في مقابلة له مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، وصف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون علاقات بلاده مع تركيا بـ"الممتازة"، مشيراً إلى أنّه تسلّم دعوةً لزيارة أنقرة، وأنّ الأخيرة قامت باستثمار حوالي 5 مليارات دولار في الجزائر دون ربطها بشروط أو قيود سياسية. وتأتي هذه المقابلة بموازاة مصادقة تبّون مؤخراً على اتفاقية ملاحة بحرية مع تركيا كان قد تمّ التوقيع عليها في العام 1998 إلاّ أنّها بقيت تنتظر المصادقة منذ ذلك الحين.
وتشجّع هذه الاتفاقية على مشاركة سفن البلدين في نقل الركاب والبضائع بينهما وعدم عرقلة السفن الحاملة لراية الطرف المتعاقد من القيام بنقل البضائع بين موانئ بلدي الطرفين المتعاقدين وبين موانئ بلدان أخرى. كما تشجع على التعاون التقني في مجال بناء وإصلاح السفن وإنشاء المرافئ.
وبالرغم من أنّ العلاقات التركية-الجزائرية علاقات قديمة، إلاّ أنّ الاهتمام بتطوير هذه العلاقات تسارع مؤخراً لظروف مرتبطة بالطرفين فضلاً عن مجموعة من التطورات الإقليمية والدولية ذات الصلة. تربط تركيا بالجزائر حالياً مجموعة من الاتفاقات التي تمّ توقيعها على فترات متفاوتة في العقدين الماضيين لعلّ أبرزها اتفاقية الصداقة والتعاون التي تمّ التوقيع عليها في العام 2006 خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى الجزائر آنذاك. وبموجب هذه الاتفاقية، قامت تركيا بإعادة ترميم مسجد "كتشاوة" في الجزائر في العام 2017 كرمز لصداقة عمرها 500 عام بين البلدين.
ولكونها أكبر بلد عربي وأفريقي من حيث المساحة، وغنيّة بالموارد البشرية والطبيعية لاسيما لناحية النفط والغاز، لا يستقيم انفتاح أنقرة على المغرب العربي والعمق الإفريقي من دونها. وتشكّل الزيارات المتعاقبة لأردوغان إلى الجزائر منذ العام 2006، بمعدّل زيارة كل 3 سنوات تقريباً، مؤشرًا على الرغبة في تعميق العلاقة السياسية والإقتصادية والأمنيّة والثقافية مع البلاد.
دفعت تركيا في العامين الماضيين باتجاه تفعيل دور أكبر للجزائر في الملف الليبي وشمال إفريقيا وذلك بموازاة علاقات تركيّة أقوى مع دول المغرب العربي، ولم يعجب ذلك بطبيعة الحال دولا مثل الإمارات ومصر وفرنسا التي كانت تحاول جاهدة عزل الجزائر وإفشال تركيا.
تحوّلت الجزائر خلال السنوات الماضية إلى أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، وغالباً ما كان التنافس على هذ الموقع يتم بينها وبين مصر قبل أن تستعيده الأخيرة. كما احتلت الجزائر موقعاً متقدماً لناحية المساهمة في إستراتيجية تنويع الإعتماد على واردات الطاقة التركية، وفرضت هذه الأهمّية نفسها على الأتراك دافعةً إيّاهم إلى زيادة الاستثمار هناك حيث تحوّلت أنقرة خلال فترة وجيزة إلى أكبر مستثمر أجنبي في الجزائر وأكبر مشغّل أجنبي للشباب الجزائري.
في العام 2013، زار الرئيس التركي أردوغان الجزائر لإعطاء العلاقات الثنائية زخماً، إلاّ أنّ المخرجات بقيت دون المأمول خاصّة مع دخول الجزائر مرحلة الجمود السياسي في أواخر عهد بوتفليقة. لكن مع مجيء تبّون إلى الحكم، حاول الجانب التركي مجدداً، ولقيت هذه المحاولات صداها في الجزائر مع سلسلة من التحوّلات الإقليمية التي شهدت انخراط أنقرة بقوّة في التنافس شرق البحر المتوسط وفي ليبيا.
الاهتمام التركي بالجزائر ليس طارئاً، لكن انشغال أنقرة بمحيطها الإقليمي المباشر، حيث مصدر التهديدات خلال العقد الماضي أخّر انفتاحها بشكل أكبر على الدول العربية الواقعة في شمال أفريقيا منها الجزائر. لقد حثّت تركيا في العامين الماضيين على تفعيل دور أكبر للجزائر في الملف الليبي وشمال أفريقيا وذلك بموازاة علاقات تركيّة أقوى مع دول المغرب العربي.
وفي العام 2020، شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين قفزة نوعيّة، فكان أردوغان أوّل رئيس يزور الجزائر بعد تنصيب تبّون رئيساً للبلاد. كما تمّ في ذلك العام إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وافتتاح المزيد من مراكز تلقي تأشيرات الدخول إلى تركيا بعد أن ألغت أنقرة الحاجة إلى التأشيرات للفئات العمرية دون 15 سنة وفوق 65 للمواطنين الجزائريين الراغبين بالقدوم إليها.
وناقش الطرفان سبل تعميق العلاقات وضرورة تطوير التعاون في الملفات الثنائية والإقليمية وكذلك تلبية حاجات الجزائر الدفاعية من خلال التعاون الثنائي في هذا القطاع. وبموازاة ذلك، تطوّر التعاون الأمني بين الطرفين بشكل ملحوظ بين الطرفين في العام 2020.
يستطيع المتابع لبعض وسائل الإعلام و / أو الصحف كـ "سكاي نيوز" عربية و"الحدث" و"العرب" اللندنية و"الشرق الأوسط" أن يرصد مؤشرات واضحة عن مثل هذه المحاولات التخريبية لاسيما خلال العام 2020، حيث بلغ مستوى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية السوداء عن العلاقات التركية ـ الجزائرية مستوى قياسي يتناسب طردياً مع تنامي هذه العلاقات.
العلاقات الصاعدة بين البلدين لم تكن بمنأى عن محاولات التخريب من بعض الدول الأجنبية والعربية التي ترى في علاقات تركية ـ جزائرية أفضل خطراً متزايداً على مخطّطاتها الإقليمية. ظهر هذا الأمر بشكل واضح مع ازدياد دور تركيا في ليبيا وإيقافها الحرب التي كان يشنّها أمير الحرب حفتر بدعم من بعض الدول الخليجية وفرنسا على العاصمة طرابلس، وإعادة الاستقرار إلى البلاد والسماح بتفعيل عملية إنتقالية برعاية الأمم المتّحدة.
دفعت تركيا في العامين الماضيين باتجاه تفعيل دور أكبر للجزائر في الملف الليبي وشمال إفريقيا وذلك بموازاة علاقات تركيّة أقوى مع دول المغرب العربي، ولم يعجب ذلك بطبيعة الحال دولا مثل الإمارات ومصر وفرنسا التي كانت تحاول جاهدة عزل الجزائر وإفشال تركيا.
ويستطيع المتابع لبعض وسائل الإعلام و / أو الصحف كـ "سكاي نيوز" عربية و"الحدث" و"العرب" اللندنية و"الشرق الأوسط" أن يرصد مؤشرات واضحة عن مثل هذه المحاولات التخريبية لاسيما خلال العام 2020، حيث بلغ مستوى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية السوداء عن العلاقات التركية ـ الجزائرية مستوى قياسي يتناسب طردياً مع تنامي هذه العلاقات.
لم توقف هذه السموم الإعلامية أو السياسية أنقرة أو الجزائر من تحقيق تقدّم ملموس في علاقاتهما الثنائية، وليس من المتوقع أن تنجح في تحقيق ذلك. لكن من المهم بمكان رصدها ومتابعتها لأنّها تعبّر في نهاية المطاف عن موقف إقليمي يسعى إلى وضع العصي في دواليب العلاقات الثنائية بين البلدين. وبموازاة ذلك، هناك حاجة دوماً إلى متابعة التحدّيات التي قد تواجه هذه العلاقة خاصّة في بعدها المغاربي وزيادة مساحة التعاون بين الطرفين وطرح مقترحات تعاون خلاقّة مستقبلا.
Twitter: @alibakeer
التقارب بين تركيا ومصر.. الظروف والمصالح
الحوار المصري- التركي ومصير المعارضة المصرية