الشاعر الفلسطيني أحد نوعين: شاعر بالجنسية، وشاعر يحمل مضامين القضية في شعره ولو لم يكن فلسطينياً. وشاعرُنا في هذه الحلقة، شاعر فلسطيني صنفه جواز سفره بأنه أردني الجنسية فاتّبعته بهذا التصنيف بعض المعاجم. خصوصاً أن شاعرَنا كان ناشطاً ثقافياً ومحاضراً أكاديمياً على مستوى المملكة، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أنه أردنيّ فقط.
لكن الحقيقة الأولى، أن شاعرنا المولود عام 1929، ولد في قالونيا قرب القدس ونشأ فيها. والحقيقة الثانية أن مضامين شعره ونشاطاته المتعددة تروي عن حبه وولهه ببلاده فلسطين، فكانت على الدوام عشقه الأول، وجرحه النازف، أحب من أجلها كل من يقاوم لتحريرها، وتغنى ببطولاتهم وبكى شهداءهم، ومنهم ولده محمد، الذي ترك مقاعد الدراسة في جامعة حلب والتحق بصفوف المقاومة ليصدّ الاجتياح الصهيوني للعاصمة اللبنانية بيروت في العام 1982 فارتقى شهيداً في معركة بحمدون. ولم يتوقف تعاطفه العميق عند حدود وطنه، بل تعداه إلى حركات التحرير في كل العالم.
هو شاعر أكاديمي من أوائل الشعراء المخضرمين الذين مهدوا للنهضة الثالثة، كتب الشعر الحديث قبل بزوغ تياره. مجتهد لم يتوقف عن الدراسة حتى نال الدكتوراه في عمر 43 سنة. كتب عنه عدد من النقاد والأدباء في مؤلفاتهم، وأبرزهم: ناصر الدين الأسد، وكامل السوافيري، وعبد الرحمن الكيالي، وجميل سعيد، ومحمد شحادة عليان، وواصف أبو الشباب. نُشر عن شعره وأمسياته الشعرية عشرات المقالات الصحفية في الأنباء، والسياسة، والقبس، والرأي العام، والوطن، ومرآة الأمة (الكويتية).
من هو شاعرنا؟
وُلد رجا محمد عبد الله أحمد سُمرين يوم 7 آذار (مارس) 1929 في قالونيا بالقرب من القدس وأتمّ تعليمه الابتدائي فيها.. تلقى تعليمه الثانوي في كلية "روضة المعارف الوطنية" بالقدس، وحصل على شهادة التوجيهي المصري سنة 1950، ثم درس اللغة العربية وآدابها في جامعة الأزهر، فحصل منها على شهادة البكالوريوس 1955، وشهادة دبلوم الدراسات العليا 1965، وشهادة الماجستير 1967، وشهادة الدكتوراه 1972.
عمل في ثانويات الأردن، ثم انتقل إلى الخليج فدرّس في السعودية والكويت بين الأعوام 1955 - 1969، ثم في الكويت؛ ثم موجهاً فنياً بين الأعوام 1970 - 1980، ثم مدرّساً في معهد التربية للمعلمين 1980 - 1986، وتولى الإشراف على الأنشطة الثقافية في كلية الدراسات التكنولوجية منذ 1987 حتى تقاعده سنة 1989. ولم يتوقف عن التدريس بعد تقاعده فدرّس اللغة العربية في الكلية الوطنية بعمّان حتى سنة 1994.
كان رجا سمرين عضواً في رابطة الكتاب الأردنيين، ورابطة الأدب الحديث وندوة شعراء العروبة في القاهرة. وكان عضواً في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين فرع الكويت 1974 ـ 1990.
توفي سُمرين في 11 آذار (مارس) 2018 في الأردن ودفن فيه.
مؤلفاته
قضى سُمرين خمسة عقود في الأدب والشعر أثرى فيها المكتبة العربية بضروب المعرفة الهادفة، من مصنفات أدبية وعلمية وفكرية وتربوية قيمة، إلى جانب التنوع في حراكه الفكري. فصدر له المؤلفات التالية: "عصور الأدب العربي، في تاريخ الأدب"، 1958. "الشعر الفلسطيني في معركة بيروت"، 1983. "شعر المرأة العربية المعاصرة 1945-1970"، أطروحة الدكتوراه، 1990. "تحت المجهر"، دراسات نقدية، 2003. "الاتجاه الإنساني في الشعر العربي المعاصر"، دراسات نقدية، 2003. "أوراق الشتات"، سيرة ذاتية، 2004.
دواوينه الشعرية:
"الضائعون"، 1960 ـ "الجنة الضائعة"، مسرحية شعرية، 1970. "وتبقى الفوارس قرب الجياد"، 1984. ديوان الدكتور رجا سمرين 1985. "الطريق إلى أرض ليلى"، 1990. "خميلة الروح"، 1999. "بيني وبين الشعراء"، 2002. "الأعمال الشعرية الكاملة"، 2002. "عواصف الخريف"، 2009.
وقد برزت مشاركاته الإبداعية المتميزة في كتابة المقالات في معظم صحف العالم العربي ومجلاته الرصينة، والتي تجاوزت مائة مقالة ما بين أدبي وديني وسياسي. كما نوهت العديد من الصفحات الأدبية في الصحف والمجلات العربية الجادة، بشعره الجزل المتميز، والتي زادت عن 50 مقالة، فضلاً عن العديد من المقابلات، الإذاعية والصحفية والمرئية.
يقول الدكتور كامل السوافيري: "إن الدكتور رجا سمرين شاعرٌ رُزق الموهبة الشعرية وأوتِيَ طاقة فنية متسعة، وأنه يجيد نظم الدرر، وأن لديه من الثروة اللغوية ما يتيح له استخدام الألفاظ والكلمات المُشعة ذات الظلال، وأنه حافظ في أسلوبه الشعري وفي صياغة جُملِهِ وعباراتِهِ على قواعد اللغة العربية وضوابط إعرابها وتوخّى الرقة والسهولة في ألفاظه، كان صادقاً كل الصدق في التعبير عن عاطفته نحو بلاده ونحو عروبته".
نظم رجا الشعر التقليدي والحديث، وأكثر قصائده وطنية، فهو من الشعراء الذين تفاعلوا بمأساة فلسطين، ففجرت فيهم براكين التعبير، فكان شعراً معبّراً عن أشدّ نكبة عاشها شعب على وجه البسيطة. ومن شعره في وصف خيام اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من وطنهم، فأصبحت خيامهم مأوى البؤس والشقاء والذل ووصمة عار في جبين الأمم المتحدة، فقال:
وصمةٌ أنتِ في جبينِ الدُّهورِ .. يا خِياماً في القَفْرِ مثل القبورِ
يا نَشازَ الأنغامِ، يا سُبّة التاريخِ .. والناسُ في جميعِ العصورِ
أنتَ مأوى للبؤسِ شيدك الظّلمِ .. على رَسمِ حَقِّنا المَهدورِ
أنتِ سِفرُ الآلامِ سطّرَهُ البَغي .. بأيدٍ مخضوبةٍ بالشرور
كم حوى نسجُك الإرثَ غزيراً .. يسفحُ الدمعَ في دُجى الدَّيجورِ
راثياً عيشَهُ الكريمَ وعهداً .. قد قَضاهُ مُنَعَّماً في القُصورِ
يومَ أن كانَ في الدِّيار كَريماً .. يَترعُ الكَأسَ مِن مُدامِ السُّرورِ
وفي قصيدته "نشيد الخلاص" يدعو اللاجئين إلى الثورة:
مِنَ الخيمةِ السوداءِ ومن كهفي الصَّخري .. سأمضي إلى التحريرِ والمجدِ والنصرِ
وِمن هُوَّةِ الحِرمانِ والفقرِ والأسى .. سأمضي إلى الإنصافِ والخيرِ والبِشرِ
سأجمعُ أشلائي وأمضي مُيمِّماً .. إلى العِزَّةِ الشَّمَّاءِ في هِمَّةِ النَّسرِ
لَئِن طَال مَكثي في الدَّياجيرِ إنني .. على جَمرةِ الإصرارِ مُنتظرٌ فَجري
سيبزُغُ فَجري رغمَ ما جمع العِدا .. مِن القوّة الرّعناءِ والكيدِ والمَكرِ
سيبزغُ فجري رغم من خانني ومن .. غداةَ طلبتُ العونَ قد حفروا قَبري
لقد شَرَّدوا شَعبي وأَفنَوا جُنودَهم .. وباعوا حياةَ العِزِّ والمَجدِ بِالتِّبرِ
فلسطينُ لا تأسَي فإنا بِرغمِنا .. هَجرناكِ يا أمّ الغَطارِفة الغُرِّ
وَرودُ حِياضِ الموتِ أشهى مُرادِنا .. فإما ننالُ النَّصرَ أو لا، فللقبرِ
وفي استشهاد ولده محمد الذي سقط في أثناء الاجتياح الإسرائيلي، فشيّعه رفاقه إلى مثواه الأخير دون أن يراه والده قبل دفنه ويودّعه. فرثاه رثاء مؤثراً بقصيدتين من أمهات القصائد، فيقول:
يا لسعةَ النارِ التي يَشوي لَظاها كَبِدي .. يا صَرخةً الحقّ الذي جرَّحَ صمتَ الأبَدِ
يا دفقةَ النّورِ التي شعّت بدربِ السؤدُدِ .. ما أقول حين أرثيك، وماذا في يدي
*كاتب وشاعر فلسطيني
الشاعر فائق فريد عنبتاوي.. هوية فلسطينية في ميادين النضال
عبد الرحمن الكيالي.. أول من درس الشعر الفلسطيني في النكبة
كامل توفيق الدجاني.. ابن فلسطين الثائر في وجه الاحتلال