نشرت
مجلة "
فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن
والت، قال فيه إنه عندما أصبح جو بايدن رئيسا، فقد افترض الكثيرون أن إدارته ستدير علاقات
أمريكا مع الدول الأخرى بطريقة جيدة، وأن عصر دبلوماسية "تويتر" سينتهي.
وفُهم من شعار بايدن ’أمريكا عادت‘، أن الدبلوماسية ستحل محل القوة العسكرية كأداة مفضلة
للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو بالضبط ما يريده الشعب الأمريكي.
فريق
بايدن من ذوي الخبرة ومن التيار السائد، على عكس المبتدئين الذين عملوا في البداية
مع دونالد ترامب. ولذلك كان يُتوقع سياسة خارجية سلسة..
لم يحصل
هذا. ومع ذلك فيمكن لبايدن وفريقه ادعاء بعض النجاحات الأولية: إعادة الانضمام إلى
اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، واستئناف المحادثات مع إيران، وقيادة
اتفاقية عالمية ضد الملاذات الضريبية الخارجية، ودعم الجهود العالمية ضد كوفيد-19،
وإصلاح العلاقات مع حلفاء الناتو الرئيسيين في قمة بروكسل في تموز/ يوليو. بالإضافة
إلى ذلك، فإن بايدن بذل جهودا كبيرة للتمحور نحو آسيا أكثر من أي من أسلافه، وهذا ليس بالأمر
الهين في حد ذاته.
ولكي
نكون منصفين، فإنه نادرا ما تحدث النجاحات الدبلوماسية بين عشية وضحاها. فعادة ما يتطلب
إحراز تقدم حقيقي ودائم في القضايا الكبيرة جهودا متواصلة وصبرا على مدار عدة أشهر،
إن لم يكن لسنوات. ويتطلب الوصول إلى اتفاقيات مفيدة مع كل من الحلفاء والخصوم دائما
درجة معينة من الأخذ والعطاء (لضمان أن يكون للجميع مصلحة في النتيجة)، وحتى دولة قوية
مثل أمريكا فإنها نادرا ما تحصل على كل ما تريد. فلا ينبغي لأي شخص جاد أن يتوقع معجزات السياسة
الخارجية في السنة الأولى للرئيس في المنصب.
ومع
ذلك، فإن جوانب معينة من أداء بايدن مقلقة، مما دفع عددا من المراقبين إلى إجراء مقارنات
مع سلفه. فلم تصل المحادثات مع إيران إلى نتيجة بسبب مزيج من الشك المتبادل، وصعوبة
الجانب الإيراني، وخجل الإدارة نفسها، والرهان الآن هو أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق
جديد. في الواقع، يبدو أن بايدن يتجه نحو نسخته الخاصة من "الضغط الأقصى"،
وهي استراتيجية تمت تجربتها مرارا ولم تنجح أبدا.
ويضيف
والت: أنا لست منتقدا لمعالجة الإدارة لفك الارتباط في أفغانستان كما ينتقد بعض المراقبين
-خاصة العديد من الأوروبيين المراهقين- لكن فريقا متطورا وماهرا مثل هذا الفريق كان
بإمكانه القيام بعمل أفضل في نزع فتيل مخاوف الحلفاء أثناء التنفيذ. انسحاب معقول ويمكن
التنبؤ به تماما. يمكن أن تكون شراكة أمريكا والمملكة المتحدة وأستراليا (AUKUS) الجديدة خطوة مهمة نحو الحفاظ
على توازن ملائم للقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن هل كان من الضروري حقا
تجاهل فرنسا في هذه العملية؟ يبدو أنه تم بذل القليل من الجهد لتهدئة المشاعر الفرنسية
مسبقا. إهمال مثل هذا الذي يرقى إلى سوء تصرف الدبلوماسي كيفما نظر إليه.
علاوة
على ذلك، فإنه بالنسبة للإدارة التي تقول إنها تريد وضع الدبلوماسية في المقدمة والوسط،
فقد أبطأ فريق بايدن في ملء المناصب الدبلوماسية الرئيسية. بعض هذه التأخير ناتج عن
أنانية بعض السياسيين المهتمين بأنفسهم مثل السيناتور تيد كروز وجوش هاولي، الذين عطلوا
تعيينات رئيسية من أجل الانغماس في رغبتهم بالظهور بمظهر المؤثرين. لكن المشكلة تتجاوز
مجرد اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين "الاستعراضيين"، حيث كان بايدن
بطيئا في ترشيح أشخاص للمناصب الدبلوماسية الرئيسية ومناصب سياسية أخرى.
ولكن
بالتأكيد فإن سجل بايدن الأقل من الكامل حتى الآن بعيد كل البعد عن الدبلوماسية المدمرة
النشطة لترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، مثل ترك الشراكة العابرة للمحيط الهادئ،
والتخلي عن اتفاقية باريس للمناخ، وتمزيق الاتفاق النووي مع إيران. إضافة إلى إخفاقات
أخرى مثل حروبه التجارية أو اجتماعات القمة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
في حالة
بايدن، على النقيض من ذلك، نرى سياسات منطقية يتم اتباعها بإهمال من قبل فريق كان من
المفترض أن يكون أفضل بكثير في إدارة العلاقات مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
لكن
ما يهم في النهاية هو النتائج، وحتى المؤيدون الأقوياء لإدارة بايدن فإنهم يجب ألا يترددوا
في تحميلها المسؤولية عندما تقصر. في الوقت نفسه، تكشف الفجوة بين تطلعات الإدارة وأدائها
الكثير عن الصعوبة الكامنة في إدارة سياسة خارجية ناجحة، لا سيما بالنظر إلى الطموحات
المتفائلة التي تجد الإدارات الأمريكية تقريبا أن من المستحيل مقاومتها.
ابتداء،
انتهى زمن أحادية القطب، ونحن نعيش الآن في عالم متعدد الأقطاب غير متوازن. وكما فهم
منظرو العلاقات الدولية منذ فترة طويلة، فإن العلاقات بين القوى الكبرى في التعددية
القطبية هي بطبيعتها أكثر تعقيدا وعرضية ويصعب إدارتها من العلاقات في القطبية الثنائية
أو الأحادية. فمع وجود أكثر من قوتين رئيسيتين، فإنه من غير المرجح أن تصطف مصالح الجهات
الفاعلة المهمة بطريقة متسقة ويمكن التنبؤ بها، كما أن الأخطار المزدوجة المتمثلة في
التخلي والوقوع في الشرك تصبح متوقعة بشكل أكبر.
وبدلا من الاصطفافات الواضحة "نحن ضدهم"
النموذجية للقطبية الثنائية (على سبيل المثال، حلف شمال الأطلسي مقابل حلف وارسو)،
فإن المرء يتوقع ترتيبات أكثر مرونة حيث يتفق الشركاء على بعض القضايا دون الأخرى.
أفضل
مثال على هذا هو موقف ألمانيا الغامض إلى حد ما، فمن ناحية، برلين ملتزمة بشدة بحلف
الناتو، ولا يزال القادة الألمان يولون أهمية كبيرة لوجود علاقات قوية مع أمريكا. ولذلك
كان هراء ترامب الفظ وتجاهل المستشارة أنغيلا ميركل شخصيا مقلقين لهذا السبب على وجه
التحديد. لكن من ناحية أخرى، ترفض برلين الاصطفاف بشكل كامل وراء موقف أمريكا تجاه
روسيا والصين لأن بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2" مع روسيا والحفاظ على أسواق
التصدير في الصين يخدم المصلحة الوطنية الخاصة لألمانيا.
يرى
المرء ديناميكية مماثلة مع دول مثل تركيا والهند. وعلى الرغم من أن كلا منهما يشترك
في عدد من المخاوف الاستراتيجية مع أمريكا، فإنهما مستعدتان أيضا لشراء الأسلحة
من روسيا.
ويمنح وجود العديد من القوى العظمى الدول الأخرى مزيدا
من الخيارات ويزيد من قدرتها على الضغط لإبرام صفقات أكثر صعوبة أو مواجهة الضغط الأمريكي،
كما أثبتت كل من فنزويلا وإيران. ويمكن للبلدان التي لا ترغب في الاعتماد على المساعدة
من أمريكا أو البنك الدولي أن تستكشف دائما ما قد تكون بكين وموسكو على استعداد لتقديمهما
بدلا من ذلك.
وينشأ
التحدي الثاني من المشكلات العالمية التي تتجاوز التنافس التقليدي بين القوى العظمى
والتي لا يمكن معالجتها دون تعاون مكثف عبر خطوط الصدع الجيوسياسية الحالية. تغير المناخ
هو المثال الأبرز لهذه المشكلة، ولكن يمكن للمرء أن يضيف بسهولة الاستجابات الوبائية،
وإدارة الاقتصاد الكلي العالمي، والإرهاب الدولي.
أدت
الاهتمامات المشتركة مثل هذه في بعض الأحيان إلى التخفيف من حدة الصراع بين القوى العظمى
في الماضي (على سبيل المثال، شجع الخوف المشترك من الثورة الممالك الأوروبية على التعاون
خلال اتفاقية الوفاق الأوروبي). لكن لسوء الحظ، فإن مواجهة منافس نظير مهمة أسهل بكثير
عندما لا تكون ترغب في التعاون معه في الوقت نفسه في قضايا مكلفة ومعقدة ومكلفة سياسيا
مثل تخفيض انبعاثات الكربون. فحتى رئيس أو وزير خارجية يجمع أفضل خصال أوتو فون بسمارك
ودين أتشيسون ونيلسون مانديلا وجاسيندا أرديرن وسون تزو سيواجه صعوبة في سلوك هذا الطريق
الصعب.
ثم هناك
مشكلة الغطرسة المزمنة. ربما يسعى بايدن إلى أجندة سياسة خارجية أكثر واقعية إلى حد
ما مما فعل بيل كلينتون أو جورج بوش الابن أو حتى باراك أوباما، لكنه لا يلعب لعبة
صغيرة. لقد أنهى الحملة الصليبية الأمريكية غير المثمرة في أفغانستان ولا يبدو مهتما
بمحاولة إصلاح الشرق الأوسط، لكنه يريد فعل المزيد في المحيطين الهندي والهادئ، وتنشيط
الناتو، وحل مشكلة المناخ، وتوحيد الديمقراطيات في العالم ضد الاستبداد وإطلاق أجندة
اجتماعية طموحة في الداخل من شأنها أن تؤثر حتما على العلاقات الاقتصادية لأمريكا مع
بقية العالم. ألم يقل وزير الخارجية أنتوني بلينكن أيضا أن الإدارة ستضع حقوق الإنسان
في قلب سياستها الخارجية؟ اجمع كل ذلك وستحصل على أجندة رائعة، سيكون من الصعب تنفيذها
حتى لو كانت مؤسسة السياسة الخارجية متحدة وراء كل بند في القائمة وكان الديمقراطيون
يتمتعون بهوامش مريحة ضد الفيتو في مجلسي النواب والشيوخ.
وهو
ما يقودنا إلى مشكلة رابعة وثيقة الصلة. بالنظر إلى التزامات أمريكا العديدة وطموحاتها
الكبيرة، من المستحيل ببساطة وضع استراتيجية سياسة خارجية خالية من التناقضات الداخلية.
وكما يذكرنا روبرت رايت، فإن الخطوات التي يتم اتخاذها للنهوض بأحد الأهداف العزيزة
يمكن أن تجعل تحقيق الأهداف الأخرى أكثر صعوبة. أدى الخروج من أفغانستان إلى تحرير
الموارد لتحقيق التوازن في الصين، لكنه عقد العلاقات مع الحلفاء الآخرين وقوض موقف
الإدارة في مجال حقوق الإنسان. وتبشر اتفاقية AUKUS الجديدة بموقف أقوى في منطقة
آسيا والمحيط الهادئ، لكنها أغضبت حليفا قديما ويمكن أن تقوض جهود منع الانتشار النووي.
قد يؤدي
حشد الديمقراطيات في العالم إلى تعزيز مكانة أمريكا في الداخل والخارج، ولكنه سيجعل
من الصعب أيضا التعاون مع روسيا والصين في القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل تغير المناخ.
كلما حاولنا تحقيق المزيد من الأهداف، زاد خطر أن يؤدي النجاح في مجال ما إلى الفشل
في آخر.
ولكن
أيضا كما أشرت من قبل، لا يزال النظام السياسي الأمريكي معرضا بشكل ملحوظ لجميع أنواع
التأثيرات الخارجية المؤذية، سواء من خلال جماعات الضغط المحلية والأجنبية، أو مجموعات
المصالح الخاصة، أو روبوتات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعمل كل منها على ترجيح السياسة
الخارجية الأمريكية في الاتجاه الذي يهمها. أضف إلى ذلك الممارسة الأمريكية الغريبة
(الفريدة بين القوى الكبرى) المتمثلة في منح أكثر من 30% من جميع مناصب السفراء إلى
مانحي الحملة الأثرياء بدلا من الدبلوماسيين المحترفين المدربين، مما يجعل مستوى أداء
أقل من الأمثل في السياسة الخارجية أمرا متوقعا.
كما
أن أمريكا فريدة أيضا من حيث مدى التغيير الذي يحدث عندما يتغير الحزب في البيت الأبيض
(وصولا إلى مستوى نواب مساعدي الوزراء وما دونه). من الناحية العملية، يترك هذا مناصب
رئيسية شاغرة لأشهر ويجبر كل إدارة جديدة على القيام بالكثير من التدريب أثناء العمل.
لا يعفي
أي من هذه الاعتبارات بايدن أو فريقه من بعض الأخطاء. بشكل عام، لا تزال هناك إدارة
تحاول القيام بالأشياء الصحيحة بدلا من السير بنشاط في عدة اتجاهات خاطئة في وقت واحد،
وأنا على استعداد لمنحهم مزيدا من الوقت لإظهار ما يمكنهم فعله. سيساعد ذلك أن يحددوا
أولويات أكثر وضوحا ولا يحاولوا فعل الكثير لأنهم يحتاجون أيضا إلى الاحتفاظ ببعض الإمكانيات
الزائدة، بما في ذلك أندر سلعة على الإطلاق، الوقت، للتعامل مع المفاجآت التي تواجهها
كل إدارة حتما.