اعتمدت وسائل التواصل لدى الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية، على الفترة الزمنية وظروف الأسر خلالها، فلكل مرحلة زمنية وسائلها الخاصة، التي فرضها المكان والإمكانيات المتوفرة، وتُعتبر الكبسولة هي أولى الوسائل الاتصالية، التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ الحركة الاعتقالية على كافة الأصعد.
بعد نكسة عام 1967، ارتفعت نسبة اعتقال النخب من قيادات الثورة بهدف القضاء عليها، ليصل خلال هذا العام إلى 325 أسيراً من بينهم 225 أسيراً فتحاوياً، تعرضوا لشتى أصناف التعذيب والضغط النفسي ، وقد حاولت مصلحة السجون عزلهم عن المجتمع الخارجي وقطع أي تواصل مع تنظيماتهم العسكرية في الخارج، وكي يلتف الأسرى على يقظة السجان، كان الأسير يستغل أي فرصة ينشغل بها السجان ليتواصل مع غيره من الأسرى والخارج، في وقت كان هذا التواصل ممنوعاً، ولا يمكن للإنسان أن يعيش دون تواصل، فالتواصل أساس الاستمرارية، وديمومة للبقاء.
وبسبب الحاجة الملحّة لأسرى الثورة الفلسطينية، للتواصل مع قيادات التنظيم في الخارج، وممارسة دورهم النضالي، الذي لا يجب أن يشكل السجن عائقاً أمامه، ولو كلّفهم حياتهم، حرص أسرى الثورة الفلسطينية آنذاك، على تشكيل أول رسالة تنظيميّة، والتي عرفت باسم (البرشامة)، وكانت تصنع من ورق أغطية اللبنة بعد غسلها وتجفيفها على حافة مغسلة الزنزانة، ثم لفّها بشكل أسطواني، لتصبح كما كبسولة الدواء، ثم تغليفها بالنايلون وباستخدام ولاعة السجائر، التي تساعد على التصاق النايلون بالورق، وتسهّل طريقة تهريبه.
يقول الأسير المحرر عزمي منصور: "خصصت البرشامة للرسائل المهمّة في بداية الثورة الفلسطينية، ولم تتح للعموم، فقد كانت وسيلة تواصل بين أسرى التنظيم داخل السجون مع قيادة الخارج، لتحمل آراء سياسية مهمّة، تساعد على بلورة رأي التنظيم العام حول موضوع سياسي معيّن، وكانت توجّه أيضاً لجمهور الشارع الفلسطيني، بمضمون تحريضي، يهدف لدفع عجلة النضال قدُماً لضمان بقاء عجلة الثورة الشعبية في حركة مستمرة".
اعتبرت الكبسولة في ذلك الوقت، بمقام الأوكسيجين الذي يتنفسه الأسير، فهي التي تحمل لهم الأخبار الخارجية، وبالمقابل تحمل أخبارهم وآراءهم حول كافة المواضيع للخارج، وبالتالي فهي المتجدد الوحيد في حياتهم، ولتهريبها كان الأسرى يتحملون مشقة كبيرة، لا سيّما أن الأسير كان يبتلعها في فمه وينقلها لأحد أفراد العائلة خلال زيارة الأهل، الأمر الذي يكبده عقوبة الحرمان من الزيارة حال ضُبطت معه، وبطريقة أخرى كانت تهرّب عبر جلسات المحاكم حين ينتقل الأسير للمحكمة عبر سيارة البوسطة، وهي وسيلة نقل مصلحة السجون المستخدمة حتى اليوم لنقل الأسرى، والتي تمكنه من الالتقاء بأسرى آخرين من سجون أخرى، يستقبلونها من فم الأسير ويبتلعونها داخل أحشائهم، كي لا تضبط الكبسولة خلال عملية التفتيش العاري التي يتعرض لها كل أسير ينتقل من مكان لمكان آخر، الأمر الذي أجبرهم على ابتلاعها واستخراجها حين الوصول للسجن، من بين البراز ثم غسلها جيداً، وهذا يفسر سبب لف الكبسولة بالنايلون، لتسهّل عملية البلع والاستخراج لآحقاً.
مع مرور الوقت ورغم تطور وسائل الاتصال داخل السجون، بسبب تطور الإمكانيات، لم تفقد الكبسولة خصوصيتها وحاجتها، فهي تبقى الوسيلة الأكثر أمناً، وقد تعددت لآحقاً أهداف استخدامها، سواء للشؤون السياسية أو التنظيمية أو الاجتماعية، وتراجعت حدة قيود قيادة التنظيم الواحد داخل السجن، وخففت من رقابتها للكبسولة، حيث كان قيادة التنظيم من الأسرى يلعبون دور حارس البوابة، ويدققون في مضمون أي كبسولة ولا يسمحون لكافة الأسرى باستخدامها، وبقي دور حارس البوابة صارماً حتى بداية التسعينيات، ونجاح الأسرى بتهريب أول جهاز نقّال إلى السجون.
حاربت الكبسولة كوسيلة اتصال مهمة في الحياة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية، كافة العقبات التي تحول دون وصولها للهدف، وشكلت عبر مراحل التاريخ، تأسيساً مهماً لوسائل الاتصال داخل السجون
ويعد كتاب (فرسان الانتفاضة يتحدثون من وراء القضبان)، لكاتبه الأسير المحرر فهد حسين أحمد أبو الحاج، والذي نشر عام 1992، من أهم الكتب في الشأن الاعتقالي، والتي احتاجت لقرابة الخمسين كبسولة مهربة، ليخرج الكتاب بحلّته الحالية، والذي وجِّه للجمهور العام بهدف نقل رسالة توعوية حول تجارب الأسرى من داخل السجون، وكل ما يتعلّق بحياتهم الاعتقالية.
حاربت الكبسولة كوسيلة اتصال مهمة في الحياة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية، كافة العقبات التي تحول دون وصولها للهدف، وشكلت عبر مراحل التاريخ، تأسيساً مهماً لوسائل الاتصال داخل السجون، يجب أن يُبنى عليه، ويتم تخصيص الدراسات حولها كإحدى وسائل الاتصال المهمة، التي لعبت دوراً كبيراً في تشكيل العملية الاتصالية بين الأسرى والجمهور والعكس.