مدونات

هل ما زلت طفلا؟

غادة الفقعاوي كاتبة فلسطينية
كم تمنينا أن نعود أطفالا نلهو ونسعدُ بأيامنا بدونِ قلق أو خوف من الآتي، نقضي أوقاتنا باللعبِ والتصرفِ بجنون، نلعبُ بالرمالِ ونبني بيوتا من الطينِ، نضربُ أحدهم بالحجارةِ وبعد لحظات ننسى كل شيء ونستمرُ باللعب؛ لأن قلوبنا بريئة لا تعرف معنى الكره والخصام.

كم تمنينا أن نضعَ رؤوسنا على الوسادة ونخلد للنوم، بدون أرق، كريشة تسقطُ في الماءِ فتنغمر به بكل حبّ وهدوء.

كان أعظم ما يحيرنا ونحن أطفال، ماذا سنشتري بالمصروف؟ وأي لعبة سنختار للعب؟ وكان أسمى طموحنا أن نحصلَ على المركزِ الأول في أي لعبة نلعبها.

أكثر شيء كان يسعدنا كلمة طيبة من معلم، ثوب جديد، العيدية، حل الواجب سريعا لمشاهدة التلفاز، وأكثر شيء نخافُ منه هو صراخ الأم واستخدامها أسلحتها المتنوعة: الشبشب والكف غير المرئي، لكن في الليل نجد حضنها هو الأمان والسبيل ليوم جديد جميل.

حقا إنها أيام لا تُقدر بثمنٍ، ذهبت وكأنها رمشة عين، وأنا متأكدة أنها تمر أمام عينيك كحلم جميل لا تريدُ أن ينتهي، ولو استطعت العودة إليها لبقيت بها إلى الأبد.

ولكن، هل ما زال بداخلك روح الطفولة وجمالها؟ هل ما زلتَ بريئا بأفعالك؟ هل تعيش بعضا من أيامِك بجنون ومرح؟ 

من سننِ الحياة أن نشقَ طريقا من العلم وننمي عقولنا، ونعمل ونجتهد في عملنا ونتزوج ونبني أسرة عمودها الاهتمام والثقة.

كل هذه المراحل وما يترتب عليها، قد تنسيك روحك الطفولية، وقد تجعل منك شخصا روتينيا يمل من عمله، وحتى من نفسه؛ لأنك أصبحتَ شخصا يحمل مسؤولية والجميع ينتظر منك أن تعطي، أصبحتَ تفكر بالغدِ وكيف سيكون، أصبحَ كل شيء في حياتكِ يتبناه عقلك حتى ابتسامتك، أيضا وقت فراغك تشعر أنه ليس ملكك، وإن امتلكتَ وقتا تنهيه بالتفكير في الحاضر والمستقبل.

وقد تمر عليك فترات تشعر بأنك تريد أن تكونَ وحيدا، لا تريد أن تعمل أو ترى أحدا، فقط تريد أن تبتعد عن كل شيء وتسترخي، في هذه الحالة تحدث مع أطفال وداعبهم، ارسم البسمة عليهم، أعطهم شيئا ولو كان بسيطا، ستعود إليك روحك الطفولية وستشعر أنك امتلأت بالإيجابية وحب كل شيء يحيط بك.

يقول الدكتور هاني فارس: "لتعلم أن هنالك من يستحق؛ جالس شيخا كبيرا أو داعب طفلا صغيرا، وقتها ستشعر بأنك يجب أن تعمل ولا تيأس، فالكون بحاجتك والجميع يستحق".

اعلم أن بُعدكَ عن روحكِ الطفولية، وأخذك للأمورِ بحسم وجدية وترك أثر سلبي في كل ما يقابل يومك، سيجلب لك التعاسة، فمن الجميل أن تنمو بعقلك وبفكرك، والأجمل أن يبقى قلبك حاملا لمعاني الطفولة، حافظ على الجزء الجنوني منك، الجزء الطفولي السعيد. تذكر ما كنتَ تفعله عندما كنت طفلا، تذكر عندما كنتَ تشارك غيرك بمصروفِك، بألعابِك، تذكر روح الحب والتسامح، تذكر ما كان يسعدك وكرره مع نفسك أو أطفالك لتسعدَ مجددا، فكل واحد منا بداخله طفلٌ، دعه ينطلق، وقل لنفسك: نعم، لا زلتُ طفلا.

* كاتبة من فلسطين