مقالات مختارة

الجنرال البرهان زعلان

1300x600

زعيم عربي كبير، لا بأفعاله وأقواله، بل لأنه رئيس لدولة عربية كبرى، زعيم يعكس مجيئه هذا الزمن الرديء الذي نعيشه، وشحت فيه الزعامات في عالمنا العربي، وكثرت فيه انقلابات محمد بن زايد. زعيم في زمن لا نجد فيه ولو رئيسا واحدا، أو ملكا قادرا على لملمة أطراف أمة تعد بمئات ملايين البشر، أمة يفترض أن تنعم بالرخاء والقوة والاعتزاز والهيبة والسطوة، أمة قادرة، إن أحسنت استخدام ثرواتها وقدراتها، على فرض احترامها على من حولها؛ لما فيها من طاقات بشرية وقدرات اقتصادية وثروات طبيعية، لا تزال دول العالم تحتاجها، وتسعى للحصول عليها، ومن أجلها تعيد استعمارها من جديد، ومن أجلها قامت وتقوم بتفتيت دولها الأساس، والأمثلة كثيرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، والآن تنضم إليها تونس حتى لا تقوم لها قائمة.


الزعيم أو الرئيس الذي نتحدث عنه، كما يدل العنوان، ليس زعيما عاديا، بل هو زعيم جاءت به المؤسسة العسكرية، التي يفترض أن تكون الدرع الواقية والحامي والمدافع عن الوطن الكبير قبل الصغير، وعن حدوده الغربية الجنوبية، إنه الجنرال عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان؛ رئيس المجلس السيادي في السودان، المغتصب لسلطة الشعب السوداني، وإلقاء اللوم على من سبقه من الطغاة بقيادة الفريق عمر البشير، الذي قدمته المؤسسة العسكرية كبش فداء حتى لا تفقد سطوتها وتحكمها في قدرات هذا البلد الغني بكل شيء، بدءا من الطاقات البشرية وانتهاء بالثروات الطبيعية.
هذا الجنرال الذي جاء راكبا شعار حماية السودان وشعب السودان من أعدائه الخارجيين والمحليين، فأبقى على المحليين، وزادهم باستعمار جديد تحت راية دعم شعب السودان والارتقاء به إلى مستويات جديدة، خاصة على الصعيد الزراعي. استعمار إن بسط نفوذه وسمح له بالتمدد، فإنه سيعتبر السودان بعد حين جزءا من امبراطوريته، التي لن تكون من الفرات إلى النيل، ليس نيل مصر فحسب، بل من الفرات إلى نيل السودان، هذا إن تركت إثيوبيا، وبمساعدة إسرائيل نفسها، لهم شيئا من هذا النهر.


الجنرال البرهان زعلان، بل زعلان جدا من أصحابه الجدد في تل أبيب، ليس لأنهم لم ينفذوا وعودهم المزعومة في تحديث السودان والارتقاء به، ولو كان الأمر كذلك لشفع له، وكان يمكن أن يغفر له جزءا من ذنوبه الكثيرة والمتعددة، ولكنه جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) الذي نجح في تحقيق اختراقات كثيرة في أنظمة عربية عديدة، أو لنقل إن هذه الأنظمة كانت مستعدة للانجرار وتوقيع اتفاقات تطبيع، ساقها إليها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وجهاز الموساد هو المسؤول عن ملف الاغتيالات التي راح ضحيتها العشرات من القيادات الفلسطينية والعربية والدولية على مدى قرون، وهو الذي يدير ملف العلاقات مع هذه الدول، وهو الذي يقف وراء اتفاقات التطبيع التي شملت حتى الآن أربع دول تقودها الإمارات العربية.


السؤال هو؛ لماذا أثار جهاز الموساد غضب البرهان؟ وهو أول قائد سوداني التقى مع نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال السابق، وتبين أن سبب زعل الجنرال البرهان ليس زعلا حقيقيا، بل ما باب الغيرة والخوف وأيضا العشم، فقد عبّر البرهان عن انزعاجه من الموساد خلال الاتصال الذي أجراه معه الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ، مهنئا بمناسبة عيد الأضحى، وجاء الزعل على شكل عتاب لأن جهاز الموساد ورئيسه الجديد ديفيد بارنيع، أجرى محادثات مباشرة مع نائبه الجنرال محمد حمدان داقو «حميدتو»، الذي يعد الرجل القوي في النظام السوداني الحالي، والجنرال يعتقد خاطئا أن الموساد الذي التقاه مسؤوله السابق يوسي كوهين، أكثر من مرة اصبح مسجلا على اسمه. ولا يعرف جنرالنا أن أجهزة المخابرات في العالم تتخلى عن أصدقائها بانتهاء أدوارهم واستنفاد المهمة التي جندوا من أجلها. وقام الجنرال ومن حوله بهذه المهمة بامتياز.


من يقدم خدماته بالرخص يستغني عنه الأعداء/ الأصدقاء الجدد يا حضرة الجنرال. وسوء فهم الجنرال الكبير يكمن أيضا في ظنه أنه بالشكوى قد يرد لنفسه الاعتبار، غير مدرك لحقيقة أن الرئيس الإسرائيلي يؤدي دورا بروتوكوليا لا قرار بيده، ولا حول ولا قوة له ولا نفوذ سياسي. الجنرال زعلان لأن الموساد لا يعتبره، كما يبدو الرجل الأول ويتجاوزه بالاتصال بنائبه، من دون أي اعتبارات أخرى. أي زمن هذا الذي نحن فيه، وأي مستوى وصلنا إليه، فبعدما كان الموساد يبحث عن أصدقاء بين العرب، أصبح المسؤولون العرب هم الذين يطرقون بابه، معقول أننا وصلنا إلى هذا المنزلق والمنحدر وبهذه السرعة؟ أم إن هؤلاء أو على الأقل بعضهم كانوا بين أصدقاء الموساد، ودفع بهم صغارا وترعرعوا وصعدوا إلى مواقع حساسة في السلطة على مدى زمن طويل؟ أم هل هذه هي البدعة الجديدة التي صاحبت «اتفاقات إبراهام»؟ أم إن القيادات العربية السياسية الحاكمة مخترقة منذ زمن إلى هذا الحد، حد الحديث علنا ومن دون خجل أو تردد عن العلاقات مع الموساد؟


ومن الجنرال السوداني إلى الكاتبة والباحثة الإماراتية ذات الأصول السعودية، التي ربما استقر بها المطاف في دبي أو أبو ظبي، حتى تتنفس الحرية وتخلع الحجاب وتلقي به في أعماق الخليج، هذه الكاتبة/ الباحثة الإماراتية/ السعودية، اختارت الانضمام إلى جهاز تحرير صحيفة إسرائيلية، وليس أي جريدة، بل أكثرها يمينية وعداء للعرب، وهي الجريدة الناطقة باسم ليس الليكود فحسب، بل رئيسه بنيامين نتنياهو. صحيفة أسسها الملياردير الصهيوني الأمريكي شيلدون أدلسون، صاحب أهم كازينوهات القمار في العالم، عام 2007 خصيصا لدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة نتنياهو والترويج لسياساته اليمينية والعنصرية والتحريضية ضد عرب 48 والفلسطينيين عموما. وتوزع الجريدة مجانا على المنازل، الصحيفة الأكثر رواجا في إسرائيل، والمنافسة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» المناهضة لنتنياهو.


نجاة السعيد حرة طبعا في اختيار الوسيلة الإعلامية التي تكتب فيها، رغم رفضي المطلق لمبدأ الكتابة في صحف إسرائيل لأغراض سياسية بعينها، ورغم ذلك يتوقع منها أن تكتب في القضايا والمشاكل التي تهم الشعوب الخليجية وهي كثيرة. وكنت أتوقع -خاطئا- أن تخرج عن نمطية الكثير من كتاب الخليج، الذين يجدون في الكتابة في الموضوع الفلسطيني، الأكثر سهولة، فيكتبون في هذا الموضوع ما يشاؤون، من دون عقاب، وينسى هؤلاء مشاكل شعوب الخليج الاجتماعية والاقتصادية وغيرها الكثير. ولفت انتباهي مقال نجاة السعيد الأخير، وفيه تطالب إسرائيل عمليا بتغيير القيادة الفلسطينية التي وصفتها بالقديمة، والمنقسمة، تحت راية مبتذلة وهي تحقيق السلام «الحقيقي الدافئ». ويتمنى الإنسان لو كانت صادقة في الحديث عن السلام الدافئ، وإنما الهدف هو فقط الترويج لاتفاقات إبراهام، وولي نعمتها محمد بن زايد، تلك الاتفاقات التي تحرم الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية.
فماذا قالت «الباحثة» التي لا تطالب الشعب الفلسطيني بتغيير قيادته، وهو قادر إن أراد، وإلا لكان الأمر مفهوما، لكنها تطالب إسرائيل بذلك، وتزيد «أقل ما يمكن لإسرائيل أن تفعله لإنجاز السلام وتقصد «سلام الأنذال» التي أوصلها للكتابة في هذه الصحيفة، هو الضغط على الإدارة الأمريكية لدعم القيادة الفلسطينية الشابة، ولم تحدد ماهية هذه القيادة الشابة، وربما تقصد بكلامها محمد دحلان المطرود من حركة فتح، لأسباب تتعلق بالفساد «لأنه لن يظهر أي حل سياسي في ظل القيادة الحالية القديمة والمنقسمة». والغريب أن السعيد لم تطلب من ابن زايد التدخل؛ لأنها تعرف في قرارة نفسها وتعجز عن الإفصاح عنه، أنه أعجز من أن يتقدم بمثل هذا الطلب، فنفوذه في واشنطن، إن وجد، ضئيل.
وأخيرا من الجنرال البرهان إلى الباحثة والكاتبة السعيد، يا عين لا تحزني.

 

(القدس العربي)