مشروع قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي أحدث انقساماً بين دول معارضة ودول أخرى مؤيدة.
وكانت دولة الاحتلال قد احتفت بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب.
ولكن سرعان ما تبين أن الانضمام بحاجة إلى قرار يصدر عن القمة الإفريقية، ولم يتمكن اجتماع وزراء الخارجية الإفريقي من تقديم توصية بقبول عضوية إسرائيل كمراقب، فأحالوا القرار للقمة الإفريقية التي ستعقد في شباط 2022.
الانقسام الإفريقي بدأ يتبلور أكثر بين دول معارضة في مقدمتها الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، ودول مؤيدة بينها المغرب والسودان وتشاد ومالي التي أبرمت اتفاقات تطبيع وأقامت علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال.
قبول إسرائيل كعضو مراقب أو عدم قبولها يطرح على بساط البحث الأدوار والعلاقات الجديدة فيما إذا كانت منسجمة مع مصالح الشعوب الإفريقية أم لا.
إسرائيل كدولة كولونيالية تمارس الاحتلال والنهب والأبارتهايد والسيطرة على الشعب الفلسطيني، هل ستكون عوناً وداعما للشعوب الإفريقية التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة ومن غياب الحريات العامة والخاصة والديمقراطية؟
المعلن من قبل دولة الاحتلال أنها ستمد يد العون للدول الإفريقية، كالمساعدة في الحرب ضد المنظمات الإرهابية ونقل التكنولوجيا وتطوير الزراعة وتحلية المياه.
وواقع الحال أنه توجد أطماع إسرائيلية كبيرة في إفريقيا، كتوسيع سوق السلاح الإسرائيلي إلى إفريقيا وقد استخدم السلاح الإسرائيلي في حروب أهلية راح ضحيتها الآلاف.
وترغب إسرائيل في تغيير صورتها كدولة محتلة والخروج من عزلتها في مؤسسات الأمم المتحدة حيث يوجد 55 دولة إفريقية تصوت في معظمها لصالح الشعب الفلسطيني وضد دولة الاحتلال.
وهناك هدف إسرائيلي استراتيجي هو الحصول على موطئ قدم في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
كما يهم إسرائيل الوصول إلى الثروات الإفريقية، والمعروف أن إفريقيا غنية بمعادن الذهب والماس والبلاتين واليورانيوم والكروم وغيرها.
الأخطر من ذلك أن الأنظمة العسكرية وغير الديمقراطية تجد في إسرائيل ضالتها في تدعيم حكمها في مواجهة شعوبها والقوى الديمقراطية التي تطرح التغيير، وتجد في إسرائيل البوابة الذهبية للدخول في علاقات مع أميركا.
نماذج علاقات إسرائيل الإفريقية اقترنت بضغوط وابتزازات؟ ففي العلاقة مع جنوب السودان اقترن الدخول الإسرائيلي بتأجيج الصراع واستخدم السلاح الإسرائيلي في مجازر، أما العلاقة مع السودان، فسنجد أن موافقة السودان على التطبيع اقترنت بشطب السودان من قائمة الإرهاب بدعم من إدارة ترامب، وبالمساهمة في توفير المقومات المالية اللازمة من جيب دولة الإمارات مقابل إبرام اتفاق التطبيع.
كما نرى لقد جرى تجاهل منظومة القيم التي تُشهر دائماً في وجه الدول المتهمة بالإرهاب في مقابل تلبية مصالح دول الهيمنة أو التي تسعى للهيمنة.
الموقف نفسه ينطبق على شروط التطبيع مع المملكة المغربية الذي كان ثمنه اعتراف إدارة ترامب بالصحراء المتنازع عليها بين المغرب والجزائر باعتبارها أراضي مغربية، ولا يهم إذا كان ذلك مخالفاً لقرارات الأمم المتحدة ولمساعيها في إيجاد حل للنزاع ولا يهم إذا ما أدى ذلك إلى احتدام النزاع بين المغرب والجزائر، المهم تحقيق الهدف الإسرائيلي في عبور إفريقيا.
قد لا تنجح محاولة إسرائيل نيل عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي، على أهمية ذلك من الناحية الرمزية والمعنوية، بيد أنه لا ينهي شبكة العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي نسجتها دولة الاحتلال مع دول ونخب عسكرية واقتصادية في طول القارة الإفريقية وعرضها.
بيت القصيد أن دولة الاحتلال تنتقل إلى دور إمبريالي يتجاوز الأدوار الإمبريالية التقليدية بعد أن أخضعت المنطقة العربية، والآن جاء دور إفريقيا كمجال لنشر الهيمنة الإسرائيلية وتحقيق الأطماع.
للأسف لا تزال قراءة الدور الإسرائيلي قاصرة أو لا ترتقي إلى مستوى فعل هذه الدولة وتحولاته الخطيرة.
إذا قارنا بين التحليل المعمول به عربياً وفلسطينياً راهناً سنجد البون الشاسع الذي يفصله عن التحليل الإسرائيلي.
يقول الكاتب الإسرائيلي دان شيفتن في "هآرتس" تحت عنوان "هكذا أخرجت إسرائيل مصر من المعادلة الاستراتيجية للصراع العربي – الإسرائيلي": اتفاق السلام الذي وقع مع مصر العام 1979 جسد بالكامل الهدف الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي الشامل، "1967 مقابل 1948"، - المقصود ما خسرته مصر وحدها في العام 67 - وإخراج مصر من المعادلة الاستراتيجية للصراع العربي – الإسرائيلي.
اتفاق السلام العام 1979 أعطى لإسرائيل 100% وليس أقل من ذلك على المستوى الاستراتيجي الشامل: اتفاق سلام منفصل صمد أكثر من أربعين سنة. ووضع نهاية ليس فقط للحرب مع مصر، بل أيضا نهاية لإمكانية اندلاع حرب شاملة.
الاتفاق المنفرد مع مصر تخلى عمليا عن الفلسطينيين ومنع أيضا سورية من شن حرب ويعده تم احتلال عاصمة عربية (بيروت) وتدمير مفاعلات نووية في العراق وفي سورية وشن هجمات جوية في دول عربية (من العراق وحتى السودان) وسحق الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية.
ويضيف الكاتب، تحققت الشروط الضرورية التي مكنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من استبدال النزاع بين إسرائيل والعرب بتحالف فعلي بين إسرائيل ومعظم الدول العربية ضد إيران وتركيا والإخوان المسلمين.
في الواقع الجديد الولايات المتحدة لم يعد مطلوباً منها الاختيار بين إسرائيل وبين العرب لأنهم في معظمهم يوجدون في نفس الطرف.
ربما تقاطع هذا التحليل مع تحليلات بعض المفكرين والسياسيين العرب والفلسطينيين في السنوات الأولى لإبرام الاتفاق. لكن هذا التحليل طويت أوراقه واستبدل بخطاب سطحي واهن غير واقعي.
وكأننا أمام ثابت فلسطيني هو استمرار التحليل والخطاب والمطالبات والأساليب والعلاقات على حالها، ومتغير إسرائيلي ينتقل إلى حالة تحالف مع النظام العربي، ويعمل على تفكيك حلفاء الشعب الفلسطيني عالمياً وصولاً إلى القارة الإفريقية، وكل ذلك على قاعدة إيجاد مصالح مع أنظمة ونخب اقتصادية ومالية، وإقصاء منظومة قيم التحرر وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
المواجهة السياسية غير المتكافئة والخسارات المتلاحقة لا تواجه برفض يتبرأ من النتائج المأساوية والطرق التي أفضت إليها.
فطالما جرى الانتماء لفكر الهزيمة وحوامله العربية والإقليمية، فإن الرفض لا يستطيع وقف التدهور والنهوض مرة أخرى.
السؤال. نحن بحاجة إلى إعادة تقييم ونقد لبرنامج التسوية ومقوماته، ولبرنامج المعارضة ومقوماته. بعيداً عن الشعارات التي لا تحترم العقل.