رغم نفي حركة حماس علاقتها بمزاعم مصادرة أموال استثمارات تابعة لها في السودان، تتواصل حالة الجدل، خاصة مع مطالبة السلطة الفلسطينية، للخرطوم، تسليمها تلك الأموال المزعومة، ما يطرح أسئلة حول سبب تبني الأخيرة لهذا الموقف.
وأعلنت السلطات السودانية الخميس الماضي، مصادرة جميع أصول حركة "حماس" المزعومة في السودان، والتي تصل بحسب الرواية السودانية إلى 1.2 مليار دولار، وفق ما أوردته وكالة "رويترز".
وعقب هذا الإعلان من قبل السودان، التي سبق وأن أعلنت عن تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الجمعة 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، سارعت السلطة الفلسطينية، السبت الماضي، لمطالبة الخرطوم بتسليمها تلك الأموال.
وتظهر الأصول المزعومة التي تم الاستيلاء عليها، بالتفصيل، بحسب مسؤولين من فرقة عمل تم تشكيلها لتفكيك نظام البشير، أن "الأصول تشمل عقارات، وأسهم شركات، وفندقا في موقع رئيسي في الخرطوم، ومكتب صرافة، ومحطة تلفزيونية، وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية".
صراعات داخلية
وقال رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ، في تغريدة على حسابه في "تويتر": "نتمنى على دولة السودان الشقيقة التي كانت دوما شعبا وحكومة مع شعب فلسطين أن تسلم الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تم مصادرتها إلى دولة فلسطين ولحكومة فلسطين".
وأضاف الوزير: "الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون لهذه الأموال وتحديدا شعبنا العظيم الذي يرزح تحت الحصار في غزة هاشم".
وفي أول تعليق على تصريحات الشيخ، أكد العضو البارز في المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، أن "حسين الشيخ يحاول الاصطياد في الماء العكر"، منوها في تغريدة له على "تويتر" أن "ما جرى في السودان، هو صراع داخلي لاستجلاب التأييد الأمريكي للشق المدني في حكومة حمدوك في مواجهة العسكر".
ورأى أبو مرزوق أن ما يجري ما هو إلا، "لعبة رخيصة، استخدم فيها اسم الحركة افتراء، ومطلوب من السودان تصحيح الموقف ورد الحقوق إلى أصحابها".
وللوقوف على تفسير واضح لتصريحات الشيخ، تواصلت "عربي21" مع حركة "فتح"، التي أوضحت على لسان المتحدث باسمها حسين حمايل، أن الوزير الشيخ "عندما تحدث في هذا الأمر، تكلم عن حقوق الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تتحدث فيه حكومة السودان عن مليارات الدولارات، وشعبنا في غزة والضفة يحاصر ماليا، وهو في أسوأ ظروفه الاقتصادية".
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21": "مطلوب من حماس توضيح هذا الأمر أولا، وكذلك على حكومة السودان أن تلتزم بما تطلبه القيادة الفلسطينية، والتي عبر عنها الشيخ".
وعن مدى تعبير تصريح الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عن موقف الحركة الرسمي من هذا الموضوع، قال حمايل: "بالطبع، كل قرش كان للفصائل، هو ملك للشعب الفلسطيني، وليس ملك الفصيل".
واعتبر حمايل، أنه "من المصيبة بمكان، أن تكون هذه المليارات موجودة في دول تعود ملكيتها لشعبنا، وتخفيها حماس بهذه الطريقة، في ظل الفقر والدمار الذي يعيشه القطاع بسبب الحصار، وأيضا في الضفة"، منوها إلى أن "هناك حصارا ماليا على شعبنا، ونحن بحاجة لكل قرش، فلماذا تخفى هذه الأموال؟".
ونبه المتحدث باسم "فتح"، أنه "مطلوب من حماس تبرير الأمر، وأن لا تقول إنه لا توجد أموال، وهذا كلام غير صحيح، وهو أمر مثبت بحسب ما ذكرته السلطات السودانية"، مطالبا "السودان، بإعادة هذه الأموال للشعب الفلسطيني، وقيادته الشرعية"، بحسب قوله.
وسبق أن نفت حركة "حماس" في تصريح خاص لـ"عربي21"، صحة الأنباء التي تحدثت عن وجود استثمارات وأملاك وأصول لها في السودان.
وأكدت "حماس"، أنه لا وجود لأي استثمارات وأملاك لها في السودان، وقال المتحدث الرسمي باسمها حازم قاسم: "لا يوجد لنا أي استثمارات في السودان"، موضحا في تصريح خاص لـ"عربي21" أنه "ليس لحركة حماس، أي مشكلة مع أي جهة سودانية".
مطالبة السلطة بالشفافية
وحول قراءته لتصريحات الشيخ، أوضح المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، مأمون أبو عامر، أن "الحديث في هذا الموضوع ليس عمليا؛ لأن حماس نفت وجود أي استثمارات لها في السودان، ومن خلال متابعتنا للمصادر المستقلة ومراقبة مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، كان واضحا أن الأمر دعائي ومرتبط بشكل كبير في حالة التنافس الداخلي السوداني لتقديم قرابين الطاعة للتقرب من واشنطن".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لذلك تصريحات الشيخ، يعوزها الموضوعية والمهنية، وهي نوع من المماحكة السياسية، ومحاولة لإحراج حماس، وتلطيخ سمعتها، خاصة أن أوساطا في السلطة تتهم حماس بشن حملة ضد عباس، ولذلك قد تكون هذه التصريحات جزءا من حملة إعلامية ومحاولة استغلال المواقف للضغط على حماس، بتصويرها بالعجز وغياب المسؤولية تجاه معاناة أبناء شعبنا، في المقابل، الظهور وكأن السلطة فقط لا غيرها هي من ترعى مصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب وخاصة في قطاع غزة".
وأكد أبو عامر، أن "تصريح الوزير الشيخ في هذا الشأن، لا علاقة له برعاية مصالح الشعب الفلسطيني، ولو كان الأمر كذلك، لكانت هناك شفافية واضحة في أموال الشعب الفلسطيني التي تسيطر عليها السلطة وتتصرف بمنطق التفرد في توزيع الوظائف والرتب على المقربين، في ظل تهربها من استحقاق وطني بانتخاب مجلس تشريعي يراقب أداءها".
وتساءل: "إذا كانت السلطة حريصة على مصالح شعبنا خاصة في غزة لماذا قامت بقطع رواتب آلاف الفلسطينيين؟ ولماذا خفضت رواتب موظفي السلطة في غزة وجلهم من أبناء فتح؟"، مضيفا: "لو كان الأمر له علاقة بمصالح شعبنا، لقامت السلطة بإعادة الحقوق للموظفين الذين قطعت رواتبهم أو من قامت بإحالتهم للتقاعد المبكر مع هضم حقوقهم المالية".
ونبه إلى أن "السلطة التي تطالب اليوم باستعادة "أموال حماس" بحجة رعاية مصالح الشعب، هي ذاتها التي تغولت على أبناء شعبنا المحاصرين في غزة بدون مرجعية قانونية، وقامت بفرض العديد من الإجراءات التي فاقمت من معاناة سكان القطاع المحاصر دون أي شعور بالمسؤولية الوطنية نحوهم".
وطالب المختص، السلطة بأن "تهتم أولا بما تمتلك من موارد فلسطينية بين أيديها، وتكشف بشكل شفاف عن استثمارات شعبنا، التي لا يعرف عنها شيئا حتى الآن"، منوها أنه "في حال كانت السلطة حريصة على مصالح شعبنا، فهناك العديد من السبل التي يمكن أن تسلكها وليس عبر تغريدة أو منشور هنا أو هناك".
وقال: "ما قام به الشيخ، هو سلوك دعائي أكثر منه توجه عملي لدى السلطة للحفاظ على أموال شعبنا وتحقيق مصالحه"، متسائلا: "أين السلطة من ثروات شعبنا المتمثلة بالغاز التي ينهبها الاحتلال كل يوم؟ لماذا لا تقوم بتفعيل هذه القضية بالمحاكم الدولية؟ أين شفافية السلطة في هذا الجانب؟ ولماذا لا نسمع حراكا رسميا فلسطينيا في هذا الأمر؟".
وعن الأموال التي حصلت عليها السلطة في رام الله مؤخرا، فقد أعلن الاحتلال عن موافقته على منح السلطة قرضا بقيمة 800 مليون دولار، إضافة لحصولها على 72 مليون دولار من الدنمارك تصرف على مدى 5 سنوات، كما تعهدت ألمانيا منتصف الشهر الجاري بتقديم مبلغ 100 مليون يورو للسلطة.
ما هدف السلطة الفلسطينية من إجراء انتخابات محلية دون توافق؟
من هو البكراوي المتهم بمحاولة الانقلاب الأخيرة بالسودان؟
غانتس: تقوية السلطة يضعف حماس وهذا من مصلحتنا