قالت المديرة التنفيذية لمنظمة
الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN»، سارة لي واتسون، إن هناك "جيشا من
اللوبيات الذين تدفع لهم الحكومة المصرية أموالا كثيرة مقابل تلميع صورة السيسي
بالولايات المتحدة كقائد محافظ على الاستقرار والأمن، ومحبوب من الشعب، وأنه سيحقق
تطوّرا اقتصاديا للبلاد، بعضها لوبيات تستفيد من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية
لمصر".
وأشارت، في مقابلة خاصة مع "ضيف
عربي21"، إلى أن "مذبحة رابعة هي مذبحة مروعة ربما تكون أكبر وأبشع
جريمة ارتكبتها أيّ حكومة مصرية على الإطلاق، وهي تمثل مصر بأسوأ صورة على الصعيد
الدولي، لأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين في ما يتعلق بارتكاب المذابح
الأبشع بحق المتظاهرين في التاريخ الحديث".
وشدّدت واتسون على مواصلة
"ملاحقة ومطاردة المسؤولين عن مذبحة رابعة حتى تقع محاكمتهم يوما ما في إطار
القانون الجنائي ومعاقبتهم بشكل مناسب على هذه الجريمة المروعة"، مضيفة أنه
"في بعض الأحيان تمر عقود قبل أن تتحقق العدالة، والمساءلة تأخذ أشكالا
ونماذج عديدة"، داعية إلى ضرورة تسجيل وتوثيق كل ما حدث لهم في رابعة.
وجدّدت مطالبتها بإلغاء جميع المساعدات
الأمريكية المُقدمة إلى مصر، لأنها "تخرق القانون الأمريكي من خلال ضمان
الدعم العسكري لحكومة تعسفية، حيث تنتشر انتهاكات حقوق الإنسان بشكل واسع وتُمارس
بطريقة ممنهجة".
وتاليا نص المقابلة كاملة مع "ضيف
عربي21":
الجيش المصري أعلن مؤخرا عن مقتل وإصابة
8 عسكريين والقضاء على 89 مسلحا بمحافظة شمال سيناء.. فكيف تنظرون للأوضاع في
سيناء اليوم بعد مرور 7 سنوات على حكم الرئيس السيسي؟
الوضع في سيناء محير للغاية، وأعتقد أن
أي مصري يجب أن يفكر بعمق ويتساءل عن أسباب عدم تمكّن حكومة السيسي بكل أسلحتها،
فضلا عن امتلاكها أضخم جيش في العالم العربي بأكمله من مقاومة عدد صغير للغاية من
أعضاء الجماعات المسلحة في سيناء، وحقيقة أن هذه الحرب في سيناء لا تزال مستمرة مع
نزوح عشرات الآلاف من السكان من منازلهم، ناهيك عن هدم الآلاف من المنازل، وإغلاق
القرى في ظل وجود مقاومة مسلحة بما في ذلك العناصر الإرهابية في سيناء.
هذا الأمر يكشف عن عدم الكفاءة المطلقة
للجيش المصري تحت قيادة الجنرال السيسي أو عن نوع من الإطالة المتعمدة لعدم
الانتصار في هذه الحرب. من الواضح للغاية أن إحدى المبررات الرئيسية لاستمرار
الدعم العسكري لمصر هو مساعدتها على هزيمة التمرد في سيناء، وهناك دافع خفيّ
بطريقة غريبة ومحزنة لإبقاء هذا الصراع مستمرا.
قلتم إن سياسات وممارسات السيسي تولّد العنف
والإرهاب لكن البعض يرى أن تلك السياسات جاءت بالأمن والاستقرار إلى مصر، وأنه تم
القضاء على جذور الإرهاب في كل ربوع مصر.. ما تعقيبكم؟
من المؤكد أن هناك إسكاتا قسريا
للأشخاص في مصر بمعنى أن الناس ليس لديهم مساحة ليعيشوا حياة مجتمعية مدنية عادية؛
فهناك قمع شامل وخوف، وهذا ما يدفع الناس إلى عدم النزول للاحتجاج في الشوارع،
وحتى وإن توجّهوا بانتقادات علنية بأيّة طريقة كانت فمن الأرجح أنه سيُزجّ بهم في
السجن، ومن المؤكد أن الحكم الاستبدادي يمكن أن يؤدي إلى الإسكات القسري والهدوء
الجبري في صفوف المواطنين.
لكن في الحقيقة، لا أعتقد أن هناك حالة
أمنية مستقرة، ولا أعتقد أن هذه الوضعية الأمنية تبعث على الفرح، لأنني أظن أن
المصريين لا يرغبون في العيش بهذه الطريقة وفي خوف كبير.
طالبتم بإلغاء المعونة الأمريكية
المُقدمة إلى مصر.. فهل تتوقعين أن تقوم إدارة بايدن بتعليق جزء من المعونة
العسكرية لمصر قريبا؟
أرجو أن تقبل إدارة بايدن الاقتراحات
التي تقدمت بها رفقة أشخاص آخرين بأن تُلغي الولايات المتحدة جميع المساعدات -بما
في ذلك المعونة العسكرية- لمصر، نظرا لأنها تخرق القانون الأمريكي من خلال ضمان
الدعم العسكري لحكومة تعسفية، حيث تنتشر انتهاكات حقوق الإنسان بشكل واسع وتُمارس
بطريقة ممنهجة.
لا أدري حقا ولا أعتقد ما إذا كانت
إدارة بايدن مستعدة للقيام بأيّة تغييرات جدية في السياسية الأمريكية تجاه الشرق
الأوسط أو سياستها حول المنطقة، وهو ما يعدّ أمرا مأساويا أولا للشعب المصري بالطبع
ولمصلحة الولايات المتحدة لمواصلة دعم هذه الحكومة دون أن تحصل على أي شيء في
المقابل، ودون تأمين مصالح الشعب الأمريكي بأيّة طريقة جدية.
لماذا لم يفِ الرئيس الأمريكي جو بايدن
بوعده حتى الآن بأن "لا شيك على بياض لديكتاتور ترامب المفضل" (السيسي)؟
أعتقد أن هناك شيئين يجب أن نفهمهُما
من وعد الرئيس بايدن للشعب الأمريكي بإنهاء الدعم المطلق للديكتاتوريين، ولا سيما
ديكتاتور مصر، وتتمثل أهم رسالة يجب علينا استخلاصها في أنه قطع هذا الوعد تماشيا
مع ما أراده الشعب الأمريكي الذي لا يريد أن تدعم حكومته الحكام المستبدين مثل
السيسي. إنهم يريدون رؤية تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ولهذا
السبب، أطلق بايدن هذا الوعد.
لم يف بايدن بوعده، لأنه ليس مهتما
بإعطاء الأولوية لرؤية تغيير مهيب في سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر، ولأنه من
الصعب عليه للغاية محاولة تحدي علاقة الولايات بمصر أو إعادة التفكير فيها دون
التعامل مع الإسرائيليين والسعوديين والإمارات إلى جانب شركات الدفاع الأمريكية
التي تضغط بشدة على إدارة بايدن وكامل النظام السياسي الأمريكي للحفاظ على دعمهم
المستمر والمتواصل.
وأوضح بايدن أن عقد اتفاق نووي مع إيران
يُمثّل أولويته الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأعتقد أنه لم يحسن تقدير
الأشياء عندما يترك كل شيء جانبا، بما في ذلك إعادة مراجعة علاقة الولايات المتحدة
مع مصر، بهذه الطريقة أعتقد أنه يعيد ارتكاب الأخطاء نفسها التي اقترفها الرئيس
أوباما. وأعتقد أنه سيعاني من النكسات نفسها، لأن هذه البلدان لا ترغب في أن تبرم
الولايات المتحدة اتفاقا مع إيران، حيث تشعر بأنها مهددة نظرا لأن علاقتها
المميّزة مع الولايات المتحدة والدعم الذي يتلقّونه سيصبح محل شك إذا ما كبُر هذا
الاتفاق.
هل هناك جهات داخل الإدارة الأمريكية
تسعى حاليا لإعادة تسويق السيسي وتحسين صورته بشكل أو بآخر؟
بالطبع هناك جيش من اللوبيات الذين
تدفع لهم الحكومة المصرية أموالا كثيرة مقابل تلميع صورة السيسي كقائد محافظ على
الاستقرار والأمن، ومحبوب من الشعب، وسيحقق تطوّرا اقتصاديا للبلاد. هناك صناعة
كاملة للدفاع عنه وبعضها لوبيات تستفيد من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية لمصر.
لذلك، يعدّ من مصلحتهم إعطاء صورة للسيسي كقائد متفق عليه ومسامح لا بد من إبرام
الصفقات معه ودعمه.
وبالطبع، هناك أشخاص من داخل الحكومة
الأمريكية الذين كثيرا ما ترتبط مصالحهم بهذه اللوبيات. ومن المؤسف أن يبذل وزير
الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مجهودا للقاء الرئيس السيسي، حيث سيؤدي ذلك من
وجهة نظري إلى إضفاء الشرعية عليه وجعل التعامل معه طبيعيا.
ما أوجه الاختلاف بين إدارة بايدن
وإدارة ترامب في التعاطي مع أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
أعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين إدارة
ترامب وبايدن، وهو ما يذكّرني بالتعبير الذي اُستخدم لوصف الجنود الإسرائيليين
الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان منذ عقود عديدة، والذي يتمثّل في
"القتل والبكاء" لم يكن لإدارة ترامب مشكلة أخلاقية مع الطغيان في مصر،
ولم يهتمّوا مطلقا بهذه الانتهاكات. لذلك، كان من السهل جدا عليهم الاستمرار في
الحفاظ على علاقة وثيقة مع حكومة السيسي، ولم تُعط القاعدة التي دعمتهم، أي
الأشخاص الذين انتخبوهم، مطلقا الأولوية لقضايا حقوق الإنسان.
في حين يتمثّل الاختلاف مع إدارة بايدن
في أن الأشخاص في هذه الإدارة يعلمون ويدركون مدى فظاعة الحكومة في مصر وتعسفها
ومدى ترويعها للمصريين. إنهم يعلمون كل ذلك، لكنهم ليسوا جريئين بما فيه الكفاية
ولا مستعدّين لتغيير علاقة الولايات المتحدة بمصر. لذلك، ينبغي عليهم اختلاق بعض
الأعذار نظرا لأن قاعدتهم السياسية تهتمّ بهذه القضايا، ولهذا السبب، اضطُرّ
الرئيس بايدن لتقديم هذا الوعد لمؤيديه ولأولئك الذين صوّتوا له المتمثّل في
التغيّر الذي سيطرأ على العلاقات المصرية الأمريكية.
يعتقد الرئيس بايدن أن الأمريكيين لا
يهتمون بما يكفي بهذه القضايا لجعله يدفع ثمن الدعم المستمر للحكومة المصرية. وأنا
آمل بالتأكيد أن نتمكن من إثبات عدم صحة هذه التقديرات، وأعلم أن منظمتي كانت
بالتأكيد تعمل جاهدة لإقناع مَن في السلطة بسوء هذه السياسة وتداعياتها على الولايات
المتحدة والشعب المصري على حد سواء.
إلى أي مدى تساهم إسرائيل في دعم نظام
السيسي؟
أصبحت علاقة إسرائيل بمصر أقوى في عهد
السيسي؛ فقد دعمت تل أبيب بشكل فعال الانقلاب في مصر، حيث أنها شعرت بالتهديد
الشديد الذي تشكّله الحكومة الديمقراطية الشعبية في مصر التي من المحتمل أن تهدد
التعاون الأمني الوثيق بين البلدين. ومنذ وصول السيسي إلى السلطة تنامى التعاون
العسكري الإسرائيلي المصري بشكل كبير لدرجة أن إسرائيل دعمت حتى عمليات القصف
الجوي في سيناء، وأعتقد أنه قد تكون المرة الأولى التي نشاهد فيها الجيشين المصري
والإسرائيلي يخوضان حملة عسكرية مشتركة جنبا إلى جنب.
كما أن مصر تؤمّن الحدود لإسرائيل
لضمان عدم وصول المهاجرين الأفارقة بشكل خاص إلى إسرائيل، وذهبت مصر إلى حدّ إطلاق
النار على المهاجرين الأفارقة، الفارّين من إسرائيل، على ظهورهم بهدف قتلهم.
لذلك، من الواضح أن هناك توافقا فكريا
قويا للغاية وعلاقة متينة بين مصر وكل من السعودية والإمارات فيما يتعلّق بجهودهم
للسيطرة على المنطقة بأكملها من خلال إرساء سياسات الاحتلال والقمع والديكتاتورية.
هل تتوقعون استمرار النظام المصري في
نهجه "القمعي" إلى الأبد أم إنه من المحتمل حدوث تغيير ما في تلك
الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة؟
أعتقد أنه من الممكن بالتأكيد أن ينجز
السيسي بعض الإصلاحات، خاصة من خلال إطلاق سراح بعض السجناء المحتجزين، وربما حتى
أعداد كبيرة منهم، وأعتقد أننا سمعنا بعض الأقاويل التي تفيد بأنه من المتوقّع
إطلاق سراح بضعة آلاف من السجناء، وهي لحظة حاسمة في العلاقات بين الولايات
المتحدة ومصر في الوقت الراهن؛ إذ يُقال بأن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن سيقرر
في آب/ أغسطس الجاري ما إذا كان سيرفع الحظر عن 300 مليون دولار من مجموعة
المساعدات البالغة 1.3 مليار دولار التي فرضها الكونغرس شرط إجراء إصلاحات معينة
في مجال حقوق الإنسان.
بصورة تقليدية، وعلى مدار العقود
الماضية، لطالما كان هذا النوع من الحظر مفروضا، لكن وزير الخارجية الأمريكي تنازل
عنه وانحاز لمصالح الأمن القومي لتبرير قراره والسماح للمساعدات العسكرية بالمرور،
وهذا هو الاختبار الحالي الذي يواجهه بلينكن.
بالتالي، قد يكون هناك ضغط كبير على
السيسي لإظهار بعض علامات الإصلاح ولإجراء بعض التنازلات من أجل تسهيل الأمر على
وزير الخارجية بلينكن رفع الحظر على مساعدات بقيمة 300 مليون دولار، وكانت هناك
بعض الصعوبات في هذا السياق، وشهدنا إطلاق سراح بعض الصحفيين.
ومن ناحية أخرى، استأنفت الحكومة
المصرية ما يسمى بقضية تمويل المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية
الأجنبية من خلال تقديم لوائح اتهام واستجوابات جديدة موجهة لجمال عيد وحسام بهجت،
ونرى من جهة عددا من التقارير حول إمكانية إطلاق سراح مئات وآلاف السجناء، لكننا
لا نرى حدوث ذلك.
وفي الوقت نفسه، شهدنا الحكم المروّع
القاضي بإعدام 12 مصريا في محاكمة انتقامية سياسية واضحة ضد قيادات بارزة بجماعة
الإخوان. لذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت مصر تتلقى النصائح اللازمة والرسالة
التي يجب أن تتلقاها والمتمثّلة في أنها تحتاج إلى القيام بتغييرات جذرية.
ويمكن أن أقول لكم إن المجتمع الدولي
لحقوق الإنسان، ومجتمع الدعم الدولي، ومجتمع السياسة الخارجية الذي يراقب مصر عن
كثب لن يأخذ مُطلقا أيّا من هذه الإجراءات على محمل الجدّ إلى أن يحدث تغيير جذري
للغاية بخصوص الاعتقالات وأحكام الإعدام التي يجب إلغاؤها.
هناك فرصة لتثبت مصر للعالم بأنها تطوي
الصفحة وبصدد تحقيق عدالة تصالحية جادة من شأنها أن تُظهر سعيها إلى إرساء سياسة
شاملة تسمح لعشرات الملايين من المصريين الذي صوّتوا للرئيس الراحل محمد مرسي
بالدخول مرة أخرى بأمان في المجال السياسي، وتسمح للمصريين الذي تمّ تفريقهم عن
عائلاتهم لعدة سنوات بأن يتمكنوا من لمّ شمل عائلاتهم بأمان وضمانات للحفاظ على
سلامتهم.
في المقابل، لا أعلم ما إذا كان
السيسي، الذي يبدو أنه يتحرك بدافع الثأر الشخصي، سيتصرف بعقلانية لتأمين مكانة له
أفضل في المجتمع الدولي من خلال تقديم هذه الامتيازات.
وفي الوقت نفسه، ليس من الواضح أن
الأوساط السياسية الدولية ستُطلق دعوات جدية لترسيخ حقوق الإنسان في مصر، لأنهم
متورطون مع نظام السيسي في عمليات شراء أسلحة مربحة للغاية تجعلهم يحظوْن بشعبية
كبيرة سواء بالنسبة للحكومة الفرنسية أو الإيطالية على سبيل المثال لا الحصر.
كيف ترون أحكام الإعدام الأخيرة في
مصر؟ وهل تتوقعون تنفيذها في وقت ما؟
كانت محاكمة هؤلاء الرجال وإدانتهم
جزءا من محاكمة جماعية لأكثر من 700 شخص، وهي محاكمة مثيرة للخزي والعار منذ
اللحظة الأولى لاسيما عندما حُكم سابقا على مئات الأشخاص بالإعدام على أساس ارتكاب
ذنب جماعي يتمثل في قتل بعض ضباط الشرطة، وقد شمل هذا الحكم أشخاصا لم يشاركوا حتى
في اعتصام رابعة ولم يكونوا حاضرين حتى فيها، ولم يكن هناك تعريف واضح للتهم
المُوجهة ضد أي فرد.
أعتقد أنك ستجد أن هناك إجماعا بين
المجتمع الدولي، والمجتمع المدني العالمي لحقوق الإنسان، ومجتمع المراقبين بين
وكالات الأمم المتحدة المكلفة بحقوق الإنسان، بأن هذه المحاكمات ليست جدية على
الإطلاق، وأنها مجرد محاكمات استعراضية سياسية وانتقاما سياسيا موجها ضد الرجال
الذين حُكم عليهم بالإعدام.
ماذا سيحدث؟، لا أعتقد أن أحدا يعلم
ذلك، وأرى أنه أمر مثير للقلق أن يقع تجاهل مأساة هؤلاء الرجال وعائلاتهم لاسيما
ذلك الضغط الهائل والصدمة والمعاناة التي سُلّطت على أحبّائهم من هؤلاء الرجال
الذين يعيشون حالة من الخوف والقلق لم يسبق لها مثيل.
لماذا لم تكن هناك أيّة ردود فعل قوية،
خاصة من أوروبا أو الولايات المتحدة بشأن الإعدامات الأخيرة في مصر؟
هذا سؤال وجيه، وأعتقد أن ذلك يعكس بلا
شك الحقيقة المتمثلة في السردية التي نشرتها الحكومة المصرية بشأن هذه المحاكمة،
والتي تفيد بأنها محاكمة قضية إرهاب ضد إرهابيين، وأن الرجال المحكوم عليهم كانوا
متورطين في أعمال عنف، بما في ذلك قتل ضباط من الشرطة، ونظرا لأن الرجال الذين
حُكم عليهم كانوا إما أعضاء بارزين في جماعة الإخوان المسلمين أو ممن يُنظَر إليهم
على أنهم داعمون لجماعة الإخوان أو مدافعون عنها فإن ذلك هو السبب وراء تمكّن
الحكومة المصرية من ضمان الصمت عموما من الحكومات الغربية الكبرى.
إلا أنه بحسب اعتقادي، برز العديد من
أعضاء مجلس النواب الأمريكي الذين أدانوا هذه المحاكمة وعارضوها علنا. أعلم أن عضو
الكونغرس "تيد لو" يركز بشدة على عقوبة الإعدام في هذه المحاكمة،
والسيناتور كريس ميرفي على علم ودراية تامة بالظلم الموجود في هذه المحاكمة. لذلك،
من البديهي أننا نريد دفع وإيصال ذلك لإدارة بايدن ووزارة الخارجية لتتحدثا علنا
عن هذه العقوبة.
برأيكم، ما الذي ينبغي فعله لتجنب
تنفيذ الإعدامات الأخيرة بمصر؟ وماذا لو قام النظام بتنفيذها بالفعل؟
ما يمكننا القيام به ينطبق على أي
إساءة فظيعة في تطبيق أحكام العدالة، حيث يمكننا تقديم الحقائق والاحتجاج بصوت
عالٍ وممارسة الضغط، ودفع المسؤولين الحكوميين الذين يدّعون أنهم يهتمون بحقوق
الإنسان لكنهم يدعمون الحكومة المصرية، ومطالبتهم بإلغاء عقوبة الإعدام، وإطلاق
سراح الرجال المعنيين، ليس هناك أي حل عادل آخر خلافا لذلك.
ومن الواضح للغاية من الحقائق الموجودة
أن هذه المحاكمة ظالمة بشكل فادح على هذا النحو. يجب علينا أن نستمر بالمطالبة
بشكل جماعي وبلا هوادة بإلغاء هذا الحكم وإطلاق سراح هؤلاء الرجال من السجن
كما أظن أنه لا بد أن يكون من الواضح
أنه لن تكون هناك أيّة منظمة دولية أو منظمة حقوقية مصرية تتسامح مع أي دعم
للحكومة المصرية في حال استمرار عمليات الإعدام هذه، لأنها تعدّ خطا أحمرا صارخا
في الإرهاب والوحشية.
ما هي رسالتكم إلى الضحايا والناجين من
مذبحة رابعة في ذكراها الثامنة؟
أولا وقبل كل شيء أقدم تعازيّ بالطبع
لعائلات قتلى ميدان رابعة، الذين قدّموا التضحيات الهائلة وضّحوا بأرواحهم في
مذبحة مروعة ربما تكون أكبر وأبشع جريمة ارتكبتها أيّة حكومة مصرية على الإطلاق،
ولست على علم بأيّة مذبحة أسوأ منها في تاريخ مصر الحديث.
وللأسف هذه المذبحة تمثل في الواقع مصر
بأسوأ صورة على الصعيد الدولي؛ فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين فيما يتعلق
بارتكاب أسوأ مذبحة في حق المتظاهرين في التاريخ الحديث.
آمل أن يُدرك ضحايا "ميدان
رابعة" أن العديد منا يتذكر ويفتخر بتضحياتهم والتزامهم بإرساء مستقبل
ديمقراطي لبلدهم ومقاومتهم للانقلاب والاستبداد ووقوفهم في وجه الرصاص، والأسوأ من
أجل القيم التي يؤمن بها العالم أجمع. من المهم للغاية أن يُدرك الناس في
"ميدان رابعة" أنهم لم يرتكبوا أي خطأ. لقد ارتُكب خطأ بحقهم، وأتمنى لو
كان بالإمكان إيقافه، لقد كان ينبغي إيقافه، ولا يسعني إلا أن أقول إن المساءلة تتخذ
أشكالا ونماذج عديدة؛ فهناك مساءلة الرأي العام، الذي أفتخر بالقول إنني عملت على
أن أكون جزءا منه، وبالتأكيد في التاريخ والرأي العام تُعتبر حكومة السيسي المصرية
مسؤولة عن هذا الدمار وهذه الجريمة. وكلنا نعلم ذلك، لكننا سنواصل ملاحقة ومطاردة
المسؤولين عن هذه المذبحة حتى تقع محاكمتهم يوما ما في إطار القانون الجنائي
ومعاقبتهم بشكل مناسب على هذه الجريمة المروعة.
في بعض الأحيان تمر عقود قبل أن تتحقق
العدالة، وهناك مقال على موقع منظمتنا، آمل أن يطلع عليه القراء، حيث أجرينا
مقابلة مع رجل يدعى ريد برودي الملقب بصياد الديكتاتوريين، وتحدث عن كيفية تمكنه
من تحقيق العدالة لضحايا الديكتاتوريين الآخرين في أجزاء أخرى من العالم بعد مرور
عقود، لأن الضحايا تمكنوا من تسجيل وتوثيق كل ما حدث لهم.
لذلك، أدعو الناس إلى تدوين كل ما حدث
لهم في هذا اليوم من أجل توثيق ما يتذكرونه عن تلك الأحداث، وأنا أحثهم على تدوين
ما حدث ومشاركة سجلاتهم وشهاداتهم حول تلك المجزرة الأبشع.
على صعيد آخر، قال وزير الخارجية
السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إن جريمة قتل خاشقجي لن تحدث ثانية على
الإطلاق، وإنهم اتخذوا الإجراءات الكفيلة بذلك، مؤكداً أنهم قاموا بمحاسبة
المتورطين في تلك الجريمة.. ما تعقيبكم؟
كما تعلمون، مثل العديد من الأكاذيب
والوعود الفارغة التي قطعتها الحكومة السعودية، أخشى أن نضطر إلى اعتبار ذلك وعدا
فارغا آخر تماما مثلما كذبت الحكومة السعودية بشأن قتل خاشقجي، وأُهينت أمام
العالم بأسره، لأن أكاذيبها الغبية انكشفت أمام مليارات المواطنين والمجتمعات في
جميع أنحاء العالم. لذلك، رأينا أن التزامهم بإصلاح نظامهم الأمني وأجهزتهم
الأمنية لمنع وقوع هجمات جديدة ضد الصحفيين والمواطنين السعوديين، كان مجرد كذبة
صريحة منذ مقتل جمال خاشقجي، حيث استمرت الحكومة السعودية في نهجها، فقد حاولت
تصفية أحد مسؤوليها السابقين، سعد الجبري، الذي كان يعيش في المنفى بكندا، كما
قامت بتنفيذ هجمات مستهدفة وأعمال عنف ضد إياد البغدادي، واستهدفت أيضا الصحفية
غادة عويس.
كما أن السعودية واصلت توجيه فيديوهات
الكراهية الحاقدة، ونشر تغريدات تهاجم منتقدي أو معارضي حكام المملكة، وأيضا
استمرت في ترهيب أفراد عائلات الصحفيين والنشطاء في الخارج، الذين كانوا يعيشون في
السعودية من خلال احتجاز أطفالهم، مثلما احتجزت أبناء السيد الجبري، وذلك عن طريق
منع أفراد عائلات الصحفيين والناشطين المؤيدين من السفر. ربما لم يقتلوا أحدا في
الخارج حتى الآن، لكن استخدام العنف والمضايقات ضد منتقديهم، لم يتغير بالتأكيد.