في سياق ازدياد أعمال العنف
والجريمة في مدن الداخل المحتل، شهدت مدينة الناصرة صباح الأربعاء (١٦ حزيران/
يونيو) حادث إطلاق للرصاص على عامل في بلدية الناصرة، إلا أن الشرطة لم تبلغ عن
الخلفية أو اعتقال أي مشتبه به بارتكاب الجريمة، وهذا ما يحدث غالبا في
الجرائم
التي تستهدف فلسطينيي الداخل، حيث تتقاعس شرطة الاحتلال بشكل متعمد عن أداء دورها.
حول جرائم القتل بالسلاح في المجتمع العربي تم
نشر تقرير لمراقب الدولة في دولة الاحتلال يبين أن جرائم القتل بالسلاح في المجتمع
العربي ثلاثة أضعاف نظيرتها في المجتمع اليهودي بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٩. وتحت عنوان
تعامل شرطة
إسرائيل مع حيازة الأسلحة غير القانونية وحوادث إطلاق النار في بلدات
المجتمع العربي والبلدات المختلطة، أصدر مراقب الدولة تقريره الذي تضمن مجموعة من
الحقائق والأرقام حول تلك الحوادث.
تضمن تقرير مراقب دولة الاحتلال الإشارة إلى
مكامن الخلل، بل والتقصير والتقاعس المتعمدين من قبل أجهزة الدولة في ما يتعلق
بتطبيق القرارات والخطط المختلفة في سبيل مكافحة تلك الجرائم ومكافحة حيازة السلاح
في المجتمع العربي. وتضمن التقرير الإشارة للخطة الخماسية المقرة ضمن القرار
الحكومي رقم ٩٢٢ الصادر في كانون الأول/ديسمبر عام ٢٠١٥، والذي تضمن ضرورة التطوير
الاقتصادي في المجتمع العربي.
كما أشار إلى قرار الحكومة رقم ١٤٠٢ الصادر في
نيسان/ أبريل ٢٠١٦، حيث تضمن هذا القرار مسؤوليات مباشرة لوزارتي المالية والأمن
الداخلي للعمل على خطة بين عامي ٢٠١٦ و٢٠٢٠ لتحسين مستويات
الأمن الشخصي في
المجتمع العربي، وتعزيز الأمن في لواء القدس. وتضمن القرار ضرورة إقامة محطات شرطة
جديدة، وتعزيز منظومة تنفيذية إضافية ومنظومة الشرطة القائمة، كذلك ضرورة دعم
منظومة الشرطة بـ٢٦٠٠ وظيفة جديدة. وتكلفة هذه الخطة المرصودة حينها ملياري شيكل،
توفر منها مليار فقط في الميزانية.
إلا أن حالة عدم تخصيص نسبة الميزانيات في
القرارات المذكورة أدى إلى تقليص الشرطة تطبيق الخطة، تبعا للمشكلات بسبب
التقليصات المفروضة على كافة الوزارات في دولة الاحتلال، كما أدت سياسة وزارة
الأمن الداخلي المالية إلى تغييرات في الخطة الخماسية المذكورة، مما تسبب في إلغاء
جزء من بنودها. فمن المبلغ المقرر لتحسين الأمن في المجتمع العربي خصص ٧٢٥ مليون
شيكل لتعزيز الأمن في لواء القدس، مما تسبب في إعاقة الخطة الخماسية بسبب الفجوة
الكبيرة في الميزانية. وذكر التقرير أنه تبعا لذلك لم تتم مواجهة الجريمة بل مجرد
عملية إعادة انتشار لها.
ذكر المراقب في التقرير بإشارة عنصرية؛ ضرورة
فحص جهاز الشرطة لتعيينه لعناصر شرطة مسلمين، والتحقق من المنافع التي قد تترتب
على دمجهم في مكافحة الجريمة، كما يذكر أن افتتاح محطات شرطة جديدة في مناطق تفشي
الجريمة في البلدات العربية لم تحرز هدف تقليص تلك الجرائم، خصوصا أنه تم إغلاق
معظمها بسبب التقليصات في الميزانية.
أشار المراقب إلى أن الإنجازات التي أعربت
عنها الحكومة في هذا الجانب هي إنجازات فارغة من المضمون، حيث ذكر أن أربعة من
المحطات الثماني التي أوصت الخطة الخماسية بإنشائها لم تتم زيادة عدد القوات فيها،
وإنما عملية إعادة انتشار للقوات فقط. وأوضح التقرير الادعاءات الحكومية حول ذلك
وزيفها، كذلك ذكر أنه لا توجد خطوات فعلية حكومية من أجل محاصرة الجرائم التي تفتك
بالمجتمع العربي في الداخل.
مما شدد عليه التقرير هو الأرقام التي أظهرت
ارتفاع في معدلات الجريمة في السنوات التي استهدفتها الخطة، وأشار إلى أن محاولات
فرض القانون حول إطلاق النار لم تأتِ بنتيجة. وذكر التقرير أن هذا الارتفاع ممنهج
ومتواصل، ومن ضمن توصيات التقرير للخطة الخماسية ٢٠٢٠- ٢٠٢٤ ضرورة إجراء مراجعة
لنتائج الخطة السابقة، مع ضرورة تجنيد عناصر شرطة من المجتمع العربي، كما أوصى
وزارتي الأمن الداخلي والمالية بضرورة تحديد الميزانيات حتى يتسنى قياس نتائج
الخطة.
في تصريح لرئيس لجنة الحريات في الداخل المحتل،
الشيخ كمال الخطيب، قبل اعتقاله، أشار إلى أن الاحتلال يقف بشكل غير مباشر أحيانا
خلف تفشي الجرائم في المجتمع العربي. وهذا التصريح للشيخ كمال الخطيب ينسجم مع
المعطيات في تقرير مراقب الدولة، حيث من الواضح عملية سياسة الانفلات والفوضى
الممنهجة ضمن قرار سياسي غير معلن، بفعل التقصير في تطبيق القوانين ورصد
الميزانيات للخطط الخماسية التي تستهدف تقليص معدلات الجريمة في المجتمع العربي.
مما يعزز صحة ما قاله الشيخ كمال الخطيب هو
ملاحظة استهداف فوضى السلاح لقيادات
فلسطينية في الداخل المحتل، على رأسهم كمال
اغبارية، الرئيس السابق لبلدية أم الفحم وأحد قادة الحركة الإسلامية في الداخل،
والذي أشارت تقارير عدة إلى أنه كان يخضع لمراقبة جهاز المخابرات الإسرائيلي قبل
محاولة اغتياله التي تسببت له بإصابات بليغة.
أشار اغبارية في مقابلة منشورة له إلى أن
الاحتلال بعد أحداث عام ٢٠٠٠ المتمثلة بهبة القدس والأقصى والانتفاضة الثانية،
وبعد ارتقاء ١٣ شهيدا فلسطينيا من الداخل المحتل، اتخذت القيادة الأمنية والسياسية
فيه قرارا بإبعاد فلسطينيي الداخل عن المشهد الوطني الفلسطيني، تعميقا للتقسيم
الجغرافي للنضال الفلسطيني، وإبعادا لهم عن الفلسطينيين بالضفة وغزة والشتات وعن
الحاضنة العربية والإسلامية.
يذكر أن تطور ظهور العصابات الإجرامية في
الداخل وأسباب المشاحنات بين فلسطينيي الداخل يعكس حالة من الفوضى المنظمة، تلك
الفوضى التي تشي بوجود خطة لتفكيك المجتمع الفلسطيني في الداخل لتسهيل عملية
السيطرة عليه ومن أجل أسرلته، بحيث يظل تحت حاضنة الاحتلال الذي يمثل القضبة
الأمنية والقانون ضمن حالة الفوضى هذه. ويعزز هذا الاستنتاج عدة إشارات وحقائق،
حيث أن ذلك السلاح لا يستهدف يهودا في الداخل وإنما يستهدف القيادات الفلسطينية في
الداخل، بخاصة تلك التي تدافع عن قضية القدس والمسجد الأقصى.
في تصريح لجلعاد أردان، وزير الأمن الإسرائيلي
الداخلي السابق، قال: "ما يجري يتم بالتنسيق مع المخابرات، فهل يعقل أن تدخل
شاحنات على معسكر للجيش يضج بالكاميرات وتحمل آلاف قطع السلاح وتخرج؟ كل هذا يحدث
بالتنسيق لمن سيذهب إليه السلاح ومن سيستلمه".
عند الوقوف على التقصير في مراجعة الخطط
الحكومية في دولة الاحتلال، وإهمال القوى البشرية والمحطات الشرطية والوسائل
التكنولوجية وغيرها، والتي قد ترفع من كفاءة النشاط البوليسي والتحقيقات والعمليات
الميدانية في ما يتعلق بتفشي السلاح والجريمة في المجتمع العربي بالداخل، نرى بأنه
لا يوجد هنالك أفق قريب للسيطرة على تلك الجرائم التي تشغل المجتمع العربي في
الداخل منذ ٢٠ عاما، فالوضع آخذ بالتدهور على نحو لا يمكن معه تقليص العنف
المتفاقم ورفع مستوى الأمن الشخصي، وذلك للعقبات التي تتمثل في صعوبة الدمج بين
أذرع الشرطة والحكومة وقيادات المجتمع العربي المستهدفة من قبل أجهزة مخابرات دولة
الاحتلال.