قال الكاتب، ديفيد
إغناتيوس، إن الإمارات لطالما اتبعت اتجاه مهب الريح، حيث إنها كانت تستخدم ثروتها لتصبح
واحدة من أهم محاور العولمة، وأطلق عليها الجنرال الأمريكي جيم ماتيس لقب
"إسبارطة الصغيرة"، لكنها الآن تريد أن تكون "سنغافورة صغيرة".
وتابع الكاتب في
مقاله المنشور في صحيفة "واشنطن بوست": "رغم أنه من السهل تجاهله وسط الاضطرابات في
أفغانستان، إلا أن هناك اتجاهًا جديدًا للتراجع في السياسة الخارجية العالمية -
يرمز إليه البلد الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه "إسبارطة
الصغيرة"، أي الإمارات العربية المتحدة".
مع
البراغماتية الفجة التي من شأنها أن تجعل "مكيافيلي" يحمر خجلاً، فقد غيّرت
الإمارات مؤخراً مسارها من الحث على مجابهة إيران والأحزاب الإسلامية إلى الدعوة
إلى الحوار. وعلى مدار العام الماضي، تحركت لتسوية الخلافات مع إيران وتركيا وقطر
وليبيا وأعداء سابقين آخرين.
كان التعديل
الأكثر وضوحًا في الإمارات العربية المتحدة هو احتضانها الصريح لإسرائيل في ما
يسمى بـ"اتفاقات أبراهام"، والتي تصادف ذكراها الأولى يوم الأربعاء (15
أيلول). لقد تمت الاتفاقيات برعاية إدارة ترامب، ولكن نجاحها يعزى لجذور أعمق
متأصلة في قرار الإمارات بتبني التعاون الإقليمي، بغض النظر عن الدين أو
الأيديولوجيا، في فترة شهدت تضاؤل الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. والآن، تشير
توقعات المسؤولين الإماراتيين إلى ما يزيد على التريليون دولار في التجارة مع إسرائيل
خلال العقد المقبل.
في بعض الأحيان،
تسبب نهج الإمارات المستقل تماما في السياسة الخارجية في تجاوز الحد في تعاملاتها
مع الولايات المتحدة. أحدث مثال، حسبما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز"، هو
توظيف مسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية اعترفوا في وثائق المحكمة بأنهم
نفذوا عمليات قرصنة غير قانونية في عملهم لصالح الإماراتيين.
اقرأ أيضا: ظهور "غير تقليدي" لابن سلمان وتميم وطحنون في "لقاء ودي"
ومع ذلك، فإن
تطور الإمارات العربية المتحدة يوضح تحولًا عالميًا أوسع. نهجها - خفض تصعيد
النزاعات الإقليمية إلى جانب التركيز بشكل أكبر على الاقتصاد المحلي - يتوافق مع
نهج إدارة بايدن وشركاء الولايات المتحدة الآخرين. حتى بكين فإنها باتت تؤكد على النسخة
الاستبدادية من "إعادة البناء بشكل أفضل" في التصريحات الأخيرة التي
شددت على تحقيق الازدهار المحلي المشترك.
يتفق
المسؤولون الأمريكيون والأجانب على أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، رغم
فشله الشديد، عكس إجماعًا عالميًا متزايدًا ضد "الحروب اللانهائية". ومن
العلامات المبكرة على هذا الاتجاه انسحاب الإمارات من الصراعات المدمرة في اليمن
وليبيا بعد اقتناعها بأن التكاليف تفوق أي فوائد.
من جهته، يصف
مارتن إنديك، وهو دبلوماسي أمريكي سابق ومؤلف الكتاب القادم "سيد
اللعبة"، الزعيم الفعلي للبلاد بـ"كيسنجر العرب"، إذ يقول إن ابن
زايد "يتشابه قليلا مع كيسنجر في قدرته على قراءة التحولات في ميزان القوى
والتكيف معها دون السماح للمشاعر بالوقوف في وجهه"، وهو تقييم مبهر
لدبلوماسية وزير الخارجية هنري كيسنجر في الشرق الأوسط.
ويوضح أنور
قرقاش، وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، أن الإمارات تطلق على نهجها
الجديد "الابتعاد الكلي عن المشاكل". وقال في مقابلة يوم الثلاثاء إن
عملية "إعادة الفحص" هذه بدأت في عام 2019 بعد الخطر المتزايد الذي
سببته الحرب في اليمن، والهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة على
الإمارات والسعودية، والشعور بـ"اضمحلال" القوة الأمريكية في المنطقة.
وقال قرقاش:
في منطقة تميل صوب المزيد من التدهورات؛ "فإن النهج التصعيدي أو التصادمي من
شأنه أن يورطنا في صراعات طويلة الأمد". لذلك، فقد قررت الإمارات تغيير مسارها،
بالتركيز على التنمية الاقتصادية كمسار للأمن. وأدرك قادة الإمارات أنهم كانوا
يقتربون من "نهاية عصر النفط" الذي عزز النمو الأولي للإمارات.
وقد كانت
تحركات الإمارات الأخيرة بمثابة تصحيح للمسار بعد تعاون وثيق بشكل خطير مع إدارة
ترامب. واتهمت وزارة العدل مستشار ترامب توماس باراك، بالضغط بشكل غير قانوني لدعم
المصالح الإماراتية. بينما اتهمت دعوى قضائية خاصة مرفوعة في محكمة فيدرالية في
كاليفورنيا كبير جامعي التبرعات لترامب، إليوت برويدي، بالقيام بنشاط مماثل.
كلاهما نفى أي إجراءات غير مشروعة.
في هذا الشأن
قال يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن: "لقد تغيرت
نظرتنا. نحن نرى العالم بشكل مختلف قليلاً". فيما سبق، قام الإماراتيون
بمهاجمة واشنطن لاتخاذ مواقف أكثر صرامة بشأن إيران وتركيا والراديكالية
الإسلامية. أما الآن، فينصح المسؤولون الإماراتيون بالمصالحة - ويرمون بشباكهم نحو
توسيع الروابط الاقتصادية والأمنية مع الصين.
لطالما اتبعت
الإمارات اتجاه مهب الرياح، حيث كانت دولة صغيرة تستخدم ثروتها النفطية لتصبح
واحدة من أهم محاور العولمة. لذلك فقد أطلق عليها الجنرال جيم ماتيس، وزير الدفاع
الأمريكي السابق، لقب "إسبارطة صغيرة"، لكن الدولة تطمح الآن إلى أن
تكون أقرب إلى "سنغافورة صغيرة"، حسبما أشار إليه مسؤول إماراتي.
يعد محمد بن
زايد الصوت الحاسم لدولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الشخصية الرئيسية في
التحركات السياسية الأخيرة كان شقيقه طحنون، الذي يعمل مستشارًا للأمن القومي.
ويقول إنديك إن طحنون يعمل في الظل، ويناقش مع إيران، على سبيل المثال، ما
"يرقى الآن إلى ميثاق عدم اعتداء". غالبًا ما يعمل طحنون من خلال شبكة
من رؤساء المخابرات الأقوياء في تركيا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية
ودول أخرى.
في الشهر
الماضي فقط، سافر طحنون إلى تركيا وقطر للتوسط في المصالحة مع هذين البلدين.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصفه المسؤولون الإماراتيون قبل عام بأنه
تهديد يحتمل أن يكون مساوياً لإيران، أعرب عن تفاؤله بعد لقائه طحنون، وقال إن
الإمارات "ستقوم باستثمارات جادة في بلادنا في وقت قريب للغاية". وكما
تعلمت الولايات المتحدة في السنوات الماضية، فإن المال والتعاون الاقتصادي هما ما
يصنعان الصداقات.
أحيانًا تكون
اتجاهات السياسة الخارجية خفية وغامضة؛ لكن هذه واضحة كالشمس. تبدأ السياسة
الخارجية في الداخل؛ باقتصاد سليم - سواء كان ذلك في واشنطن أو أبو ظبي.