انتقال «المشير السيسي» من رجل الإخوان أثناء ثورة يناير إلى العدو اللدود لهم مع تطورات أحداث سبقت وتلت خروج الناس في 30 يونيو 2013، وقد كان هناك اتجاه قوي بين مراقبين ومحللين لتطورات ثورة 25 يناير 2011؛ رأوا في السيسي «رجل الإخوان» في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى الحكم بعد عزل الرئيس الأسبق حسني مبارك، وذلك أكدته شواهد كثيرة، ولم يكشف أحد سر التغيير الذي حدث، وانتقال «المشير السيسي» من موقعه الذي كان؛ إلى موقع نقيض، ومُوَاكب لصعود الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وتعرضنا لولادة فكرة الانتخابات المبكرة، وكنت من فريق يرى فيها حلا ديمقراطيا يليق بثورة 25 يناير 2011، حل ممكن بأقل قدر من الخسارة، وهذا فعله عبد الناصر بعد إعلان تحمله لمسؤولية هزيمة 1967، وفعلها ديغول بعد ثورة الطلاب في 1968، والمؤيدون والمعارضون مهما اختلفوا يعلمون قامة عبد الناصر وقدر ديجول ورصيدهما على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وهو الشيء الذي لم يتوفر لغيرهما». وحين تناولنا في «القدس العربي» وقتها (01/ 12/ 2012) الآثار التي ترتبت على الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر 2012، وعلى المذبحة؛ المعروفة بـ«مذبحة الاتحادية» واستشهاد عدد من المحتجين على أسوار القصر الجمهوري، ومن بينهم الصحافي الشهيد الحسيني أبو ضيف؛ قلنا: لم يبق أمام الرئيس مرسي إلا الاستقالة.
ومع ذلك علينا الاعتياد على إرجاع الفضل لأهله، وإذا كان لممدوح حمزة دور بارز في مساندة ودعم ثورة يناير، وذلك على رؤوس الأشهاد، وتوفير الإمكانيات لعقد «مؤتمر مصر الأول» في 7 مايو 2011، وكان من الممكن أن يكون ذلك المؤتمر نقطة تحول كبرى إذا ما تحولت الحشود لحواضن وطنية وشعبية للثورة.
وحكايات يحيى القزاز مع شباب الثورة تطول، وكثيرا ما يسبقنا بخطوات، فهو من نادى بالانتخابات الرئاسية المبكرة في ديسمبر 2012، وتبناها «المجلس الوطني المصري» وتحولت لمبادرة صدرت في 7 يناير 2013؛ وكانت محاولة جادة لحل ديمقراطي لأزمة ترتبت على إعلان دستوري أصدره الرئيس الأسبق محمد مرسي في 21/ 11/ 2012 وتداعياته، ونحيل القارئ لبندي 7 و8 من المبادرة ونص البند السابع على: «تجرى الانتخابات المبكرة في الدول الديمقراطية حين تواجه مأزقا أو تحدث فيها قلاقل، وهي تؤكد شرعية الحاكم عند الفوز، ويعتزل الحياة أو ينتقل إلى صفوف المعارضة بعد الخسارة، وتلك آلية مثلى؛ تحافظ على تماسك الشعب، وتحمي أراضيه، وتصون استقلاله». وكان البند الثامن مكملا للسابع، وأكد ذلك وجود رغبة جادة من الثوار للخروج من تلك الأزمة بسلام.
وكانت صحيفة «الشروق» المصرية قد أشارت في تحقيق لها في ديسمبر 2012 إلى أقاويل ترددت عن انتساب السيسي للإخوان المسلمين، ووُصِف بـ«رجل الجماعة» في القوات المسلحة، وتحول بعدها بأسابيع معدودة إلى العدو الأول لها. ومر السيسي بتطورات أربكت كثيرين. وانتشرت من خلال برامج فضائية (توفيق عكاشة وغيره) بعد تعيين السيسي وزيراً للدفاع (أغسطس 2012)؛ كانت تردد أنه رجل الإخوان المسلمين هو وكامل أسرته؛ «اللي بيلبسوا نقاب، وبيلبسوا جوانتي (قفاز) لإخفاء اليدين، وقيل عن السيسي لو أمور الجيش تسمح له إنه يربي ذقنه (يطلق لحيته) كان رباها» على حد قول عكاشة(!!).
وأثار ترحيب الإخوان البالغ بتعيين الفريق السيسي وزيرا للدفاع سيلا من الأقاويل، إثر نشر الموقع الرسمي لحزب «الحرية والعدالة» موضوعاً صحافياً عنوانه «عبدالفتاح السيسي وزير دفاع بنكهة الثورة»!!، وقال السيسي إن «له مواقف تختلف عن باقي أعضاء المجلس العسكري الذي تولى السلطة في البلاد منذ 11 فبراير 2011. وانتقدت تصريحاته التعامل العنيف للأمن مع المتظاهرين، وصرح بأن «هناك حاجة ماسة لتغيير ثقافة قوات الأمن في تعاملها مع المواطنين وحماية المعتقلين من التعرض للإساءة أو التعذيب»
يبدو أن كلا منهما يحتاج الآخر فليس بينهما تناقض حقيقي فكري أو مبدئي، كل منهما يستميت من أجل السلطة والقوة والنفوذ والامتيازات، وقد يمثل الضعف المتبادل فرصة وحافزا لعودة مياه الإخوان للجريان في قنوات السيسي وروافده
ونشر موقع فيسبوك مقطع لشريط مرئي في أغسطس 2012 عن صلة القرابة التي تربط عبد الفتاح السيسي وعباس السيسي، القيادي الإخواني السابق، المتوفي في 2004، واستند إليها كثيرون في الاشارة لانتساب وزير الدفاع الجديد لجماعة الإخوان، ونشرت صحيفة «الوطن» المصرية في نفس الشهر تصريحات لمعاذ نجل عباس السيسي تنفي انتماء وزير الدفاع وقتها للإخوان: الفريق أول عبدالفتاح السيسي بالفعل من نفس العائلة، وشخصية نحترمها ونَشْرُف أن يكون أخانا، لكنه لا ينتمى للجماعة!!
ومن المهم التدقيق فيما حدث قبل أسبوع من مظاهرات 30 يونيو، ففي 23 يونيو تحدث السيسي في الندوة التثقيفية الخامسة، التي نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء، فقال: «إن القوات المسلحة تدعو الجميع لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها» ولدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير» ووصفها دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله، ولن نسمح بترويع الشعب «وسنتدخل لمنع الاقتتال الداخلي»!!، وذلك أوحى للحضور بأن السيسي معهم. وكل طرف فسر الدعوة بما يحلو له، وتيقن بأن القوات المسلحة في صف الجميع!
أكد جمال حشمت القيادي بحزب الحرية والعدالة وعضو مجلس الشورى، أنه لا يجب أن يلمح أحد أن هناك خلافا بين مؤسسة الرئاسة والجيش. وأضاف في مداخلة على قناة الحياة حول بيان السيسي، «أعتقد أن البيان لم يكن منفردا به، بل كان بالتنسيق مع القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الرئيس محمد مرسي» وقال سعد الكتاتني، في تصريح على صفحته في الفيسبوك مساء الأحد 23 يونيو : تصريحات الفريق السيسي عبرت عن مدي انزعاج المؤسسات الوطنية جميعها ومن بينها المؤسسة العسكرية، من عمليات العنف التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي تحت دعاوى التظاهر!
وقال مصطفى بكري: «المقصود بالمهلة أنها لرحيل النظام والرئيس محمد مرسي، لأن القوى السياسية كلها اجتمعت على ذلك وعلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة» وفي 26 يونيو 2013؛ كان مرسي يخطب والسيسي يصفق، وأعطى ذلك انطباعا بأن السيسي داعم لمرسي، حتى أن الناشطة نوارة نجم كتبت في حسابها على موقع «تويتر»: «السيسي مع مرسى، والجيش نازل بأوامر مرسى، والسيسي كان بيصفق لمرسي امبارح (أمس)» وتساءل مصطفى بكري على حسابه بموقع فيسبوك: «لماذا حضر السيسي لقاء الرئيس مرسي وصفق لكلماته في وقت غاب فيه شيخ الازهر والبابا؟».
وردا على سؤال طرحته هيئة البث البريطانية (بي بي سي) على موقعها الألكتروني (29/ 10/ 2021) «هل تلوح المصالحة بين الإخوان المسلمين والدولة المصرية في الأفق»؟ تكرر النفي الرسمي وزادت وتيرته؛ بنشر رسائل وجهها أعضاء من الإخوان في السجون يطالبون بالمصالحة مع الحكومة المصرية، وإطلاق سراحهم، وتم نفي ما ذهب إليه بعضهم بأن الاستجابة لهذه الطلبات غير واردة حتى الآن، وذلك في وقت تعاني فيه الجماعة من انقسامات غير مسبوقة على مستوى القيادة والقاعدة. حسب البي بي سي.
وهناك أسباب تجعل ذلك الأمر واردا، لاعتبارات عديدة أهمها الأزمات التي تواجه الطرفين مستحكمة، وعلى المستوى الحكومي ما زالوا يغطون أزماتهم ويجمدونها، وبدت جماعة الإخوان متشرذمة ومتشظّية، فهي بين معتقل ومطارد وهارب، وتنقسم لدعاة للحفاظ على السلمية؛ بجانب مطالبين بالمقاومة، وبينهما عناصر الداخل منهكة، وعناصر الخارج مبعثرة متعد الساحات والحسابات والخلافات والإفرازات والتحالفات، وكلها تدعي الشرعية، ورغم تعدد الفرق والأجنحة فكل منها يزعم أنه الممثل الوحيد للجماعة، وحتى محاولات رأب الصدع ولم الشمل باءت بالفشل، ولم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق على قيادة واحدة، تتمكن من رسم طريقٍ لعلاج الآثار المتربة على ما يمرون به من محن وغموض وضبابية. ويبدو أن أكثر المتفائلين بينهم لا يتوقعون إنفراجة قريبه وعاجلة. وحال «المشير» بحكمه ونظامه ليس بأفضل من حالهم.
ويبدو أن كلا منهما يحتاج الآخر فليس بينهما تناقض حقيقي فكري أو مبدئي، كل منهما يستميت من أجل السلطة والقوة والنفوذ والامتيازات، وقد يمثل الضعف المتبادل فرصة وحافزا لعودة مياه الإخوان للجريان في قنوات السيسي وروافده، لكننا نشعر بأن وراء الأكمة ما وراءها!!!!
كاتب من مصر