نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقريرا، سلط فيه الضوء على المباحثات بين الولايات المتحدة وتركيا الراغبة بالحصول على مقاتلات أمريكية.
ورأى المعهد أن طلب شراء مقاتلات "أف16" أسلوب أردوغان لاختبار واشنطن، ربما لكي يجعل الولايات المتحدة "شريكاً دفاعيا منافقا" بنظر الشعب التركي. ومع ذلك، يحرص قسم أصغر حجما من الموالين للتعاون الأطلسي في أنقرة على عدم السماح بانهيار العلاقات الدفاعية الثنائية بالكامل، فهم يؤيدون الطلب بشدة كوسيلة للحفاظ على تلك العلاقات، وسط مواجهة أزمة حقيقية على صعيد القدرات.
وأشار إلى أنه ومع ذلك، فمن المرجح أن تدخل تركيا بصورة أكثر ضمن فلك روسيا خلال عهد أردوغان، بغض النظر عن موافقة واشنطن على بيع مقاتلات "أف16".
وأضاف أنه على إدارة بايدن والكونغرس الأمريكي التنبه إلى أن طريقة صياغة الرد وتقديمه ستؤثر على النقاش حول مستقبل علاقات تركيا مع الغرب، حتى لو بدا أن تدهور هذه العلاقات أمر لا مفر منه.
وتقدّمت تركيا بطلب لشراء 40 مقاتلة جديدة من نوع "أف16" من الولايات المتحدة، إلى جانب 80 من معدات التحديث لتطوير أسطولها الحالي. وحيث من المتوقّع أن تصل التكلفة إلى 6 مليارات دولار، يُعتبر هذا الطلب من أنقرة لشراء الأسلحة هو الأكبر منذ أن بدأت واشنطن بعملية إخراجها من برنامج طائرات "أف-35" في 2019، بسبب اقتناء أنقرة للمنظومة الروسية "أس400".
وتابع التقرير بأنه على صناع السياسة الأمريكيين أن يقرروا الآن ما إذا كانت العلاقة الدفاعية الثنائية قابلة للإنقاذ، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانت الموافقة على عملية البيع هذه هي الطريقة الأفضل للبدء بإعادة بناء العلاقات.
اقرأ أيضا: 3 مقترحات تركية لحل ملف "أف35".. هل تقبل واشنطن؟
ولفت إلى أنه على الرغم من أن العلاقات التركية-الروسية كانت عدائية تاريخيا، إلا أنه برز رابط بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في السنوات الأخيرة. وقد بدأ هذا الاتجاه بمحاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا عام 2016، والتي استغلها بوتين ليصوّر نفسه على أنه حامي أردوغان، وليُبعد أنقرة تدريجياً عن واشنطن. وبينما كان أردوغان ينتظر عبثاً أن يتواصل معه الرئيس أوباما وغيره من قادة حلف "الناتو" في هذه المحنة، اتصل به بوتين فوراً أثناء الانقلاب، ومن ثم دعاه إلى روسيا للتشاور.
لم تكن أول رحلة يقوم بها أردوغان بعد أزمة الانقلاب إلى واشنطن أو بروكسل، بل إلى العاصمة الإمبراطورية الروسية سانت بطرسبرغ، حيث استقبل بوتين السلطان التركي في استعراض ملكي في قصر كونستانتينوفسكي الذي يعود إلى الحقبة القيصرية. وبقيامه بذلك، أشار بوتين إلى أنه مستعد لوقف العمل بسياسة روسيا المنتهجة منذ قرون، والقائمة على سحق أهداف تركيا، ولا سيما في سوريا.
وحتماً كانت مبادرة بوتين هذه مطمئنة لأردوغان، ولكن كما هو الحال دائماً، فإن تصرفات بوتين المبتذلة لم تكن مجانية. وفي أغلب الظن، كان اجتماع سانت بطرسبرغ المكان الذي عرضت فيه موسكو للمرة الأولى على أنقرة بيعها منظومة "أس-400"، مدركةً تماماً أن إبرام اتفاق مماثل من شأنه أن يقوّض العلاقات الأمريكية-التركية. وفي نهاية المطاف، نجحت هذه الاستراتيجية؛ فقد تأخر تسليم المنظومة لسنوات، لكن فور وصولها إلى تركيا، ألغت واشنطن اتفاق "أف35" وفرضت عقوبات.
كانت تركيا تشتري مقاتلات "أف-16" من الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتملك حالياً أحد أكبر أساطيل "أف16" في العالم.
وتستخدم أنقرة هذه المقاتلات في المقام الأول لمهام أمن الحدود على طول الحدود السورية، ومهام التفجير طويلة المدى، وبشكل رئيسي ضد أهداف «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق.
ووفقاً لـ "المعهد الدولي للدراسات الأمنية"، يملك "سلاح الجو التركي" أكثر من 250 طائرة "أف16"، ومن طراز "البلوك 50" و"البلوك 30" في المقام الأول.
وأصبح جزء كبير من أسطول تركيا في نهاية الخدمة، حيث يقدّر بعض المحللين أن القسم الأكبر منه سيتوقف نهائياً عن العمل في غضون 10 إلى 15 عاماً. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن المسؤولون الأتراك عن خطة لإرجاء وقف الطائرات عن العمل من خلال تجديد أجزاء كبيرة من الأسطول، ما قد يمدّد فترة عمل المقاتلات من المدة المعيارية من 8 آلاف ساعة إلى 12 ألف ساعة.
وفي وقت سابق، كانت أنقرة قد توقّعت استبدال بعض هذه المقاتلات من طراز "أف16" بمئة طائرة من نوع "أف35"، لذلك فإن شطبها من البرنامج قد أرغم المخططين العسكريين على العودة إلى مرحلة التخطيط.
اقرأ أيضا: كالن: تركيا قد تتجه لشراء مقاتلات "أف16" كبديل عن "أف35"
ومن بين البدائل التي بدأ تطبيقها هو تطوير تركيا لمقاتلة تفوق جوي متعددة الأدوار "تي أف-أكس". ولكن حتى في إطار السيناريو الأكثر تفاؤلاً، من المستبعد أن يتمّ وضع هذه الطائرة في الخدمة قبل عام 2030 أو أكثر. وبالتالي، إذا رفضت واشنطن طلب تركيا شراء مقاتلات "أف16"، فسيكون أمام المسؤولين الأتراك خيارات محدودة جداً لسدّ الفجوات التي يواجهونها على صعيد القدرات الجوية إلى حين بدء استخدام مقاتلات "تي أف-أكس".
كما يمكن لتركيا شراء مقاتلات جديدة من دولة أخرى، لكن إذا اختاروا مورداً مثل روسيا (وفقاً للتهديدات التي أطلقها مؤخراً مسؤولون أتراك)، فقد يؤججون عداء الولايات المتحدة بشكل أكبر.
ومن العراقيل التي تعقّد مسألة الموافقة على الطلب الجديد هي التمويل. فالمسؤولون الأتراك يريدون استخدام الأموال التي كانوا قد أمنوها لبرنامج "أف35" لشراء مقاتلات جديدة من نوع "أف16".
ويشكل الكونغرس الأمريكي العائق الأكبر أمام الاتفاق، حيث فرض حظراً فعلياً على كافة مبيعات الأسلحة إلى تركيا في أعقاب التدهور الذي أحدثته منظومة "أس400"، ولا يبدو أنه مستعد لرفعه.
وتفاقم مخاوف الولايات المتحدة من واقع أن عملية البيع قد تُعرّض المعلومات والتكنولوجيا الأمريكية الحساسة للخطر. ويُعزى طرد تركيا من برنامج "أف35" إلى حدّ كبير إلى أن أمن نظام المقاتلة الشبحي وميزات أخرى تتمتع بها قد يكون مهدداً في حال تشغيلها في الموقع نفسه مع منظومة "أس400" الروسية أو حتى على مقربة منها.
وفي الوقت ذاته، قد يكون رفض طلب الشراء القشة التي ستقصم ظهر البعير على صعيد علاقات الدفاع الثنائية. وعلى حدّ تعبير المحلل آرون شتاين، فإن طلب شراء مقاتلات "أف16" هو المرحلة الأخيرة من "وقف التعاون الدفاعي" في العلاقات، فبعد سنوات من شراء كميات كبيرة من الأسلحة من شركات أمريكية، توجّه تركيا أنظارها أكثر فأكثر نحو قطاع الأسلحة الخاص بها وببعض الدول الأخرى لتلبية حاجاتها العسكرية.
وللمفارقة، فإن عمليات بيع الأسلحة الأمريكية إلى دول مجاورة أخرى منحت تركيا محفزاً إضافياً لسدّ الفجوات في قدراتها الجوية بسرعة. ومؤخراً، حصلت اليونان على موافقة واشنطن على عملية بيع بقيمة 270 مليون دولار لتحديث مقاتلاتها من نوع "أف16".
3 مقترحات تركية لحل ملف "أف35".. هل تقبل واشنطن؟
تركيا تعلن بدء أعمال فنية لتوريد طائرات "أف16" من أمريكا
أردوغان يكشف: أمريكا من عرضت بيعنا "أف16" بدل "أف35"