تشير كثير من الأحداث الأمنية والعسكرية التي
تشهدها دولة
الاحتلال إلى تشخيص للعلاقة القائمة بين المؤسسة الأمنية ووسائل
الإعلام فيها، في ضوء الإشكاليات التي تقع أحيانا بينهما، ومدى تحمل مسؤولية
كليهما عن أمن الاحتلال، في ظل ثورة المعلومات، وتراجع صلاحيات "مقص
الرقيب".
وعلى الرغم من أن العلاقة بين الأجهزة الأمنية
والإعلام
الإسرائيلي فيما يتعلق بالقضايا الأمنية الحساسة معقدة وحساسة جداً، بسبب
عدم قدرة التشريعات والقوانين على ضبط حدودها، فالأولى تعمد في كثير من الأحيان
لعدم التدخل فيما ينشر عبر الثانية, إلا أنها تتدخل بقوة حينما تقتضي الضرورة ذلك،
وأحيانا تلجأ للقضاء في كثير من القضايا، لمنع نشر معلومات "مشفرة
وسرية" خشية تدهور الوضع الأمني، مع أن سبب التوجه للقضاء هو الاختلاف القائم
في فهم القوانين، التي لا تضبط العلاقة بشكل تام.
ففي
حين أن امتلاك معلومات سرية مشفرة غير قانوني، إلا أن المحكمة تدافع عن الإعلام
الذي ينشر ملفات ووثائق سرية، شرط ألا تضر بأمن الدولة.
كما تتدخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حين
يكون هنالك معلومات سرية للغاية سربت، ولا يجب أن تنشر، وقد تصل إلى أيدي
"العدو"، رغم أن ذلك قد يترك انطباعاً حقيقياً للمتابعين للإعلام
الإسرائيلي أنه حاد عن الأسس التقليدية والمتعارف عليها في الأعراف الصحفية
والإعلامية، وتجلى ذلك بصورة واضحة خلال العديد من الأحداث التي عاشتها إسرائيل.
رغم الإمكانيات الهائلة المتاحة لوسائل الإعلام
الإسرائيلية، ومساحات المناورة الشاسعة الممنوحة لها، فإنها تراجعت في أدائها
لمهامها إلى درجة صحافة مجندة أحادية الجانب، ولم تكتف بتزويد متلقيها بمستجدات
الأمور والأحداث المتلاحقة، بل لجأت للتهويل تارة، والتستر تارة أخرى، وبدلاً من
محاولة إيجاد رأي عام من خلال عرض تعددي لوجهات النظر، فقد أخذت على عاتقها -من
خلال حفنة ضئيلة من رجال الإعلام المدعين لمعرفة واسعة في الشؤون الفلسطينية
والعربية- تعبئة الرأي العام الإسرائيلي، عبر التهويل وعدم الدقة والتحامل
والتحريض.
كما أن المراسلين العسكريين، والمحللين للشؤون
العربية، والناطقين بلسان الجيش والحكومة، باتوا نجوم وسائل الإعلام الإسرائيلية
خلال مختلف السنين والمراحل التاريخية، بعد أن أتقنوا عرض وجهة النظر الرسمية لما
يحدث، وفي بعض الأحيان لا تستطيع أن تميز إن كان المراسل ناطقاً بلسان الجيش، أو
أن الناطق العسكري هو المراسل، بعد أن غاب التوازن المعقول والمقبول بين الطرفين
الفلسطيني والإسرائيلي، في المقابلات ونقل المواقف.
برز ذلك ليس فقط في قلة عدد الفلسطينيين الذين
يتم مقابلتهم في التقارير الصحفية والإعلامية، بل في التوجه العدائي والاستفزازي
والاستعلائي للصحفيين، وتبني مواقف الحكومة، وعدم الميل لانتقادها، على غير عادتها
في تغطية جملة سياسات الحكومة ونهجها في القضايا الداخلية: الشؤون الاقتصادية
والسياسية والتعليمية، وانتقادها وتحليلها لكل صغيرة وكبيرة في هذه المجالات، بحيث
نادراً ما نجد لدى هذه الوسائل ميلاً نقدياً وتحليلياً واضحاً.
أكثر من ذلك، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية
لعبت دوراً تعبوياً يميل للتصرف كامتداد للمؤسسة السياسية، وبالتالي الاصطفاف
بجانب المؤسسة العسكرية والأمنية، ومن ذلك أن الجندي الإسرائيلي هو المهاجم
والمعتدى عليه دائماً، والقصف وإطلاق النار على الفلسطينيين دفاع عن النفس، ورد
على اعتداءات، وأصبح الضحايا الفلسطينيون في الإعلام الإسرائيلي مجرد أرقام، لا
أسماء لهم ولا أهل ولا أمهات، والخسائر المادية والأضرار ليس لها أي قيمة، والبيوت
التي تقصف هي ثكنات للمنظمات الفلسطينية، وليس لها أصحاب، ولا تسكنها عائلات
وأطفال.
ومما يدلل على ذلك، "قاموس المصطلحات
والمفردات" التي تستخدمها وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهي ذاتها الصادرة عن
المحافل العسكرية، وبعضها تتعمد توصيل معلومات خاطئة لتلبية احتياجات معينة للجيش،
وعندما تلتقي المؤسستان، العسكرية والإعلامية، معاً ضد هدف محدد، فلا يحدث أي خلاف
بينهما، وهو الحاصل في إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية.