في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الأمريكية
الإسرائيلية خلافا واضحا بسبب
الجهود التي تبذلها واشنطن لإبرام اتفاق نووي مع
إيران، فإن الأوساط السياسية
والدبلوماسية الإسرائيلية لا تتردد في القول إن إنجاز هذا الاتفاق بين إيران
والقوى العظمى من شأنه أن يشكل مفترق طرق استراتيجيا، يستدعي التحرك سريعا لمحاولة
كبح جماحه.
في الوقت ذاته، فإن الأسئلة الرئيسية التي تطرحها محافل الاحتلال على
نظيرتها الأمريكية تتعلق بالتبعات الاقتصادية المتعلقة بالاتفاق النووي المذكور،
على اعتبار أن رفع العقوبات عن إيران من شأنه أن يتيح لها استعادة عشرات ملايين
الدولارات، ويفتح الطريق أمامها لمئات المليارات الأخرى.
دان شيفتان المؤرخ الإسرائيلي ذكر في صحيفة إسرائيل اليوم، أن "الأشهر
المقبلة ستكون حاسمة للأمن القومي الإسرائيلي، لأن قرارات الولايات المتحدة تجاه
إيران ستشكل البيئة الاستراتيجية المستقبلة لسنوات عديدة قادمة، في ظل أن الزخم
الإيراني للهيمنة على المنطقة، يتطلب من إسرائيل إقامة تحالف لمواجهتها، وفي الوقت
ذاته يمكّن من تحويل موارد الولايات المتحدة لإدارة صراعها مع الصين، أمام جهود
إيران لاستعادة قوتها، التي قد تؤدي إلى صراع إقليمي واسع النطاق".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "الغرب والأمريكان فشلوا
في فهم السلوك الإيراني، لأنهم يفترضون أن الشعارات التي ترفعها طهران فارغة،
بادعاء أن قادتها عقلانيون، سيتصرفون بطريقة براغماتية من اللحظة التي لديهم فيها
ما يخسرونه، هكذا أساءوا فهم هتلر وعبد الناصر وكاسترو والأسد وعرفات وشافيز
وأردوغان، وهذا الفشل مرده العمى الثقافي الذي يدفعهم لمحاولة جلب الديمقراطية
للعراقيين، والتعددية لليبيين، والتسامح مع الإسلاميين، والسلام للفلسطينيين".
ويزعم الإسرائيليون في منتدياتهم الأمنية خلال الآونة الأخيرة أن التطور
الإيراني الجاري يجعل الأمر صعبًا على الأمريكيين، عندما يتعرض ممثلاهم وزير
الخارجية السابق جون كيري ومبعوث بايدن الخاص روبرت مالي لما تصفه
بـ"التلاعب" الإيراني، رغم أن البرنامج النووي الإيراني سيعطي زخماً
دراماتيكياً لقدراتها القوية وتوسعها الإقليمي، لأنه في مجال التخصيب فقد حققت إيران
كامل إمكاناتها تقريبًا.
وفي الوقت ذاته، فإن التقديرات الإسرائيلية تفترض أنه حتى لو توقفت إيران
عن التخصيب إلى درجة 60 في المائة، فإن سيطرتها واستقلالها في هذه العملية يسمحان
لها، بتشغيل الكثير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، رغم أن العناصر المفقودة في
وسائل الإطلاق ونظام الأسلحة هي العقبة الرئيسية في سعيها لوضع نفسها كدولة عتبة
نووية قادرة على القفز للحصول على هذه الترسانة النووية، وفي النهاية فإن الاتفاق
النووي، في الواقع، سيعطي حصانة لتنمية قدرات إيران.
وتتحدث الأوساط الإسرائيلية عن أن خطر
الاتفاقية النووية مع إيران يكمن في
المجال الاستراتيجي، الذي يفشل فيه الأمريكيون مرارًا وتكرارًا، مستحضرين ما تسببت
به الولايات المتحدة في صراعها ضد داعش بأنه أوقع أضرارا استراتيجية جسيمة تمثلت في سيطرة المليشيات الإيرانية على العراق، وبنت سياستها في سوريا على حساب حلفائها
الأكراد، ودعت إلى التدخل الروسي في سوريا.
ويزعم الإسرائيليون أن مضمون الاتفاق النووي يعني أن إيران أخضعت واشنطن،
وأجبرتها على تجاهل تهديداتها في المنطقة، والسماح بتحقيقها، وبعد أن كانت
السعودية والإمارات أيام ترامب مستعدتين للصراع مع إيران بدعم أمريكي، وتوطيد
العلاقات مع إسرائيل، فإن ذات الإسرائيليين اليوم يتهمون الولايات المتحدة بتقوية إيران،
وتعزيز سعيها من أجل الهيمنة الإقليمية، ما سيؤدي حتماً إلى صراع واسع النطاق مع
إسرائيل، التي ترى أن هذه الهيمنة تشكل خطراً وجودياً عليها.