أتحدث للإجابة على سؤال الكيف - كيفية دفع السيسي ممثل دول الجيش في
مصر إلى عقد تسوية سياسية ومصالحة اجتماعية مع أقوى وأهم فصيل في مصر (
الإخوان المسلمون) وقوى المعارضة السياسية المختلفة، خاصة الناشئة منها من رحم ثورة يناير المجيدة 2011م.
والعبرة هنا بامتلاك أسباب القوة وأوراق الضغط المختلفة لدفع الطرف الآخر للتفاوض، أما في حالة استمرار الخلل في موزاين القوة، وأوراق الضغط فلا حديث عن تفاوض وتسوية أو مصالحة؛ إنما سيكون الحديث عن كسر إرادة وتطويع مهين للطرف الضعيف المنهزم، للقبول بفرض إرادة وتعليمات الطرف القوى المنتصر، وهذا ما لا أقتنع ولا أهتم ولا أدعو إليه أبدا، بل أنهى عنه وأحذر منه.
طرحنا في المقال السابق ثلاث أسئلة خاصة بالسيسي، وسبع أسئلة خاصة بالإخوان، وما يعنينا هنا هو توفير الدعم الفكري اللازم للإخوان بالإجابة على الأسئلة السبع؛ الخاصة بالذات والصراع والمهمة والقدرات والكيف والفرص وصناعة أوراق القوة وإدارتها تفاوضيا.
وفي مجمل الإجابة عليها يمكننا رسم
استراتيجية واضحة لدفع السيسي أمام خيار
التفاوض، والذي لن يلجأ إليه إلا مجبرا ومضطرا.
وكلها معنية بتطوير البنيان المؤسسي والفكري والقيادي للإخوان، وإعادة بناء الصورة الذهية وإعادة التموضع داخل المجتمع المصري كحاضنة طبيعية لأبنائه المصلحين، وامتلاك قوة حقيقية وأدوات فعل تترجم لأوراق ضغط وتفاوض.
الاستحقاقات والشروط المطلوبة من الإخوان المسلمين:
في سياق القوانين الخاصة بالمصالحة بين الأطراف غير المتماثلة، وفي ظل المعطيات الحالية لكلا الطرفين، يمكننا طرح أهم الشروط الواجب توافرها لدى الإخوان المسلمين لاستعادة وجودهم وقوتهم وفاعليتهم، وتصالحهم مع أنفسهم ومع الشعب المصري ومع العالم من حولهم، بما يعزز قدرتهم على إجبار السيسي على عقد مصالحة معهم. سأكتفي بالعناوين فقط ولكل حدث حديثه وأهله وتفاصيله:
أولا: إعادة هيكلة مؤسسة الإخوان المسلمين في المحاور الأربعة: الفكر والقيادة والتنظيم والوسائل.
ثانيا: مصالحة الشعب المصري والنظام الإقليمي والدولي، ببيان حقيقة المشروع الوطني الإصلاحي الحضاري للإخوان المسلمين في مصر، وإعلان تفهم ورغبة الإخوان في التعاطي مع النظام العالمي والمحافظة على الاستقرار الإقليمي والدولي، وتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب المصري.
ثالثا: إعادة كتاب التاريخ الوطني الكبير لجماعة الإخوان وفق قواعد كتابة التاريخ الملهم للشعوب، وليس تاريخ مظلومية منظمة سرية مغلقة على نفسها، تعادي العالم، ولا علاقة لها بمجتمعها.
ثالثا: امتلاك حلم ومشروع وطني متكامل (ثقافية وهوية، اقتصادي، سياسي) واضح يتبناه الشعب المصري وبيان كيفية تحقيقه، ومسئولية ومهام وأدوار الشعب لتحقيقه.
رابعا: إعادة بناء وتطوير وتحسين الصورة الذهنية مع العالم الخارجي، كشريك واعٍ يفهم النظام العالمي ويتعاطى معه بعقلانية وواقعية.
خامسا: صناعة وامتلاك أوراق ضغط هجينة للضغط على النظام المصري وإجباره على التفاوض والمصالحة، وكلها أدوات حقيقية قادرة على تحريك الشارع وتحقيق التغيير.
استراتيجية توفير الاستحقاقات والشروط المطلوبة من الإخوان المسلمين:
في سياق القوانين الخاصة بالمصالحة بين الأطراف غير المتماثلة، وفي ظل المعطيات الحالية لكل الطرفين، يمكننا طرح أهم الشروط الواجب توافرها لدى الإخوان المسلمين لاستعادة وجودهم وقوتهم وفاعليتهم وقدرتهم على إجبار السيسي على عقد مصالحة معهم. سأكتفي بالعناوين فقط، ولكل حدث حديثه وأهله وتفاصيله.
1- استعادة الوحدة والاحتشاد تحت قيادة واحدة شرعية منتخبة، ومعياره قيادة فكرية استراتيجية تحمل رؤية حقيقية لمستقبل الإخوان، يعترف ويعتز بها ويذعن لها الجميع.
2- التطوير الهيكلي في مؤسسة الإخوان على مستوى الأفكار والبنية المؤسسية ونظام القيادة، ومعياره نظام مؤسسي حديث وفق معايير المؤسسية الحديثة.
3- الخروج من نفق السرية والعزلة الذاتية التي فرضتها الجماعة على نفسها منذ تأسيسها، والتي عزلتها عن المجتمع المصري كمؤسسة سرية مغلقة، والتحول إلى مؤسسة دعوية وإصلاحية كبرى، تمثل حركة تحرر وتنمية وبناء ونهضة لكل الشعب المصري، تعرف أدبياتها ومناهجها وهياكلها وكيفية تربيتها لأفرادها وقادتها على كافة المستويات وآلية اختيارهم، وخطتها وأهدافها، عارضة نفسها على شعبها المصري وحاضنتها الأساسية لكسب ثقته ودعمه ومشاركته، وقطع الطريق أمام النظام على تشويهها وتجريمها وعزلها تمهيدا لسحقها مرة بعد مرة، على الأقل في خارج مصر، على أن يؤجل الإشهار داخل مصر إلى حين تجاوز مرحلة القمع الشديد الجارية.. ومعياره أن تتحول قيادات الجماعة على كافة المستويات إلى قيادات شعبية وطنية، ويتحول مشروع الإخوان إلى مشروع وطني للتحرر والتحول الديمقراطي وبناء وتنمية مصر يحمله الشعب المصري.
4- التصالح مع العالم والوطن وومع النظام الدولي بإعادة تنقيح وتجديد والصياغة للأدبيات الإخوانية الأساسية التي تشكل صلب فكر الإخوان، والتي تمثل الوثيقة الاستراتيجية للمؤسسة بشكل تصالحي مع مجتمعها ومع الدولة القومية ومع النظام العالمي الحالي، كدعوة إصلاحية تسعى لبناء دولة مدنية حضارية حديثة تشارك في تعزيز السلم والأمن والاستقرار العالمي، بعيدا عن فكرة الأستاذية والوصاية على العالم وإعلان العداء معه والحرب عليه وغزوه وإسقاط إمبروطرياته.. إلى آخر ذلك من الأيديولوجية التي لا تتوافق مع روح ورسالة الإسلام الحضارية، وتزعج وتخيف العالم وتصنع معه عداءات لا داعي لها.
5- بناء شبكة علاقات استراتيجية بهدف التواصل مع العالم مباشرة والتعريف بنفسها ورؤيتها التشاركية مع العالم، وبيان أهمية وجودها في الحياة العامة المصرية، سواء في الحكم أو خارجه، بإعادة تفعيل شبكة العلاقات الدولية التي يتمتع بها إخوان مصر في أكثر من سبعين دولة حول العالم، وتعزيزها بمزيد من التواصل مع العلماء والمفكرين والقادة والمسئولين وصناع القرار، ومراكز البحوث والدراسات الداعمة لها.. ومعياره ثقة واعتراف العديد من الدول والمؤسسات تباعا بمؤسسة الإخوان في مصر كمؤسسة وطنية إصلاحية داعمة للنهوض والاستقرار في مصر، يمكن الاعتراف بها والتعاون معها.
6- امتلاك استراتيجية وسياسات منظمة لعلاقتها بالدولة المصرية؛ تستطيع أن تصل بها تدريجيا عبر تطوير قدراتها وأدواتها إلى إقرار مبادئ استقلال الإرادة والمشاركة في بناء الدولة، وحق المنافسة الديمقراطية على الوصول للحكم كمؤسسة وطنية معروفة ومفتوحة لجميع المصريين، خالصة في توجهاتها وأهدافها لخدمة القطر المصري، يتمتع أعضاؤها بكامل حقوق المواطنة تمارس مهام تربوية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية لتحقيق تطلعات وأهداف الشعب كجزء أصيل من المجتمع المصري.. ومعياره الاعتراف الشعبي ثم الانتزاع التدريجي بالاعتراف الحكومي بمؤسسة الإخوان.
7- مصالحة الشعب أولا قبل مصالحة النظام، بالاعتراف بالقصور والخطأ وبيان الأسباب الحقيقية لما حدث - رواية الإخوان الموجزة لما حدث من إخفاق في الجولة الأولى - وبيان خطة التعافي من الأخطاء وصدمة الجولة الأولى، والإصرار على تحقيق حلم الشعب المصري في التحرر والتحول الديمقراطي والتنمية والنهوض.
8- صناعة المشروع الوطني وتصديره للشعب لقراءته وفهمه وتبنيه، والاقتناع به وبإمكانية تحقيقه.
9- صناعة وتقديم قيادات مجتمعية يمتلكون كاريزما رجال دولة القادرين على مواجهة ومغالبة الاستبداد والمستحقين لكسب إعجاب وقناعة الشعب كقيادات قوية أمينة، وليس قيادات تروية لتنظيم سري مغلق يعيش في الغرف المظلمة، ولا يجيد التفكير والتحدث والعيش إلا مع بعضه، ولا يعمل إلا لتنظيمه فقط.
10- إعادة كتابة التاريخ الوطني الكبير لجماعة الإخوان على مبادئ الوطنية والتحرر والتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب، والقوة والإنجاز والتضحية لله والوطن، والثقة في الذات والشعب والنصر.
11- إعادة النظر في مفهوم القوة المدنية وفق معطيات تطور فكر وأدبيات الصراع والحرب الهجينة، وامتلاك قوة فعل حقيقية يمكن من خلالها صناعة أوراق الضغط الهجينة على النظام.
12- الاستثمار في تفريط وأخطاء وفشل نظام السيسي المتكرر، وفق نظريات استثمار الفرص وصناعة الفرص، وتنوع أوراق الضغط القانوني والسياسي والاقتصادي والهجيني.
وكلها إجابات ومشاريع وبرامج وإجراءات عمل تحتاج إلى قيادة نوعية كبيرة مما يطلق عليه في عرف الحركات الدينية والسياسية بالقيادات التاريخية، أمثال الخطابي في المغرب، وابن باديس في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، وحسن البنا والسادات في مصر، وغاندي في الهند، ومانديلا في جنوب أفريقيا، ومهاتير مداد في ماليزيا، ولي كوان في سنغافورة، وأخيرا أوردغان في تركيا.
وهذا وإن لم يتوفر كفرد يمكن أن يتوفر كفريق عمل لكنه متميز ومتجرد ومتجانس إلى حد كبير وعميق، عبر انفتاح واع ومخلص من القيادة التنفيذية الحالية بالتوسع في استقطاب خبراء ومستشار الإخوان في التخصصات المختلفة، في شكل فرق عمل استشارية لدعم تفكير وصناعة القرار بالجماعة.
كلمة السر ومفتاح الحل في الاستعانة بالمفكرين والخبراء المتخصص لتعزيز وإحياء عقل الجماعة.