يستلهم الشبان في الضفة الغربية المحتلة فكرة "الإرباك الليلي"، وأدوات "المقاومة الخشنة"، في فعالياتهم أمام البؤر الاستيطانية، من تلك التي ابتدعها شبان غزة قبل سنوات.
إطارات مشتعلة وهتافات من كل اتجاه وأضواء ساطعة مزعجة؛ كلها وسائل بات يستخدمها الفلسطينيون أمام بؤر استيطانية عدة وسط دعوات لتعميمها في كافة مناطق الضفة.
وتهدف فعاليات الإرباك الليلي في الضفة إلى الدفع باتجاه إزالة البؤر الاستيطانية التي وضعها المستوطنون على عدد من الجبال التابعة لقرى مدينة نابلس، حيث بدأت بلدة بيتا بهذه الفعاليات ثم بلدة بيت دجن شرقاً.
ويقول الناشط محمد أبو ثابت من بيت دجن لـ "عربي٢١" إن البلدة منذ اليوم الأول لوضع البؤرة الاستيطانية وهي تقوم بعمليات إرباك ليلي ونهاري؛ وتمثل ذلك بخلع أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء الممتدة للبؤرة الاستيطانية؛ وإقامة خيمة قرب البؤرة للانطلاق في المقاومة الشعبية.
وأوضح أنه في الآونة الأخيرة كانت فعاليات الإرباك الليلي تشتد مثل إشعال الإطارات المطاطية وأشعة الليزر وتوجيه كشافات الإنارة تجاه البؤرة وجنود الاحتلال الذين يؤمنون الحماية لها على أطراف القرية؛ وعلى مساحة واسعة من أراضيها التي تبلغ مساحتها ٤٨ ألف دونم، مبينا أن البؤرة إن بقيت فستصادر أكثر من ٢٥ ألف دونم تمثل نصف مساحة القرية.
اقرأ أيضا: "معركة الجبل" مستمرة.. ودعوات لأكبر حشد في "بيتا" الخميس
وأشار إلى أن الفعاليات تشمل كذلك إغلاق الطرق الواصلة للبؤرة الاستيطانية ومواجهة جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة ومحاولة الوصول للبؤرة ومضايقة المستوطنين فيها.
وأضاف: "البؤرة أقيمت منذ عشرة أشهر ومنذ اليوم الأول تم تشكيل لجنة شعبية للدفاع عن الأراضي ممثلة بكل القوى الوطنية والإسلامية وبمشاركة المجلس القروي في الفعاليات ومعظم أهالي البلدة، وهي مستمرة في كل جمعة، وكذلك القرية قدمت شهيدا وعشرات الإصابات والاعتقالات في هذه الفعاليات".
ورأى أبو ثابت أن أهالي القرية سيواصلون فعالياتهم حتى إزالة البؤرة الاستيطانية، مبينا أن بيت دجن تقع شرق نابلس وعدد سكانها ٤٥٠٠ نسمة معظمهم يعملون في الزراعة، كما أنها قرية زراعية مطلة على الأغوار الوسطى ويمكن من البؤرة الاستيطانية المقامة على جبالها مشاهدة الأغوار الأردنية والحدود السورية.
وتابع: "منذ بداية فعاليات الإرباك والبؤرة الاستيطانية لم يزد عدد المنازل فيها خوفا من الضغط الشعبي، هي فقط عبارة عن خيمة لمستوطن وعائلته يحميهم جنود الاحتلال، فعاليات الإرباك لها دور كبير في إزالة البؤرة وهي أكبر ما يمكن فعله من مواطنين عزل تجاه بؤرة يسكنها مستوطنون مسلحون بالإضافة للاحتلال الذي يوفر الحماية لهذه المستوطنة".
توقيت مميز
عضو لجنة الدفاع عن الأراضي توفيق الحاج محمد قال لـ "عربي٢١" إن وسيلة الإرباك الليلي تشكل فعلا إرباكا لجنود الاحتلال والمستوطنين.
وأوضح أن هذه الفعاليات جاء توقيتها ليلا من أجل خلق حالة إرباك وتوتر لدى المستوطنين الذين لا يمكن أن يتوقعوا ماذا يمكن أن يحدث، مبينا بأن الاستنفار من قبل الجنود هو ردة الفعل دوما حين تبدأ فعاليات الإرباك الليلي.
وأشار إلى أن فعاليات الإرباك تؤثر بشكل أكبر من الفعاليات النهارية والمسيرات المعتادة، وذلك لأن الفعاليات في النهار تكون مكشوفة التحركات وواضحة ويراقبها الاحتلال بدقة، بينما في ساعات الليل يعجز عن ذلك ما يسبب له الإرباك.
وأهم ما يميز فعاليات الإرباك الليلي في الضفة؛ كما يقول الحاج محمد؛ أنها يومية وليست أسبوعية مثل المسيرات والفعاليات الأخرى، كما أن توقيتها ليس موحدا ولا معروفاً بالنسبة للاحتلال والمستوطنين، إضافة إلى أنها فعاليات تتم في مناطق مختلفة وليس في مكان واحد.
وأكد أن فعاليات الإرباك ليلاً تجذب عددا أكبر من المواطنين كونها تتم في أوقات بعيدة عن ساعات العمل والدراسة؛ كما أن توقيتها يكون في طقس معتدل الحرارة ما يشجع على المشاركة فيها من قبل المواطنين بأعداد كبيرة.
مقاومة إبداعية
الناشط الشعبي في لجان الإغاثة الزراعية خالد منصور قال لـ "عربي21" إن الإرباك الليلي هو تنويع وشكل من الأشكال الإبداعية التي ابتكرها الشبان لإرباك الاحتلال والمستوطنين ولا تجعلهم ينامون ولا يهنأون، بل يشعرون بالقلق والتوتر.
وأوضح أن فعاليات الإرباك مرافقة لبقية الفعاليات من الاحتكاك والمواجهات التي يقوم بها الشبان والأهالي يوميا، لافتا إلى أن بلدتي بيتا وبيت دجن تتصدران الإرباك الليلي حتى الآن.
وأشار إلى أنه من الملاحظ أن الاحتلال بدأ يضيق ذرعا بفعاليات الإرباك؛ حيث أن هناك تحريضا من المستوطنين بادعاءات كاذبة أنها فعاليات تضر البيئة، وهذا دليل على أن الاحتلال متضايق منها.
وأضاف: "لم يعرف الاحتلال أن الشبان سيزحفون تجاه البؤر وتم إطلاق النار خلال ذلك وأصيب أحد الشبان خلال فعاليات الإرباك الليلي، كما قام الاحتلال باقتحام الفعاليات واعتقال الشبان وهذا دليل على أنه أسلوب نافع ومجد في مواجهة المستوطنين".
اقرأ أيضا: "بيت دجن" شرقي نابلس تستلهم "الإرباك الليلي" من غزة
وأكد أن الشعب الفلسطيني لديه مخزون كبير من الوسائل الشعبية للمقاومة؛ حيث يحارب منذ عام 1936 ومستمر في مقاومته، مبينا أن هذا شكل سيحرص الفلسطينيون على تعميمه في كافة القرى والبلدات التي تعاني من الاستيطان كي تصبح ظاهرة على مساحة الضفة كلها.
وأشار إلى أن واحدا من أشكال الإرباك الليلي هو استخدام الفلسطينيين لأسلوب "الفزعة" القديم؛ وهو أن يهب أهالي القرى المجاورة لنصرة القرية كما حدث في بيتا، حيث هب أهالي قرية عقربا المجاورة بالشاحنات وهم يرددون الأهازيج الشعبية في تقليد رائع لمفهوم الفزعة، حسب قوله.
ما سيناريوهات الوضع بغزة مع إغلاق المعابر واشتداد الحصار؟
أهالي "بيتا" يبتكرون وسائل إبداعية لمقاومة الاستيطان
مواجهات خلال حملة اعتقالات ومداهمات للاحتلال بالضفة