بين الاستياء الروسي المتكرر من الضربات الإسرائيلية لعموم الجغرافية السورية، وبين إعلان السفير الإسرائيلي لدى روسيا، ألكسندر بن تسفي، عن اتفاق تم التوصل إليه لعقد لقاء جديد لرؤساء مجلس الأمن في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، تجد موسكو نفسها بين نوسان لا تستطيع الانفكاك منه، فلا هي قادرة على توجيه ضربات مضادة لإسرائيل، ولا هي قادرة على لجم ضرباتها في سوريا.
منذ ثلاث سنوات يحاول صناع القرار في الكرملين إقناع إسرائيل بوقف ضرباتها داخل سوريا، إلا في الحالات الاستثنائية التي تشعر إسرائيل فيها أن ثمة خطر يهددها، لكن الضغوط الروسية فشلت.
لا يتعلق الأمر بمسألة تعريف التهديد ومستوياته، بقدر ما يتعلق بالقدرة على التحرك، فمن وجهة نظر إسرائيل، تعتبر الساحة السورية بمجملها ساحة خطر، ولا يمكن وضع الضربات العسكرية في إطار التفاهمات السياسية مع أية دولة، بما فيها روسيا ـ اللاعب الأقوى في سوريا ـ لأن مثل ذلك سيعني ضبط إيقاع التحركات الإسرائيلية في سوريا، خصوصا أن موسكو ليست قادرة تماما على منع التحركات الإسرانية في عموم سوريا.
في مرحلة سابقة، خلال الأعوام الثلاثة، عملت موسكو على إقناع إسرائيل بضرورة الفصل بين القواعد العسكرية التابعة للنظام السوري وبين الوجود العسكري التابع لإيران، أي أن موسكو وصلت إلى مرحلة القبول بتوجيه ضربات إلى القوى التابعة لإيران فقط دون توجيه ضربات إسرئيلية على قواعد النظام، ونجحت روسيا في إبعاد الوجود الإيراني من عدة مناطق هامة، مثل محيط مطار دمشق الدولي وبعض المناطق في الجنوب السوري، في القنيطرة ودرعا، لكنها لم تنجح في إجراء فصل عسكري المتداخل بين أماكن انتشار قوات النظام وبين انتشار القوى التابعة لإيران.
شكلت هذه النقطة، فرصة لإسرائيل لتوجيه ضربات لكلا الطرفين معا، على اعتبار أن النظام السوري هو الذي يؤمن الغطاء الشرعي والعملي للقوات الإيراني، والقواعد للأسلحة التابعة لإيران.
التوافق الروسي الإيراني
ثمة توافق واضح بين روسيا وإيران من التعاطي مع الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا: بالنسبة لإيران، الأولوية تكمن في محاربة الوجود الأمريكي لأنه موجود على الأرض خصوصا على الحدود السورية العراقية، الأمر الذي حرم الإيرانيين وحلفائهم من التحرك بسهولة بين الحدود، في حين لا تشكل إسرائيل بنظر الإيرانيين تهديدا لوجودهم على الأرض السورية بقدر ما تعيق من تحركاتهم فقط.
المقاربة ذاتها تنطبق على الروس، فإسرائيل لا تشكل تهديدا للوجود الروسي في سوريا، ولا تهديدا للنظام السوري، بل على العكس تشكل الهجمات الإسرائيلية ورقة رابحة بيد الروس يستخدمونها للضغط على الإيرانيين لإعادة ترتيب تحركاتهم، وهذا ما حدث في عدة أماكن داخل سوريا.
التهديد الأكبر بالنسبة للروس، هم الأمريكان، لأنهم مع "قوات سوريا الديمقراطية" يسيطرون على حقول النفط والغاز وعلى جزء كبير من الثروة الحيوانية والزراعية، ما يمنع النظام السوري الاستفاد من هذه العوائد.
هذا على المستوى الاقتصادي، أما على المستوى الاستراتيجي، فإن التواجد الأمريكي في سوريا بحد ذاته، يمنع الروس من إعادة تأهيل النظام على المستوى العسكري والاقتصادي والاستراتيجي.
التهديد الأكبر بالنسبة للروس، هم الأمريكان، لأنهم مع "قوات سوريا الديمقراطية" يسيطرون على حقول النفط والغاز وعلى جزء كبير من الثروة الحيوانية والزراعية، ما يمنع النظام السوري الاستفاد من هذه العوائد.
من هنا، كانت الضربة المفاجأة قبل أيام على قاعدة التنف، تعبيرا عن مكامن الخطر الذي يستشعره الإيراني ومن وراءه الروسي من التواجد الأمريكي.
الاعتقاد الكبير لدى الروس والإيرانيين هو أن قاعدة التنف توفر دعما تقنيا للغارات الإسرائيلية، وعليه فإن الهجمة التي استهدفت القاعدة من المحور الإيراني، تهدف إلى توجيه رسالتين للأمريكيين والإسرائيليين معا.
ولم تكن مصادفة أن يأتي الهجوم بعد أيام من إعلان قيادة "غرفة عمليات حلفاء سوريا" بيانا أكدت فيه أنها اخذت قرارا بالرد القاسي على الضربات القاسية التي شنتها إسرائيل في تدمر ضد القوات التابعة لإيران.
التباعد الروسي الإيراني
إذا كان التواجد الأمريكي في سوريا نقطة التقاء موسكو وطهران، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لإسرائيل: بالنسبة للإيرانيين تعتبر إسرائيل العدو الدائم ـ على الأقل على المستوى الرسمي ـ في حين تشكل بالنسبة للروس حليفا دائما وضروريا في ما يتعلق بترتيب مستقبل سوريا.
اختلاف هذه المقاربة، جعل إيران تعمل على جعل سوريا مكانا يهدد إسرائيل، في حين تعمل روسيا على تحويل سوريا لمكان آمن بالنسبة لإسرائيل، وهنا نقطة الضياع الروسي أو على الأدق حالة الستاتيكو التي تعانيها روسيا، فلا هي قادرة على إيقاف الاستراتيجية الإيرانية، ولا هي قادرة على وقف الهجمات الإسرائيلية، وسيبقى هذا العجز الروسي قائما إلى أن تحدث متغيرات مفاجئة وكبيرة في الحضور الأمريكي داخل سوريا.
*كاتب وإعلامي سوري
ترانيم صهيونية في رسائل لافروف- لابيد
بين إدلب والأردن.. مفارقات السياسة
هل تحتمي أمريكا بالمظلة الروسية في أفغانستان وسوريا؟