قرأت الكثير من الشعر، ولم يلتصق بذاكرتي إلا القليل منه، ولم أولع به يوما، فقد رفضت نفسيتي وذاكرتي حفظه، بالرغم من أنها حفظت أشياء كثيرة أخرى لا معنى لها، كما لم أقتن يوما ديوان شعر، وكل حصيلتي من حفظ الشعر، بعد سبعين عاما من الدراسة والعمل، لا تتجاوز أبياتا حفظتها قسرا في «المتوسطة»، من قصيدة امرئ القيس، التي يقول فيها:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً*** كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ .. إلخ.
كنت أستمع قبل أيام لإذاعة الكويت، فتناهت لسمعي أبيات شعر، وكلام عن نزار قباني، فأعجبني ما سمعت ودفعني إلى البحث في (النت) عن الشعر وعيونه، فوجدت كنوزا رائعة، ولكني لست نادما لأنني لم أحفظ من الشعر شيئا، فكل بيت قرأته منه نسيته وأنا أقرأ البيت التالي له.
وهذه مقاطع مختارة من قصيدة نزار قباني التي أعجبني كثيرا:
***
وعدتكِ أن لا أحبكِ
ثم أمام القرار الكبير جبنت
وعدتكِ أن لا أعود..... وعدتُ
وأن لا أموت اشتياقا.... ومتُ
وعدت مرارا
وقررت أن أستقيل مرارا
ولا أتذكر أني.... استقلت
وعدت بأشياء أكبر مني
فماذا غدا ستقول الجرائد عني
أكيد.. ستكتب أني
جننت
أكيد.. ستكتب أني
انتحرت
وعدتكِ.. أن لا أكون ضعيفا
وكنت
وأن لا أقول بعينيكِ شعرا
وقلت
وعدت بألا وألا وألا
وحين اكتشفت غبائي
ضحكت
وعدتكِ.. أن لا أبالي بشعرك
حين يمر أمامي
وحين تدفق كالليل فوق الرصيف
صرخت
وعدتكِ.. أن أتجاهل عينيكِ
مهما دعاني الحنين
وحين رأيتهما تمطراني نجوما
شهقت
وعدتكِ.. أن لا أوجه أي رسالة حب إليكِ
ولكنني ــ رغم أنفي ــ
كتبت
وعدتكِ.. أن لا أكون في أي مكان
تكونين فيه
وحين عرفت أنك مدعوة للعشاء
ذهبتُ
وعدتكِ ألا أحبك
كيف؟.. وأين؟.. وفي أي يوم تراني
وعدت؟
لقد كنت أكذب من شدة الصدق
والحمد الله أني
كذبتُ
وعدت.. بكل برود وكل غباء
بإحراق كل الجسور ورائي
......
أنتِ البلاد وأنت القبيلة
وأنت القصيدة قبل التكون
أنت الدفاتر أنت المشاوير
أنت الطفولة
وعدت.. بإلغاء عينيكِ من دفتر الذكريات
ولم أكن أعلم أني سألغي
حياتي
ولم أكن أعلم أنكِ
رغم الخلاف الصغير أنا
وأني أنتِ..
وعدتكِ أن لا أحبك
ياللحماقة ماذا بنفسي
فعلت؟
لقد كنت أكذب من شدة الصدق
والحمد لله أني
كذبت
.....
وعدتكِ أن لا أعود.... وعدت
وأن لا أموت اشتياقا.... ومت
وعدت بأشياء أكبر مني
فماذا بنفسي فعلت؟
لقد كنت أكذب من شدة الصدق
والحمد الله أني... كذبتُ.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw
(عن صحيفة قبس الكويتية)