قالت
صحيفة "نيويورك تايمز" إن هناك انتقادا وشكوى في أوروبا من طريقة
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، رغم أن الرئيس جو بايدن قال إنه لم يسمع أي انتقادات
من حلفاء أمريكا للانسحاب.
وتؤكد
الصحيفة في مقال لمراسلها للشؤون الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، ستيفين إيلانغر، أن مسؤولين من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا اشتكوا من أنه على الرغم من وعود
بايدن بالتشاور، إلا أنه كانت هناك إملاءات أكثر من الحوار حول أفغانستان.
لقد
أضاف الفشل الذريع الأخير في كابول، بعد الزلات الأمريكية السابقة في ليبيا وسوريا،
ناهيك عن العراق، مزيدا من الإلحاح على السؤال الذي يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو)
منذ نهاية الحرب الباردة تقريبا، قبل وقت طويل من ظهور الرئيس ترامب على الساحة: هل
سيكون هناك أي تحول جدي في الطريقة التي يعمل بها حلف الناتو، حيث تقود أمريكا، وأوروبا
تتبع؟
قال
رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إنه سيطلب من بايدن خلال مكالمة مجموعة السبعة
إبقاء مطار كابول مفتوحا لرحلات الإجلاء بعد الموعد النهائي الأصلي نهاية الشهر، وهذه
المرة يبدو من المحتمل أن يوافق بايدن.
لكن
مطالب الحلفاء بـ"الانسحاب القائم على الظروف" قوبلت بالرفض من بايدن، الذي
أصر، ربما بشكل متسرع بعض الشيء، على تحديد موعد نهائي صارم لمغادرة أفغانستان. وقال
سفير بارز في حلف شمال الأطلسي إنه لم تقف أي دولة وتقل لا.
تولى
بايدن منصبه ولديه فرصة لإعادة العلاقات مع أوروبا بعد صدمة سنوات ترامب. وفي حين أنه
قال جميع الأشياء الصحيحة تقريبا بشأن قضايا التجارة وتغير المناخ، فإن الإخفاق في
أفغانستان جعل العديد من الأوروبيين مقتنعين أكثر من أي وقت مضى بأنهم لا يستطيعون
الاعتماد على أمريكا لرعاية مصالحهم الأمنية بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض.
لقد
أدى تحول تركيز السياسة الخارجية لواشنطن إلى مواجهة النفوذ العالمي المتزايد للصين
إلى تعميق مخاوفهم.
وخلال
اجتماع قمة الناتو في حزيران/ يونيو، الذي حضره بايدن، وصف رئيس جمهورية التشيك، ميلوس
زيمان، قرار سحب القوات من أفغانستان بأنه "خيانة"، بحسب ما نقل مسؤول حضر
الاجتماع في وقت لاحق. شكره ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، وانتقل إلى الموضوع
الأمريكي المفضل وهو تحدي الصين.
وكونهم
لا يستطيعون استبدال الجيش الأمريكي أو البقاء في أفغانستان بدون القوات الأمريكية،
فقد ترك حلفاء الناتو الانسحاب إلى حد كبير لواشنطن. لم يكن لدى الناتو خطة تنسيق للإجلاء،
وقد فاجأ الانتصار السريع لطالبان الجميع وأحرجهم، مع وجود مسؤولين بارزين في الناتو
في إجازة الصيف وعدم وجود سفير أمريكي معين للناتو.
تبدو
بعض الدعوات للتغيير أكثر جدية مما كانت عليه في الماضي. ووصف أرمين لاشيت، السياسي
المحافظ الألماني الذي يهدف إلى خلافة أنجيلا ميركل في منصب المستشار، انسحاب أمريكا
بأنه "أكبر كارثة شهدها حلف الناتو منذ تأسيسه".
وقال
جوسيب بوريل فونتيليس، مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، للبرلمان الأوروبي
إن المغادرة كانت "كارثة للشعب الأفغاني وللقيم والمصداقية الغربية ولتطوير العلاقات
الدولية".
وتساءلت
تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي سارعت لتكون أول زعيم أجنبي يلتقي
الرئيس المنتخب حديثا ترامب، في البرلمان: "هل كانت معلوماتنا ضعيفة لهذه الدرجة؟
هل كان فهمنا للحكومة الأفغانية ضعيفا لهذا المستوى؟ هل كانت معرفتنا على الأرض غير
كافية إلى هذا الحد؟ أم إننا اعتقدنا فقط أنه كان علينا أن نتبع أمريكا ونأمل أن يكون
كل شيء على ما يرام؟".
قال
ياب دي هوب شيفر، الأمين العام لحلف الناتو من عام 2004 إلى عام 2009، إن الانتقاد
الأوروبي لبايدن كان دقيقا تماما، ولكنه أيضا بدون أهمية إلى حد ما، لأننا "نحن
الأوروبيين أصبحنا مدمنين على قيادة أمريكا". وقال إنه بالنظر إلى صعود الصين،
فإن "العلاقة عبر الأطلسي كما عرفناها لن تكون أبدا هي نفسها".
وقال
لـ"بي بي سي" إن أفغانستان يجب أن تكون درسا لأوروبا. فتركيز أمريكا على
الصين يعني أنه يجب على الأوروبيين "تطوير القدرة على الوقوف على أقدامنا، عسكريا
وسياسيا"، و"يجب أن نفكر بجدية فيما يجب القيام به للدفاع عن أنفسنا وإنفاق
الأموال لتحقيق ذلك''. ولكنه أضاف: "نحن بعيدون جدا عن ذلك الآن، للأسف".
على
الرغم من كل الدعوات المتجددة لاستقلال العمل الأوروبي و"الاستقلال الذاتي الاستراتيجي"،
يقول البعض إن هناك القليل من الأدلة على أن الكثير سيتغير.
وقال
ريم كورتيويغ، الزميل في معهد كلينجينديل، وهو مؤسسة أبحاث هولندية: "إن الأوروبيين
يحتجون بشدة، لكن لا توجد خيارات بديلة، لذا لا أحمل ذلك محمل الجد.. إنها مجرد تكرار
لنفس العبارات التي دأب الأوروبيون على قولها عندما لا تسير الأمور كما نريد".
لكن الحروب في البوسنة وليبيا أظهرت "عدم قدرة الأوروبيين على فعل أي شيء جدي
بدون الأمريكيين".
اقرأ أيضا: الغارديان: أفغانستان كشفت عن بريطانيا عاجزة وبدون أصدقاء
تغيير
ذلك يحتاج إلى التزام بتوفير الإرادة السياسية وأموال دافعي الضرائب، التي لا يُظهر
القادة الأوروبيون بوادر تشير إلى توفيرها. من الصعب بدرجة كافية حمل أعضاء الناتو
الأوروبيين على إنفاق نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع الذي وافقوا على
القيام به بحلول عام 2024، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. حتى ألمانيا، التي تنفق أكثر،
ستصل إلى 1.53% فقط.
تساءل
كورتيويغ: "من الجيد الحديث عن الاستقلال الذاتي الاستراتيجي الأوروبي، لكن لفعل
ماذا؟ ما هي المشاكل التي نريد حلها بدون الأمريكيين؟ أي المشاكل لا نريدهم أن يقودوا؟
أم إن الاستقلال الذاتي الأوروبي هو وسيلة لحماية أنفسنا من العالم الخارجي الكبير
السيئ، ومن تدفقات الهجرة والإكراه الاقتصادي الصيني؟".
يرى
بنجامين حداد، وهو فرنسي يدير مبادرة أوروبا المستقبل في المجلس الأطلسي، أن النقاش
يعزز دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل قدرة دفاعية أوروبية أكثر استقلالية
بالتعاون مع الناتو.
لكنه
متشكك. ويقول: "قامت أوروبا بالحد من الأضرار منتظرة نهاية حكم ترامب.. الآن،
هناك شيء من الصدمة، ومن الواضح أن سنوات ترامب لم تشكل دعوة للاستيقاظ كما كنا نتوقع
من الأوروبيين".
لا يرى
حداد أي قلق من أن واشنطن سوف تتراجع عن التزامها بالدفاع الجماعي لحلف الناتو. وقال:
"لكن هناك رسالة إلى أوروبا مفادها أنه لا توجد رغبة أمريكية للتدخل في صراعات
في الجوار يمكن أن تؤثر على أوروبا".
ترى
آنا ويزلاندر، محللة الدفاع السويدية ومديرة قسم شمال أوروبا في المجلس الأطلسي، الانسحاب
الأفغاني كعلامة واضحة على أن الناتو سيتحول مرة أخرى للتركيز على منافسة القوى العظمى
مع الصين وروسيا، مع التركيز على قضايا الردع والمرونة والتضليل وتغير المناخ.
وقالت
إن الحلفاء الأوروبيين سئموا أفغانستان أيضا، حيث اختلطت الحرب ضد الإرهاب بتعزيز الديمقراطية
وبناء الدولة والإصلاح الاجتماعي. وقالت: "لكن الناتو ليس منظمة مساعدات تنموية".
إن الفشل
الذريع في الانسحاب سيعيد إحياء حجة الاستقلال الذاتي الاستراتيجي لأوروبا، لكن النتيجة
الأفضل، كما قالت، هي وجود "ركيزة أوروبية في الناتو" يمكنها - مع استثمارات
كبيرة - توفير بعض النقل الجوي الاستراتيجي والمراقبة والاستطلاع والقيادة والسيطرة
التي يقدمها الأمريكيون الآن. وقالت ويزلاندر: "إذا كنا نريد المزيد من القدرات
وتقاسم الأعباء، فقد يكون ذلك حوارا مفيدا، وإن كان مكلفا".
يقول
جوليان ليندلي فرينتش، المحلل الدفاعي في معهد ستيتكرافت (فن الحكم) بلندن، إن الأوروبيين
يقومون بالكثير من "الحديث عن الفضيلة"، على الرغم من "ضعف الجهد الأوروبي
في أفغانستان على مدار العشرين عاما الماضية"، حيث كان معظم الحلفاء قد حددوا عملياتهم
بقواعد اشتباك حذرة.
وأضاف
أن "الضعف الأوروبي هو في الحقيقة انعزالية أوروبية".
وحذرت
كوري شاك، مديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز، من
أن الشكاوى الأوروبية بشأن الانسحاب الفوضوي خطيرة، لكنها يمكن أن تعود عليهم.
وقالت
شاك: "إنني اتعاطف مع القلق الأوروبي، نظرا لاعتمادهم على أمريكا من أجل الضمان
النهائي لأمنهم، ولكن أيضا لأنه يثير أسئلة مهمة حول تقدير بايدن للأمور".
وقالت
إن حلفاء الناتو "وقفوا جنبا إلى جنب معنا في أفغانستان لمدة 19 عاما، ويبدو أن
أمريكا لا تقدر بشكل كافٍ هذا الجهد الطويل.. لكنني أخشى أن يكون هناك رد فعل أمريكي
عنيف لهذه الشكاوى الأوروبية بينما كان بإمكانهم فعل المزيد".
وقالت
شاك، حتى في الوقت الذي "قد يشعر فيه الأمريكيون بالخزي بسبب ما سيحدث بعد تخلينا،
فإنه من غير المرجح أن يؤدي تذمر أصدقائنا الأوروبيين بصوت عالٍ من إخفاقاتنا إلى زيادة
التزام الأمريكيين تجاه المخاوف والمصالح الأوروبية".
الغارديان: هذا سر انتصار طالبان بعد 20 عاما من غزو أمريكا
فورين بوليسي: 6 خطوات لإعادة مصداقية أمريكا بعد الهزيمة
MEE: خطاب بايدن فضح ازدراءه للشعب الأفغاني