بعد أن نجح النظام العسكري الحاكم في تشويه تيار الإسلام السياسي في مصر والمتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، لم يعد أمامه سوى تيار السلفية الذي أيد بعضه رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى لانقلابه منتصف العام 2013.
وعلى مدار السنوات الماضية حاول النظام تهميش ذلك التيار وقطع أجنحته بإبعاد كبار علماء السلفية عن الخطابة ومنع ظهورهم في الإعلام، ثم بتقليص دورهم السياسي حيث لا مناصب وزارية أو قيادية كما كان إبان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.
وجاءت شهادة للداعية السلفي محمد حسين يعقوب أمام محكمة مصرية في قضية "داعش إمبابة"، الثلاثاء 15 حزيران/ يونيو 2021، لتثير الجدل والتندر بداية مما حملته عناوين الصحف المصرية حول قرار القاضي بضبط وإحضار يعقوب للشهادة أمام المحكمة هو والداعية السلفي الشهير محمد حسان.
كما كانت أسئلة القاضي وشهادة يعقوب سببا في السخرية من الشيخ والهجوم عليه من إعلام النظام، وهي الحملة التي تحولت إلى بلاغات أمام النيابة العامة ضده بتهم تضليل الشباب.
وشن الإعلامي المقرب من الجهات الأمنية المصرية أحمد موسى، حملة ضد الشيخ يعقوب وسخر منه عبر برنامجه بفضائية "صدى البلد".
وعلى الجانب الآخر، ظهر الشيخ أسامة الأزهري مستشار السيسي للشؤون الدينية بفضائية "dmc"، 10 حزيران/ يونيو 2021، ليثير الجدل بحديثه عن الفكر الصوفي، محاولا جذب المصريين له بطرح فكرة الحسابات والأرقام في الذكر وارتباطها بأسماء الله الحسنى والقرآن الكريم، والحديث عن الإذن بالذكر كعادة ما يحدث من أقطاب الصوفية لأتباعهم.
يذكر أن الإمارات تدعم توجه نشر الإسلام الصوفي في مصر والمنطقة العربية، كما أن مؤسسة "راند" الأمريكية المتهمة بالارتباط بالأجهزة المخابراتية بواشنطن قدمت دراسة تدعو إلى دعم الصوفية في العالم الإسلامي، بديلا للسلفية.
وخلال السنوات الماضية استغلت السلطات المصرية الإعلام إلى جانب بعض الدول العربية وخاصة الإمارات لتشويه تيار الإسلام السياسي والسلفية ولإعلاء شأن التصوف وإظهاره بصورة الإسلام الصحيح والمطلوب من الدولة، وهي الرسالة التي تأتي متوافقة مع دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني.
وفي آب/ أغسطس 2020، أثار فيلم "صاحب المقام" للكاتب المثير للجدل إبراهيم عيسى والفنانة يسرا والممثل آسر ياسين الجدل حول ما يقدمه من رسالة حول الإسلام الصوفي كونه الإسلام الصحيح والذي يجب أن يتم تطبيقه.
وجاءت قصة إبراهيم عيسى، داعية الجميع لأن يكونوا من مرتادي الأضرحة الماسحين على شبابيك الأولياء المؤمنين بكراماتهم وقدراتهم الخفية والإيمان بأنهم الوسطاء الشافعون عند الخالق، ومن يؤمن بغير ذلك يتعرض لغضبهم.
الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر، أشار إلى استغلال الدولة المصرية للموضوعات التافهة لإلهاء المصريين عن أزماتهم، مؤكدا أن "حكاية الشيخ يعقوب السلفي حلقة من حلقات هذا المسلسل".
وشاركه الرأي الباحث الإسلامي عبد الله النجار، الذي أكد أن شهادة يعقوب كانت خطة محكمة لإلهاء الناس عن ضياع النيل وتدمير السلفية ورموزها والحط من قدرهم.
"يريد شعبا مغيبا"
وفي إجابته على التساؤل: هل يتم طرح الإسلام الصوفي كبديل للإسلام السلفي؟ قال عضو المكتب السياسي بالجبهة السلفية والباحث المصري أحمد مولانا، إن "المشهد السلفي تعرض للتضييق منذ انقلاب 2013، والتيارات السلفية متنوعة ومن دعم الانقلاب تيار برهامي فقط، ولكن بقية التيار السلفي رفضوا الانقلاب".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "من تيارات السلفية من شارك بفاعليات ضد الانقلاب ومن لم يشارك، لكن الجميع تعرض للتضييق بمنع الدروس والعمل العام"، موضحا أن "الحملة الأخيرة الهدف منها إرسال رسالة بشيطنة التيار الإسلامي ككل وتجفيف منابع التدين بإهانة الرموز الدعوية الشهيرة حتى ولو كانت غير مسيسة".
ويعتقد الباحث الإسلامي، أن "ما يحدث للتيار السلفي ليس جديدا وعندما حاولوا تشويه الشيخ يعقوب ربطوا بينه وبين الشيخ سيد قطب، والإشكال لدى النظام في الأفكار التي يطرحها قطب، والتي تطالب بالثورة ضد الظالمين والإطاحة بهم وإقامة حكم رشيد".
ويرى أن "النموذج الصوفي المنشغل بالخزعبلات والخرافات هو الذي يريده النظام، لأنه يساهم بتغييب الناس بعدم نقمتهم على الواقع بدعوى أن لنا الآخرة وننشغل بالذكر كنوع من أنواع التخدير".
وأشار مولانا إلى أن "كلام ماركس، بأن الدين أفيون الشعوب ليس صحيحا بإطلاقه، لأن الإسلام دين تثوير ومطالبة الناس بحقوقها، ولكن هذا النموذج الصوفي يريده النظام ليخدر الناس عن المطالبة بحقوقها".
اقرأ أيضا: يعقوب أمام القضاء كشاهد بقضية لـ"داعش".. هاجم البنا وقطب
وجزم بأن "النمط الخزعبلي من التيار الصوفي لن ينتصر في مصر؛ لأنه لا يحمل مقومات إقناع، مثل ما يقوله أسامة الأزهري بأن تستأذن قبل ذكر الله، فهذه خرافات الماضي والأجيال الجديدة لا يمكن إقناعها بهذه الأمور أو أن تترسخ لديهم هذه الأفكار البالية والمفاهيم العقيمة".
وأكد أن دعاة الصوفية "يستندون فقط على دعم السلطة لهم، ولكنهم لن يلقوا قبولا مجتمعيا أو رضا شعبيا، ومساحة نجاحهم محدودة، ومع أول فرصة لحدوث انفراجة كل هذا الكلام سيتبدد والأشخاص كخالد الجندي والأزهري سيعودون لحجمهم الطبيعي بعد تراجع دعم السلطة لهم".
"توجه عالمي"
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي والباحث المصري رأفت صلاح الدين، أن "دعم التصوف موجود مع الأنظمة السابقة، وخصوصا بعد حركة ضباط يوليو 1952، وتدخلهم باختيار شيخ مشايخ الطرق الصوفية، فبعد صدام الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، أدرك النظام أهمية إيجاد بديل يقدَّم للناس أنه التدين الذي تقبله الدولة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "عبد الحكيم عامر، أقال شيخ مشايخ الطرق المنتخب (أحمد الصاوي) وفق لائحة المجلس الصوفي الأعلى عام 1903، وعيَّن (محمد محمد علوان) شيخ مشايخ الطرق الخلوتية".
وأكد أن "عامر، أشرف على إصلاح نظام الطرق، واستسلمت جماهير الطُّرقيين للمُصلح الجديد واستكانت لتوجيهاته طوعا أو كرها خاصة بعد أن رأوا كيف فعلت الثورة بأكبر وأقوى تجمع إسلامي بمصر وهم الإخوان"، مبينا أن "هذا الحال استمر بعهد السادات ومبارك".
صلاح الدين، قال إن "التوجه العالمي الآن ضرب الإسلام بعضه ببعض، ولمواجهة التيار السلفي يتم دعم الطرق الصوفية، وتقرير مركز (راند) RAND Corporation عام 2007: (بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي)، شارك به أنجيل رابسا وشيريل بينارد ولويل شوارتز، وبيتر سكيل؛ وأعطى الطرق الصوفية الأهمية".
وأضاف: "تقرير راند الأمريكي، احتفظ للصوفية بأهميتها الاستراتيجية في التخطيط الأمريكي، باعتبارها أحد البدائل المتاحة أمام المخطط الأمريكي لإزاحة التيارات الإسلامية وإحلال الصوفية محلها، وبعد صدور التقرير وضح مغزى ودلالة اهتمام الإدارة الأمريكية بالصوفية، كما يعدونها لشرعنة الأنظمة العلمانية والليبرالية".
وعلى الجانب الآخر يرى الكاتب والباحث المصري أن "التيارات السلفية مفيدة للأنظمة لأنها تعطيها الشرعية وطوع بنانها، فلا تشكل خطرا إلا حال تحولها لتبني العنف، أو تثوير بعض فروعها كما حدث إبان ثورة يناير 2011".
ويعتقد أن "الخطر الأكبر على السلفية رؤوس السلفيين الذين يفتقدون للوعي، ويميلون للفرقة والاختلاف والتناحر مع بعضهم، وتطلعهم للحصول على مكاسب على حساب مبادئهم"، مبينا أن "ما يتم هو عملية تصفية حسابات مع بعض الرموز لخروجهم أحيانا عن الخطوط المرسومة، أو لتصريحات سابقة، ويتم عملية خلخلة واحتواء وتقزيم من جديد".
وأكد أن "الصوفية لا تملك مقومات مواجهة التيار السلفي لضعف تأثيرهم بالشارع، وانكماشهم بالعقود الأخيرة، والتنافس والصراع وبينها، وافتقادهم للإطار الفكري والمنهجي البديل، فهم يعتمدون على الإعلام ومساندة الأنظمة، وهذه نقاط ضعف وليس قوة، بالإضافة للإشكالات الشرعية الكثيرة البدعية منها والشركية التي تمارسها الطرقية القبورية".
وأوضح أن "أمريكا والغرب والإمارات حاولت منذ سنوات وقدموا دعما ماديا ومعنويا يفوق الخيال ومساندة كبيرة ولم تنجح حتى اليوم، كما حاولت الإمارات إنشاء كيانات مؤسساتية للعلماء مثل المركز العالمي للتجديد والترشيد (GCRG)".
وأشار لقيام أبوظبي، "بتلميع رموز صوفية مثل الموريتاني عبد الله بن بيه، واليمني علي الجفري، والمصري علي جمعة، وشكلوا وفودا سافرت إلى معظم دول العالم، وأقاموا مؤتمرات وأحيوا كثيرا من الطرق والأفكار دون تأثير يذكر".
وختم حديثه بالقول: "رموز الصوفية مفروضون إعلاميا وفي المناصب وهذا أقصى ما يمكن فعله، أما أي مواجهة فكرية فهم الطرف الأضعف".
"عربي21"، توجهت بتساؤلاتها إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية الدكتور عبد الهادي القصبي، والشيخ محمد علاء الدين ماضي أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية، وإلى عضو إئتلاف الصوفية سيد عبيدو، إلا أنهم فضلوا الامتناع عن الحديث في القصة.
"لا ننشغل بغير الذكر"
أحد مشايخ الطريقة البرهانية الشاذلية في مصر الشيخ جمال حسن، قال إن "حديث الشيخ أسامة الأزهري فتح الباب أمام كثير من المصريين لفهم التصوف بطريقة جديدة، وهو ما بدا ببحث المصريين عن معنى الإذن بالذكر وعن التصوف والأرقام وحساباتها المرتبطة بالذكر وأسماء الله الحسنى، الذي قاله الأزهري".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "برغم أن الأزهري قدم للناس جانبا جديدا لا يعرفونه عن التصوف؛ إلا أنه من المفروض ألا نتكلم بهذا أمام العامة، وكشف العلم على غير أهله عورة، لأن الناس لن تفهم ما يقال وقد يفتن العامة".
وأضاف أن "الأزهري عالم كبير؛ ولكن لكل مقام مقال، وهناك من الصالحين من لديه علوم جمة ولكنه لا يتحدث إلا بالمأذون به على طريقة علمك لنفسك، ووفق الحديث الشريف: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم)".
وأشار إلى أن "حديث الأزهري، فتح جبهة مضادة ضد الصوفية التي تحب ألا تنشغل بغير الذكر"، نافيا أن يكون هناك أي دور من الدولة لدعم الطرق الصوفية على حساب أحد، ومؤكدا أنهم "يلتزمون بالتعليمات الحكومية الرسمية ولا يخطون خطوة تخالف ذلك".
وحول قضية الإذن بالذكر، أوضح أن "للذكر تحصينات تبعد إبليس عن المسلم، وإن لم يكن للذاكر ظهير معاون فسيقوى عليه إبليس ويضره، ولذا فلا بد أن يكون لدى المتصوف إذن بالذكر من شيخ يجعله محصنا من ضرر الشيطان".
ولفت إلى أن "علم الأعداد لدى الصوفية علم كبير ومعترف به، وكل حرف يدل على رقم ولجميع أحرف أي كلمة ما يقابلها من أرقام، فتكون في النهاية رقما، مثل لفظ الجلالة (الله) يقابله الرقم 66، وهكذا".
"وجوه محل خلاف"
الصحفي مجدي فتحي، اعتبر أن "المشكلة في الإسلام الصوفي الذي يطرح الآن كبديل للإسلام السلفي تتعلق بالوجوه التي يتم تسويقها، والتي هي في الأصل محل خلاف وجدل واسعين".
وأوضح رؤيته عبر "فيسبوك"، قائلا: "ما قاله أسامة الأزهري حول الإذن بالذكر، أقرب مثال يمكن الاستشهاد به في عدم القبول الشعبي لما يتم الترويج له".
الذكرى الثانية لرحيل مرسي.. ما مصير ملف التحقيق بوفاته؟
مخالفات قانونية "فجّة" تنسف أحكاما بالإعدام في مصر
هل يتأثر السيسي بخروج نتنياهو من رئاسة حكومة الاحتلال؟