أشهر، 14/2/2017.
ـ وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، الهدمي يدين تمديد إغلاق مؤسسات مقدسية على رأسها بيت الشرق، 27/7/2021.
ـ موقع متراس، بيت الشرق قصر مقدسي خلا من أصحابه، 16/10/2021.
قرية "حتا" المحتلة تحتضن ضريح النبي عمران وآثارا رومانية
لينا النابلسي ورجاء أبو عماشة.. نموذجان للمرأة الفلسطينية
"قبر يوسف" في نابلس.. روايتان إحداهما سياسية استيطانية