بدأت السعودية مؤخرا حملة تسويق إعلامية لقائدين مواليين لدولة الإمارات؛ الأول، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، طارق محمد صالح، قائد ما يسمى "المقاومة الوطنية" والآخر، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، في خطوة أثارت أسئلة كثيرة من قبيل: هل نحن أمام احتواء من قبل الرياض؟ أم في أي سياق يمكن قراءتها؟
وفي الأيام الماضية، أجرت صحيفة "عكاظ" السعودية مقابلتين مع طارق صالح، الذي يقود تشكيلات عسكرية تسيطر على المديريات الساحلية من محافظة تعز (جنوب غرب)، وعيدروس الزبيدي، الذي تسيطر التشكيلات الانفصالية التابعة له، على مدينة عدن، وجنوبا، وأجزاء من مدن جنوبية أخرى، في ظل تجدد الدعوات الدولية إلى تسوية سياسية شاملة، ووقف الحرب الدائرة في البلاد منذ 7 سنوات.
"شكل جديد من العلاقات"
ويرى الصحفي والباحث السياسي اليمني، كمال السلامي، أن "الإعلام في هذه المرحلة يعبر عن التوجه السياسي للقوى المختلفة"، مضيفا أن "المملكة العربية السعودية تعد العدة لمرحلة ما بعد الحرب، وهذه المرحلة تقتضي بناء أشكال جديدة من العلاقات، وبناء جسور مع الأطراف الفاعلة على الأرض، بما في ذلك طارق صالح، والمجلس الانتقالي، وغيره".
وقال السلامي في حديث لـ"عربي21": "للأسف يزداد يوما بعد يوم ضعف الشرعية، ويزداد معه يقين الشركاء الخارجيين، بأنها أصبحت عبئا أكثر من كونها حليفا داخليا موثوقا".
وتابع قائلا: "هذا يفسر توجه الشرعية مؤخرا نحو مصر، وهناك أنباء عن شراكة عسكرية ربما تخرج للعلن خلال الفترة المقبلة، يكون لمصر خلالها دور عسكري معين، خصوصا في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب".
اقرأ أيضا: القوات الإماراتية تخلي قاعدة عسكرية يمنية وتغادر نحو الرياض
وأشار الصحفي اليمني إلى أنه من المؤسف أن القوى المحلية ترفض حتى اللحظة الاعتراف بالتحولات الكبيرة التي تمر بها اليمن، بما في ذلك تحول الانقلابيين (الحوثيين) من الضعف إلى القوة، وامتلاكهم أوراق قوة كثيرة، ما دفع المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف ربما تكون مختلفة عن تلك التي كانت في بداية الحرب".
وأردف: "وربما خلال الفترة المقبلة ستطوى صفحة الشرعية بقياداتها وأطرافها الحالية، لصالح شرعية، يكون ركيزتها الأولى الأطراف الأقوى على الأرض".
وبحسب الباحث السلامي، فإن "احتواء الرياض لحلفاء الإمارات على الأرض وارد جدا، لكن باعتقادي يضل الأمر بالنسبة للسعودية في إطار البحث عن بدائل لمرحلة ما بعد الحرب".
وقال: "أما الاعتراف أو عدمه، فلا أعتقد أن السعودية ستكون في واجهة هذا الأمر، لكنها ستترك الموضوع للمجتمع الدولي، وبعد وقف الحرب، سيكون هناك اعتراف إلزامي بالأطراف المحلية الأقوى".
وأوضح الباحث السياسي اليمني أن الحل الآن يكمن في بحث الشرعية عن بدائل وحلفاء قادرين على الصمود حتى النهاية، كما فعلت حكومة الوفاق في ليبيا، مؤكدا أن هذه هي الفرصة الوحيدة التي تمتلكه الشرعية، ويجب ألّا تحمل الرياض أكبر من قدرتها على الاحتمال، فما خسرته ولا تزال اقتصاديا وسياسيا كبير جدا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر فيه".
"جاحد وخدمة للحوثي"
وكان العميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد ما تسمى" المقاومة الوطنية" في الساحل الغربي من مدينة تعز، قد امتدح التحالف الذي تقوده السعودية، في حواره مع صحيفة" عكاظ"، وقال: "إنه وفّر إمكانات كبيرة لدعم معركة الشرعية، والشعب اليمني وجبهاته، ولا يزال"، مؤكدا أن ناكر جهود التحالف يعدّ "جاحدا"، على حد وصفه.
وأضاف نجل شقيق صالح : "ما لم تترك أطراف اتفاق الرياض حكومتها تخدم الشعب في المناطق المحررة من النفوذ الحوثي أو حتى داخل مناطق الحوثي، فإنها تجازف بمشروعيتنا جميعا، وتعد خدمة مجانية للجماعة، وتؤخر معركة الانتصار، ويجب تقديم حسن النية، والعمل بصدق، بعيداً عن التآمر واختلاق الذرائع".
وبحسب المتحدث ذاته، فإن أمل الشعب اليمني في الخلاص مما اعتبرها "عصابة الحوثي"، وهو سلاحنا في هذه المعركة، وهو سر قوتنا و خريطة الطريق أيضاً، ويبقى بماذا سيقابل الجميع هذا الأمل؟ وماذا سيبذل من أجل تحقيقه؟
اقرأ أيضا: منظمة تتهم "المجلس الانتقالي" بفرض تهجير قسري في عدن
وذكر أن جماعة الحوثي تستفيد من تجزئة المعركة، وتشتت الجبهات والجهود، "وأعتقد أن الدروس التي شاهدناها جراء ذلك هي دروس كافية إن كانت القوى العسكرية والسياسية والاجتماعية تعي ذلك".
"ليس تسويقا بل ترميما"
من جانبه، قال باسم الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، إنه لا يعتقد أن هناك حملة تسويق، فكل ما في الأمر هو أن المجلس الانتقالي فرض نفسه على الأرض كلاعب سياسي لديه قوة عسكرية قتالية ضاربة.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن السعودية، كما يبدو، أدركت هذا الأمر مؤخرا، ولجأت إلى إصلاح العلاقة مع الانتقالي، وتقويمها في مسارها الصحيح، رغم أن عمليات التواصل بين المملكة والمجلس لم تنقطع خلال الفترة الماضية.
وتوقع الشعبي أن تتوسع وتتسع العلاقات بين المجلس الانتقالي والرياض خلال المرحلة القادمة وفي المستقبل لأسباب كثيرة، من أبرزها أن الانتقالي هو اللاعب الأبرز في الجنوب حاليا، ومن دون منافس.
وأردف: "وعلينا أن نقيس ذلك بتطلعات المملكة وتوجهاتها في الجنوب"، أي محافظات جنوب اليمن.
أما بالنسبة لطارق صالح، فأكد رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام أن الاهتمام به يبدو جديدا من قبل المملكة، متابعا القول: "وللأمانة، فالرجل فرض نفسه في الساحل الغربي، معتقدا أن كل قوي يسعى الأقوياء لنسج العلاقات معه.
واستبعد الشعبي أن يكون اهتمام المملكة بطارق أو بغيره سيأتي على حساب أبوظبي، لافتا إلى أن الأمور -في تقديره- تجري بالتوافق بين الرياض وأبوظبي، وليس هناك حساسية في ذلك.
وأشار إلى أن المقابلات الصحفية تجري في سياقها الإعلامي أحيانا، وليس بالضرورة أن يكون تسويقا لهذا أو ذاك، بقدر ما هو نوع من الوفاء والتقارب الضروري والمهم لخلق علاقات تساعد الجميع على التركيز على المعركة، وتوحيد الجهود حولها.
"علاقتنا استراتيجية"
فيما قال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، إن العلاقة مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة إستراتيجية ومصيرية ومتجددة.
وذكر في حواره مع صحيفة "عكاظ" السعودية، أنه عندما حرك الحوثي جحافل مليشياته نحو الجنوب، هببنا للتصدي لها بإمكانيات ذاتية، وبعدها أتى الدعم مع انطلاق عاصفة الحزم، وكان دعما سعوديا 100%.
وأشار الزبيدي الذي يرفع شعار انفصال جنوب اليمن عن شماله: "توجد مكونات كثيرة لها مصالح خاصة، وتعمل لصالح مشاريع غير وطنية. أما نحن، فلدينا مشروع وطني يحتم علينا الثبات على مبادئ وأخلاقيات وأسس".
ونفى أي عرقلة من قبلهم في المجلس الانتقالي لاتفاق الرياض، وبإمكانكم توجيه السؤال للأشقاء في المملكة رعاة الاتفاق.
"ترسيم نهائي للأطراف"
وفي السياق ذاته، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن الاحتفاء بكل من طارق صالح وعيدروس الزبيدي تباعا من قبل الصحافة السعودية، يأتي ضمن خطة من المملكة للترسيم النهائي لهذه الأطراف.
اقرأ أيضا: شكوى ضد ابن سلمان وابن زايد في لندن لـ"جرائمهما" باليمن
وأضاف التميمي في حديث لـ"عربي21": "يراد لهذه الأطراف أن تكون حوامل سياسية لمشروع هيمن على المهمة السعودية الإماراتية منذ بداية الحرب، ويرمي في جوهره إلى التعاطي مع اليمن كدولة قابلة لإعادة التشكيل والتقسيم والقابلية للهيمنة الإقليمية".
وبحسب الكاتب اليمني، فإن "هذا الاحتفاء يتزامن مع سلوك ميداني لدولتي التحالف تمارسان من خلاله هيمنة فعلية على أجزاء حيوية من اليمن، تتخللتها أطماع واضحة للسيطرة والاستحواذ".
وأشار إلى وجود دوافع أخرى لاحتفاء السعودية برموز متمردة أو تعمل في منأى عن السلطة الشرعية، منها على سبيل المثال "الرغبة في تطويع أطراف سياسية في معسكر الشرعية، وحملها على الاندماج في المخطط الحربي للتحالف، دون تحفظ أو مواقف أو اعتراض" .
ووفقا للسياسي اليمني، تضيف السعودية بهذه الرسائل المزعجة الموجهة للشرعية المزيد من حالة عدم الثقة بالتدخل العسكري والسياسي للتحالف في سياق الحرب والأزمة في اليمن.
وأكد التميمي أن هذا الأمر يزيد المشهد تعقيدا، ويعزز التوقعات باحتمالية فقدان السيطرة على الأوضاع في اليمن، وهو إن حدث فإنه سيدفع بالمشروع السعودي الإقليمي نحو الهزيمة، وفق تعبيره.
ويشهد اليمن حربا منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 233 ألفا، وبات 80 بالمئة من سكانه، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وللنزاع امتدادات إقليمية، منذ آذار/ مارس 2015، إذ ينفذ تحالف بقيادة الجارة السعودية عمليات عسكرية؛ دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.
ماذا يعني حضور حلفاء حفتر لمؤتمر تنظمه حكومة الدبيبة؟
هل تقبل الرياض بشروط الحوثيين لوقف الحرب في اليمن؟
انتقادات لعودة رئيس حكومة اليمن المفاجئة لعدن "بلا ضمانات"