قالت صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الرئيس
بايدن، الذي يحارب الشكوك المتزايدة بين حلفاء أمريكا حول التزامه بالعمل معهم،
استخدم خطابه الأول أمام
الأمم المتحدة يوم الثلاثاء للدعوة إلى "
دبلوماسية
لا هوادة فيها" بشأن تغير المناخ، والوباء والجهود المبذولة للحد من التأثير
المتزايد للدول الاستبدادية مثل الصين وروسيا.
وفي خطاب ترجمته "عربي21" مدته 30 دقيقة في قاعة الجمعية العامة، دعا بايدن إلى حقبة جديدة من العمل
العالمي، موضحا أن صيفا من حرائق الغابات والحرارة المفرطة وعودة ظهور فيروس
كورونا يتطلب حقبة جديدة من الوحدة.
قال بايدن: "إن أمننا وازدهارنا وحرياتنا
مترابطة، أكثر من أي وقت مضى"، وأصر على أن أمريكا وحلفائها الغربيين سيظلون
شركاء حيويين.
لكنه لم يشر إلا بشكل عابر إلى الخلاف العالمي
الذي أحدثته أفعاله، بما في ذلك الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، حيث
استعادت طالبان السيطرة بعد 20 عاما من هزيمتها. ولم يشر إلى تدهور العلاقات الذي
تسببت به إدارته مع أحد أقرب حلفاء أمريكا، فرنسا، والتي تم التخلي عنها في صفقة
غواصة سرية مع أستراليا لمواجهة نفوذ الصين في المحيط الهادئ.
أدت هاتان الأزمتان في السياسة الخارجية، على
الرغم من اختلافهما الحاد في طبيعتهما، إلى تشكيك بعض الشركاء الأمريكيين في
التزام بايدن بتمكين التحالفات التقليدية، بل إن البعض اتهمه علنا بإدامة عناصر من
نهج الرئيس السابق دونالد ترامب "أمريكا أولا"، مغلفة بلغة أكثر
انغلاقا.
طوال خطابه، لم ينطق بايدن مطلقا بكلمة
"الصين"، على الرغم من أن جهوده لإعادة توجيه التنافسية الأمريكية
وسياسة الأمن القومي كلها مبنية على مواجهة نفوذ بكين المتنامي. لكنه ربط نقاشه
بسلسلة من الخيارات التي اختصرت أساسا بدعم الديمقراطية ضد الاستبداد، وهو نقد شبه
مبطن لكل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال: "نحن لا نسعى -أقول مرة أخرى، نحن لا
نسعى- إلى حرب باردة جديدة أو عالم مقسم إلى كتل جامدة". ومع ذلك، في وصفه
لما أسماه "نقطة انعطاف تاريخية"، تحدث عن الحاجة إلى اختيار ما إذا
كانت التقنيات الجديدة ستُستخدم "كقوة لتمكين الناس أو تعميق القمع". في
وقت من الأوقات، أشار صراحة إلى استهداف الأويغور في منطقة شينجيانغ في غرب الصين.
ورفض كبار مساعدي الرئيس، علنا على الأقل، فكرة أن
الصين وأمريكا، أكبر اقتصادين في العالم، يقسمان العالم إلى معسكرين متعارضين،
وتبحثان عن حلفاء لمواجهة نفوذ بعضهما البعض، كما فعلت أمريكا والاتحاد السوفيتي
سابقا. وجادلوا بأن العلاقة مع بكين، على عكس التنافس في الحرب الباردة مع موسكو،
تتميز بالاعتماد الاقتصادي المتبادل العميق وبعض المجالات ذات المصالح المشتركة،
من المناخ إلى احتواء البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
لكن في السر، يعترف بعض المسؤولين بتزايد أوجه
التشابه. من الواضح أن الصفقة الأمريكية البريطانية لتزويد أستراليا بغواصات تعمل
بالطاقة النووية هي محاولة لإعادة التوازن البحري في المحيط الهادئ، حيث توسع
الصين مطالبها الإقليمية وتهدد تايوان. تحاول أمريكا أيضا منع وصول الصين إلى
التكنولوجيا المتطورة وأنظمة الاتصالات الغربية.
قال بايدن: "المستقبل لأولئك الذين يمنحون
شعوبهم القدرة على التنفس بحرية، وليس أولئك الذين يسعون إلى خنق شعبهم بسلطوية من
حديد.. المستبدون في العالم، يسعون لإعلان نهاية عصر الديمقراطية، لكنهم
مخطئون"، تاركا القليل من الشك عمن كان يقصد.
بعد ساعات قليلة من مغادرة بايدن المنصة، خاطب شي
أيضا الجمعية العامة، في فيديو مسجل، رافضا تصوير أمريكا لحكومته على أنها قمعية
وتوسعية، مؤكدا أنه يدعم التنمية السلمية لجميع الشعوب.
كانت لغة شي مقيدة، ومثل بايدن لم يذكر اسم
المنافس الرئيسي لبلاده، لكنه أشار بوضوح إلى غضب الصين بشأن اتفاقية الغواصات
الأسترالية. وقال إن العالم يجب أن "يرفض ممارسة تشكيل دوائر صغيرة أو لعب محصلتها صفر"، مضيفا أن النزاعات الدولية "تحتاج إلى التعامل معها من
خلال الحوار والتعاون على أساس المساواة والاحترام المتبادل".
كما أعلن أن بلاده ستتوقف عن بناء "مشاريع
طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج"، منهية بذلك أحد أقذر برامج الوقود
الأحفوري. الصين هي إلى حد بعيد أكبر ممول لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
وقالت الصحيفة إن ظهور بايدن لأول مرة في الافتتاح
السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كان خافتا بسبب الوباء. لم يحضر
العديد من القادة الوطنيين، وكان هناك عدد قليل من حفلات الاستقبال الكبيرة
وازدحام المرور الشديد، والذي ميز تقليديا طقوس أيلول/ سبتمبر.
مكث بضع ساعات فقط، والتقى هناك بحليف واحد فقط:
رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون. وفي وقت لاحق من اليوم، في واشنطن، التقى
بايدن برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الشريك الآخر في صفقة الغواصات.
في الأسبوع الماضي، كشفت الدول الثلاث عن اتفاق
الغواصة النووية الذي تفاوضوا عليه سرا. قالت أستراليا إنها تخلت عن اتفاق سابق
يقضي بأن تبني فرنسا غواصات تعمل بالطاقة التقليدية، ما أغضب القادة الفرنسيين
الذين شعروا بالخيانة من قبل حلفائهم. ربطت الإعلانات المفاجئة الدفاع الأسترالي
عن كثب بأمريكا، وهو تحول كبير بالنسبة لبلد كان يهدف، قبل بضع سنوات فقط، إلى
تجنب الانحياز إلى جانب في التنافس الأمريكي الصيني.
حتى يوم الثلاثاء، كانت آخر مرة رأى فيها بايدن
جونسون وموريسون خلال اجتماع قمة مجموعة السبعة في حزيران/ يونيو، عندما كانا في
عمق المفاوضات التي كانت مخفية عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان حاضرا
نفس القمة.
ويوم الثلاثاء، لم يكن هناك محادثة بين بايدن
وماكرون، الذي كان غاضبا للغاية بشأن صفقات الغواصات، وصمت أقرب شركائه، لدرجة أنه
استدعى السفير الفرنسي من واشنطن، وهي خطوة لم يسبق لها مثيل في أكثر من 240 سنة
من العلاقات، وكذلك المبعوث إلى أستراليا. ولم يتضح ما إذا كانت هناك ببساطة
صعوبات في الجدولة تمنع الرجلين من الاتصال بالهاتف، أو ما إذا كان من الصعب
الوصول إلى ماكرون عن عمد.
الخطاب الذي ألقاه بايدن بدا مشابها لما كان
سيقوله قبل أن تستولي طالبان على كابول دون مقاومة، وقبل أن يصبح التحول إلى آسيا
عائقا أمام العلاقات مع أوروبا.
وقال مساعدون للرئيس إن الرئيس شعر بالاستياء
عندما قارنه الفرنسيون بسلفه، كما فعل جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي،
يوم الثلاثاء، حيث قال للصحفيين إن "روح" نهج ترامب في التعامل مع
الحلفاء "لا يزال هو نفسه" في عهد بايدن.
واعترض حلفاء آخرون على الكيفية التي حدد بها
بايدن موعدا نهائيا في 31 آب/ أغسطس للانسحاب من أفغانستان، بأقل قدر من التشاور،
على حد قولهم. (يحكي البيت الأبيض قصة مختلفة، بحجة أنه تمت استشارة حلفاء الناتو
بشكل كامل).
كان من المحتمل أن يؤدي الموعد النهائي لأفغانستان
إلى التذمر في الغرف الخلفية لو كان السقوط السريع للبلاد في أيدي طالبان متوقعا.
وبدلا من ذلك، فإن التدافع في آب/ أغسطس لنقل الأجانب والأفغان الذين ساعدوهم جوا
خلق صورة للإهمال الأمريكي.
فيما يتعلق بأفغانستان، حاول بايدن يوم الثلاثاء
الانتقال إلى الصورة الأكبر -"لقد أنهينا 20 عاما من الصراع"، كما قال- موضحا أن أمريكا أصبحت الآن أكثر حرية في متابعة تحديات أخرى مثل أزمة المناخ
والهجمات الإلكترونية و الأوبئة. وقدم رسالة تصالحية أكثر بكثير من سلفه، الذي
ازدرى التحالفات وأهان الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وهدد في لحظات مختلفة بعمل
عسكري ضد كوريا الشمالية وإيران.
وقال بايدن: "إن القوة العسكرية يجب أن تكون
آخر أداة نلجأ إليها، وليست الأولى، ولا ينبغي استخدامها كرد على كل مشكلة نراها
في أنحاء العالم".
ثم قام بسرد عدد من الترتيبات والمؤسسات الدولية
التي انضم إليها خلال الأشهر الثمانية الماضية، بما في ذلك اتفاقية باريس للمناخ
ومنظمة الصحة العالمية. وتحدث عن ترشح أمريكا لمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع
للأمم المتحدة، وإعادة تأسيس الاتفاق النووي الإيراني، وكلاهما انسحب منهما ترامب.
في الواقع، كانت إيران محور الكثير من دبلوماسية
الغرف الخلفية، حيث التقى وزير خارجيتها الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، مع القادة
الأوروبيين، الذين حثوا على العودة إلى المحادثات النووية في فيينا التي انتهت في
حزيران/ يونيو. وأشار مسؤولون إيرانيون إلى أنه من المرجح استئناف المحادثات في
الأسابيع المقبلة.
لكن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين يتوقعون أن
تسعى حكومة الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، إلى الحصول على ثمن باهظ
للعودة إلى الاتفاقية، والضغط على الغرب من خلال الاقتراب من إنتاج اليورانيوم
المستخدم في صنع القنابل أكثر من أي وقت مضى.
لم يأت رئيسي إلى نيويورك، لكنه ألقى خطابا ناريا
عبر الفيديو. وقال: "اليوم، العالم لا يهتم بأمريكا أولا أو عادت أمريكا،
وأضاف: "العقوبات هي طريقة أمريكا الجديدة للحرب مع دول العالم". لكنه
لم يستبعد العودة إلى الاتفاق مقابل تخفيف العقوبات.
وصف بايدن جائحة فيروس كورونا بأنه مثال رئيسي على
الحاجة إلى التعاون الدولي السلمي، قائلا: "لا يمكن للقنابل والرصاص أن تحارب
كوفيد-19 أو سلالاته المستقبلية". كما رفض الحجج القائلة بأن أمريكا، التي
تتجه نحو إعطاء جرعات معززة لبعض الأشخاص الذين تم تطعيمهم، لا تفعل شيئا يذكر
للبلدان الفقيرة، حيث بالكاد بدأ التطعيم بها.
وقال إن أمريكا "شحنت أكثر من 160 مليون جرعة
من لقاح كوفيد-19 إلى دول أخرى".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى عمل جماعي من العلم
والإرادة السياسية.. نحن بحاجة إلى التحرك الآن للحصول على اللقاح في أسرع وقت
ممكن، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأكسجين، والاختبارات، والعلاجات، لإنقاذ الأرواح
في جميع أنحاء العالم".