قد يبدو السؤال غريبا لكنه يلح علي منذ شاهدت فيلم ديزني-بيكسار الأخير "لوكا".
يسرد الفيلم الصادر في يونيو الفائت حكاية فتى اسمه لوكا، ذو الثلاثة عشر عاما. ينتمي لوكا إلى جنس خيالي من الكائنات البحرية التي تصبح بشرا عاديين فور أن يجف الماء عنها خارج البحر. تعيش تلك الوحوش البحرية في البحر، قبالة ساحل منطقة الريفيرا الإيطالية.
نستشف أزمة الفيلم المتوقعة بمجرد أن نلاحظ العداء المتبادل الذي يكنه البشر لوحوش البحر هؤلاء، الذين يخشون البشر حد الرعب لأنهم يقتلونهم. كل فريق يكره الآخر دون أن يعرفه.
يلتقي لوكا بصديقه ألبرتو، فيحلمان سويا بامتلاك دراجة نارية "فيسبا" ليطوفا العالم عليها. يبدأ الصراع حين يعلم والدا لوكا بخروجه إلى الشاطئ رغم تأكيدهما على الامتناع عن ذلك خوفا من البشر "وحوش البر"، فيقرران إرساله مع عمه الذي يعيش في قاع المحيط. يهرب لوكا ويبدأ مغامرة مع ألبرتو من أجل الفوز بمسابقة تقيمها القرية حتى يربحا الفيسبا المنشودة.
يمكننا توقع العوائق التي تواجه البطلين، اللذين تعود قشورهما وأعضاؤهما البحرية إلى الظهور فور ابتلالهما، ما يعرضهما لخطر فادح كلما ابتلّا بالماء، في تلك القرية التي تفتك بوحوش البحر من بني جنسهما فورا.
على اليابسة، يصبحان صديقين للفتاة جوليا، الحالمة بالانتصار على أركول، رمز الشر، وانتزاع جائزة المسابقة السنوية. يسجل الأصدقاء الثلاثة كفريق في المسابقة على أمل الفوز بالمال الكافي لشراء فيسبا الأحلام.
هنا يمكن مناقشة البناء الدرامي للفيلم. ببساطة يرتكز بناء الفيلم هنا على خطة سيد فيلد الشهيرة لبناء السيناريو، التي تطورت لتصبح البناء الدرامي ثلاثي الفصول، المعتمد لدى أكثر منتجي السينما في هوليود اليوم، وهو عبارة عن نقاط محددة، يتم التوصيل بينها لتنتج حكاية الفيلم. أولا لدينا نقطة الاستدعاء حيث يتلقى البطل لوكا دعوة للمغامرة خارج البحر. ومع أنه يرفضها في البداية، فإنه يندفع إليها بعد عدة تطورات، مثل قرار والديه بإرساله إلى قاع المحيط المظلم.
اقرأ أيضا: SOUL: ما الخطأ الذي ارتكبه السيد غاردنر؟
بولوج البطل إلى ما يسمى نقطة "العتبة" يبدأ مرحلة الصراع على البر، ويحقق بعض الانتصار كأن ينجح الصديقان في صناعة فيسبا بدائية يستمتعان بركوبها، مما يغريهما بعدم التراجع عن مسعاهما. تبدأ نقطة اللاعودة حين يقرران الدخول إلى القرية الإيطالية وفعل أي شيء من أجل الفيسبا، بينما والدا لوكا يبحثان عنه في القرية، فيواجهان مواقف كارثية حين يبتلان بالماء ويصبح كشفهما، وبالتالي قتلهما، وشيكا.
ومع اشتداد الصراع تأتي نقطة الانهيار حين يكتشف أهل القرية أن ألبرتو وحش بحري، فيطارده الجميع ويكون لوكا سببا في ذلك دون قصد. وقبيل النهاية تأتي نقطة التحول التي يختار البطل أثناءها أن يواجه الجميع حين يدافع لوكا عن صديقه فينكشف سره أيضا، لكن أهل القرية يمرون بلحظة استنارة فيقررون أنهم يعرفون أنهما صبيان صالحان، ويكتشف الجميع أنهم إخوة ولا داعي للعداء التاريخي بين البشر ووحوش البحر.
وحين يأتي حل الأزمة، يقرر ألبرتو منح ثمن الجائزة للوكا حتى يذهب إلى المدرسة رفقة جوليا، فقد تحقق مفهوم "منحنى الشخصية" بالمعنى الهوليودي، حيث يكتشف البطل في نهاية رحلة تحقيق الحلم أنه زهد في حلمه الأول بعد تغير شخصيته، وبالتالي يمنح ألبرتو ثمن الفيسبا لصديقه الحالم بدخول المدرسة.
هذا التحليل السابق يقودنا إلى ما يراه بعض النقاد عيبا في هذا النوع من البناء الدرامي. هذا العيب هو تحول السيناريو إلى مجموعة من النقاط التي يجب التوصيل بينها عن طريق اختراع بعض الأحداث؛ مما يوقع الكاتب أحيانا في فخ اختراع أحداث مسببة عن غيرها بلا دوافع حقيقية.
مثلا: أراد صانعو الفيلم أن يبتكروا شقاقا بين الصديقين، فخلقوا مناقشة بينهما وبين جوليا انتهت بأن ألقى ألبرتو بنفسه في البحر أمامها لتكتشف حقيقته، وفور تحوله إلى وحش بحري نطق لوكا بالكلمة "وحش بحري"، فطارده أركول العدو محاولا قتله. اعتبر صانعو الفيلم أن هذا سبب مقنع للشقاق بين الصديقين، مع أنه لا يبدو كذلك، فمطاردة ألبرتو لم تكن بسبب كلمة لوكا بل لأن مظهره تحول إلى وحش بحر أرعب جوليا ومن حولها.
سؤال آخر: لماذا تحول حلم لوكا من الفيسبا إلى الرغبة في الالتحاق بمدرسة؟ لم أجد مبررا دراميا ولا دافعا مقنعا لهذا التحول، خاصة أن الأطفال لا يكرهون شيئا مثلما يكرهون الاستيقاظ للذهاب إلى مدارسهم. كأن كاتب السيناريو أراد العثور على أي حلم بديل لحلم الفيسبا ليقنعنا بأن منحنى شخصية البطل قد اكتمل، دون أن يفكر بما يكفي للعثور على حلم بديل مقنع، أو مفهوم الدوافع بالنسبة لنا.
ثمة سؤال آخر عن حلم الصبيين بشراء فيسبا؛ ما الذي يجعل كائنين بحريين قادرين على الإبحار بسلاسة وسرعة إلى أي مكان، راغبين في اقتناء فيسبا ليطوفا العالم؟ إذا كان يمكنهما الذهاب للمحيط واكتشاف جميع الأماكن على سواحل المتوسط والأطلنطي، فكيف يكون حلمهما مجرد فيسبا لينطلقا بها؟ أتصور أنهما يفتقدان ما هو مستقر، مرتبط باليابسة، غير متاح لهما في حياة البحر. ربما كان مذاق فاكهة أو حلوى أقرب إلى أحلام طفلين بحريين من فيسبا، تجسد أحلام المراهق الأمريكي، المهووس بصورة الكاوبوي ذي القبعة العريضة والدراجة النارية وعلبة المارلبورو!
يقودني ذلك إلى مشكلات أخرى أشعرتني أن ديزني بحاجة إلى التفكير خارج الصندوق الذي ابتكرته ببراعة لأفلامها، حيث الأطفال يحققون المعجزات ويغيرون العالم بعد منحنى شخصية أصبح مكررا بوضوح.
ثمة إشكالات في الفيلم، لم أفهم بعضها، مثل الإصرار على طرح الفيلم في صورة دعائية سياحية، كأنه يروج للسياحة في منطقة الريفيرا ويقدم لنا طبيعة الحياة فيها ومواطن جمالها. لا يبدو لي ذلك مفيدا لبناء الفيلم أو تطور حبكته، ولا أتصور أنه مطلوب من الأفلام أن تقدم مقاطع محرضة على رحلات الصيف والطبيعة والمسابقات في القرى السياحية.
أيضا انطبع الفيلم بشيء من التنمية البشرية والنصائح المباشرة التي تبدو دروسا للأطفال والناشئة، كأن يعلم ألبرتو صديقه لوكا أن يقاوم الخوف بنطق جملة "اصمت يا برونو"، الذي هو الشيطان، حتى يكسر الخوف! أو كأن يكتشف البشر والوحوش البحرية أنهم يعادون بعضهم بعضا لأنهم لم يتعارفوا بما يكفي، كأن حكمة الفيلم: "من جهل شيئا عاداه".
بالطبع لا يسعني إلا الانبهار بإمكانات الرسم والتحريك والتعبير عن الشخصيات لدى ديزني-بيكسار، كذلك البراعة في خلق عوالم بحرية ساحرة، قد تكون رائعة حد اعتبارها دعاية سياحية مبهرة للريفيرا الإيطالية!