أضاف الكاتب البريطاني بيتر أوبورن، معركة أخرى في بريطانيا تدور حاليا، إلى جانب نضال المنتخب الإنجليزي للحصول على كأس يورو 2020، وهي مع رئيس الحكومة بوريس جونسون.
وأوضح في مقاله الذي نشر في موقع "ميدل إيست أي"، وترجمته "عربي21"، أن هناك معركتين في بريطانيا، ففريق كرة القدم بقيادة غاريث ساوثغيت، يجسد رؤية لبريطانيا متعددة الثقافات، وهي رؤية عزم جونسون على طمسها تماما، وفق قوله.
وفي ما يأتي النص الكامل كما ترجمته "عربي21":
دعونا نتخيل المشهد. يفوز كابتن فريق إنجلترا الوطني لكرة القدم هاري كين ولاعبوه يوم الأحد بالمباراة النهائية في كأس أوروبا ضد إيطاليا ويصبحون بذلك أبطال أوروبا. ثم يقوم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي حلب كل قطرة من المكاسب السياسية من نجاح إنجلترا غير المتوقع، بدعوتهم إلى الاحتفال المعتاد.
يتمشى أبطال كين في داونينغ ستريت حيث يلتقطون الصور خارج الباب الأمامي الشهير للمقر، ثم يجثون جماعياً على الركب.
نمت شعبية هذا التعبير المناهض للعنصرية منذ أن بادر به لاعب كرة القدم الأمريكي كولين كيبرنيك أثناء تحية العلم قبل خمسة أعوام، وقال حينها إنه ما كان بإمكانه الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني لأن ذلك سيكون تعبيراً عن فخره براية بلد طالما اضطهد السود.
كانت تلك الرسالة موجهة نحو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان قد تولى الرئاسة لتوه محتفياً بالتفوق العرقي للبيض على سواهم. كان مارتن لوثر كينغ أول من جثا على ركبته قبيل اغتياله في عام 1968 بوقت قصير.
منذ عملية القتل الهمجي بحق الأمريكي الأفريقي جورج فلويد في مينيابوليس السنة الماضية، أصبحت تلك علامة مميزة لاحتجاجات حركة "حياة السود تهم". ما لبثت أن انتشرت حركة الجثو على الركبة بين لاعبي دوري الدرجة الأولى من أندية كرة القدم الإنجليزية.
إلا أن أعضاء حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون ما فتئوا ينتقدون هذا الموقف بشدة، إذ يعتبر كثيرون منهم أن "حياة السود تهم" حركة ماركسية تتناقض جوهرياً مع "القيم البريطانية" التي يرفع رايتها جونسون.
ولذلك عندما صرح بكل وضوح مدير نادي الفريق الإنجليزي لكرة القدم غاريث ساوثغيت بأن لاعبيه سوف يجثون على ركبهم بداية كل مباراة، أثار ذلك سخطاً مباشراً لدى المحافظين. فقد اعتبرت وزيرة الداخلية بريتي باتيل، التي بنت سجلها الوظيفي في الحكومة من خلال إشعال نيران الحرب الثقافية الإنجليزية، الجثو على الركبة "لفتة سياسية" ورفضت إدانة مشجعي المنتخب الإنجليزي الذين صرخوا في وجوه أعضاء الفريق الوطني استنكاراً لفعلتهم تلك، وقالت: "بصراحة، هذا خيار لهم الحرية في ممارسته".
تناقض حالك
ورفض بوريس جونسون إدانة أولئك المشجعين الذي صرخوا في وجوه اللاعبين الذين جثوا على ركبهم، بينما صرح المتحدث الرسمي باسمه للصحفيين بأن "رئيس الوزراء يركز أكثر على الأفعال منه على الإيحاءات".
حاز هذا الموقف على دعم الصحافة التابعة للمحافظين، حيث أعلنت صحيفة ذي تايمز بأن الجثو على الركب "أنهك الغاية منه وبات الآن مثيراً للشقاق أكثر منه مساعداً".
أما بريندان كلارك سميث، عضو البرلمان عن حزب المحافظين، فذهب إلى أبعد من ذلك حيث صرح بأن حركة "حياة السود تهم" لديها "دوافع شريرة" بما في ذلك "سحق الرأسمالية، وحرمان الشرطة من التمويل، وتدمير العائلة ومهاجمة إسرائيل". وقال لي أندرسون، وهو الآخر عضو في البرلمان عن حزب المحافظين، إنه سوف يقاطع المباريات.
ولذلك فإن ثمة تناقض حالك في الصميم من دعم جونسون للفريق الإنجليزي.
فمن ناحية، عقد رئيس الوزراء (الذي بالكاد يبدي أي اهتمام في حياته الخاصة بكرة القدم) العزم، بشكل انتهازي، لحلب كل ما يقدر عليه من مكاسب سياسية فرتب التقاط سلسلة من الصور له وهو يرتدي قميص كرة قدم طبع عليه الرقم عشرة.
ومن ناحية أخرى، ما فتئ فريق ساوثغيت، الحصيف والمؤدب، يجسد رؤية لبريطانيا متعددة الثقافات تسع الجميع، وهي الرؤية التي يصر جونسون على طمسها. ولقد أشار نجم فريق إنجلترا السابق غاري نيفيل إلى الفرق بين الرجلين عندما نعت ساوثغيت بالرجل "المحترم والمتواضع الذي يصدح بالحق، ويتحلى بكل المزايا التي ينبغي أن تتوفر في القائد".
مغازلة العنصرية
دعونا للحظة نتصور مواجهة بين نجم إنجلترا المهاجم رحيم ستيرلينغ وجونسون لو قدر لفريق إنجلترا أن يفوز ببطولة أوروبا لعام 2020 وتتم دعوة الفريق إلى مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت.
يذكر أن ستيرلينغ، المولود في جامايكا والذي كان في طفولته يعمل مع أمه نادين في تنظيف المراحيض داخل الفنادق، قد ارتقى مسلكاً محفوفاً بالمشاق.
ويعلم جيداً من تجارب شخصية كابوسية مر بها ماذا يعني أن يكون المرء مستهدفاً بالإيذاء العنصري.
في المقابل، فإن جونسون لا تنقصه الخبرة في تعمد إيذاء الآخرين عنصرياً. فقد نعت السود بكلمة "الغلمان السود" وتحدث عن "ابتسامات البطيخ" التي ترتسم على وجوههم. كما أن جونسون استخدم ما لا يقل عن ست مرات مصطلحات تعتبر مهينة للسود في كتبه، وشبه النساء اللواتي يرتدين الخمار بصناديق البريد، ودافع عن الاستعمار البريطاني في أفريقيا.
تختلف الآراء حول ما إذا كان جونسون ينطبق عليه التعريف التقليدي للرجل العنصري، أي ذلك الذي يعتقد بتوزع الأعراق على طبقات يأتي في قمتها العرق الأبيض. ولكن ما من شك في أنه يستخدم التعابير العنصرية واللغة المناهضة للمسلمين، واستخدم على الأقل في مناسبة واحدة كنايات معادية للسامية.
لا يوجد أدنى شك في أن مغازلة جونسون للعنصرية خدمته سياسياً أثناء تسلقه السلم الوظيفي نحو أرقى المناصب السياسية. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى حدث ذي علاقة بهذا الأمر، ألا وهو استقالة صاموئيل كاسومو، مستشار جونسون الخاص حول المجتمع المدني والجاليات، في وقت مبكر من هذا العام.
رؤيتان
ينحدر ما لا يقل عن ستة من أعضاء فريق إنجلترا من جذور ثقافية ترتبط بجزر الهند الغربية. كم منهم كان سيسمح لهم بالدخول إلى بريطانيا في ظل السياسات المناهضة للهجرة التي تتبناها بحزم وزيرة الداخلية باتيل؟
سوف تتصادم رؤيتان لبريطانيا عندما يخطو هاري كين وأعضاء فريقه من أسود إنجلترا باتجاه مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت. قد تكون تلك مناسبة مغموطة وذات مواصفات بريطانية خالصة، يصافح فيها كين وستيرلينغ وزملاؤهم الآخرون يد رئيس الوزراء، وينتهي الأمر عند ذلك.
ولربما غدت غير ذلك.
فبعد كل ما فعله بوريس جونسون لكي يحلب الانتصارات الرياضية لإنجلترا ويجيرها لصالح مشروعه السياسي، فإنه لم يتوجب على لاعبي كرة القدم في الفريق الإنجليزي السماح بتحويلهم إلى أدوات يستخدمها هو لصالحه؟ ولكن، دعونا لا نستبق الحدث، وهو حدث مازال بعيداً.
ولا بد أولاً من أن ينجح غاريث ساوثغيت وأبطاله في إلحاق الهزيمة بإيطاليا مساء الأحد. وسيحظون حينها بتشجيع الأمة بأسرها.
الغارديان: يمنيون يريدون مقابلة وزير الدفاع البريطاني
الغارديان: ثقافة الإفلات من العقاب في الحزب الحاكم مستشرية
الغارديان: لندن باعت أسلحة بالمليارات لدول تنتهك حقوق الإنسان