تميز العدوان الأخير على قطاع غزة عن سابقيه بأنه أثار رد فعل أكبر في العالم الغربي، حيث شهدت العواصم الأوروبية ومدن أمريكية خروج مظاهرات ذات زخم أعلى من مثيلاتها خلال الحروب السابقة على القطاع.
وشارك الآلاف في مظاهرة في لندن وُصفت من قبل المشاركين بها بأنها أكبر احتجاج متضامن مع الشعب الفلسطيني تشهده العاصمة البريطانية منذ زمن طويل.
وشارك الآلاف في مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية، للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وتجمع المشاركون في حي "ساني سايد" الواقع ضمن منطقة "كوينز" بنيويورك، ثم جابوا الشوارع حاملين الأعلام الفلسطينية وسط هتافات تنادي بالحرية لفلسطين وقطاع غزة المحاصر.
كما ردد المشاركون في المسيرة شعارات داعمة لفلسطين وتندد بإسرائيل والإدارة الأمريكية.
وكان من اللافت أيضا مشاركة فنانين ومشاهير غربيين عبر "تويتر" في التنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، على الرغم من أن بعضهم عاد واعتذر عن تنديده نتيجة لضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
وتضامن متظاهرون في مدينة أوكلاند النيوزيلندية، مع فلسطين ونددوا بالعدوان الإسرائيلي عبر فعالية حملت عنوان "يوم النكبة". ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية مُرددين الهتافات الرافضة للقصف الإسرائيلي على غزة، والعدوان على الشعب الفلسطيني.
وكان من اللافت أيضا خروج المئات من اليهود الأرثوذكس، الخميس، في مسيرة احتجاجية في مدينة نيويورك الأمريكية، تنديدا بالاحتلال الإسرائيلي، والعدوان على الفلسطينيين.
اقرأ أيضا: كيف كسب الفلسطينيون معركة الرأي العام العالمي؟
وجابت مسيرتهم عدة شوارع بمدينة نيويورك، تنديدا بـ"الجرائم الإسرائيلية"، ودعما للفلسطينيين، وحمل المحتجون لافتات كتبوا عليها عبارات توضح الفرق بين الصهيونية واليهودية من قبيل "معاداة الصهيونية، ليست معاداة لليهودية"، وذلك فضلا عن هتافات من قبيل "إسرائيل لا تمثل اليهود".
وفي حديث له خلال المسيرة قال الحاخام، هرشيل كلار، أحد قادة يهود الأرثوذكس بالولايات المتحدة، "ثمة اعتقاد سائد بأن كل اليهود يدعمون الدولة الإسرائيلية، ولكن في حقيقة الأمر ليس الوضع كذلك، فنحن على سبيل المثال ضد إسرائيل ونندد بحروبها".
دعم الحقوق المدنية الفلسطينية
وأثار هذا الزخم في التفاعل الشعبي الغربي مع العدوان الأخير، والذي اعتبره البعض أكبر تفاعل يتم في العواصم الغربية تساؤلات عما إذا كان الرأي العام الغربي أصبح يتعاطف أكثر مع الفلسطيني، وأيضا أصبح يميل ولو قليلا للرواية الفلسطينية.
يرى البروفيسور بيل شنايدر أستاذ السياسة العامة والشؤون العامة والدولية في جامعة جورج ميسن الأمريكية، بأن "الاعتقاد بحدوث تغيير في موقف الرأي العام الغربي من القضية الفلسطينية هو صحيح بعض الشيء".
وأوضح شنايدر في حديث لـ"عربي21"، بأنه "يمكنه الحديث هنا فقط عن الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في هذه المرحلة"، مضيفا: "لكن ما رأيته من أحداث مؤخرا في أمريكا وأوروبا يدل على أن الدعم للقضية الفلسطينية هناك يزداد".
وأشار إلى أنه "على الرغم من أن التعاطف مع الفلسطينيين لا يزال أقل في الولايات المتحدة من التعاطف مع إسرائيل، إلا أن الدعم للفلسطينيين تزايد في العامين الماضيين إلى حد كبير وخاصة لدى فئة الشباب فهم أكثر دعما للفلسطينيين من كبار السن".
وأرجع زيادة هذا التعاطف لدى فئة الشباب، خاصة الديمقراطيين والليبراليين والمجموعات المماثلة لها فكريا في الدول الأخرى وفق قوله، لأنهم "أصبحوا يرون الحركة الفلسطينية اليوم كحركة حقوق مدنية أكثر مما اعتادوا أن ينظروا إليها سابقا كحركة تحرر وطني، خاصة أن فكرة محاولة تأسيس دولة فلسطينية كانت تراود الحركات الفلسطينية مثل منظمة التحرير والتي ما زالت تفكر بنفس الطريقة".
وأضاف: "وعلى الرغم من أن الصورة التقليدية المرسومة للحركات الفلسطينية بأنها حركات تحرر وطني، إلا أنه أصبح يُنظر إليها الآن على أنها حركة أقلية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تقاتل من أجل حقوق متساوية".
ولفت إلى أن "الديمقراطيين الأمريكيين والليبراليين يتمتعون بخبرة طويلة مع حركات الحقوق المدنية مثل حركات السود والآسيويين وغيرها، وبالتالي التعاطف مع المطالبين بحقوق متساوية أمر يستجيب له الديمقراطيون والليبراليون الأمريكيون غريزيا، ولهذا ينظر الأمريكيون بشكل متزايد إلى احتجاجات الحركة السياسية الفلسطينية على أنها حركة حقوق مدنية".
وحول إذا ما كان هناك دور لوسائل التواصل الاجتماعي في تغيير موقف الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية، أشار شنايدر "لرغبته بالقول نعم، لكنني (لا أستطيع إثبات ذلك) ولكن يمكنني أن أقول نعم لأن الصحافة تميل إلى تصوير القضية الفلسطينية على أنها قضية حقوق مدنية".
واستدرك بالقول: "لكن الأمر الذي ساهم في تغيير النظرة تجاه الصراع وزيادة التعاطف مع الفلسطينين، حقيقة أن إسرائيل تتجه نحو حل الدولة الواحدة والذي هو ليس حلا حقيقيا، وأعتقد أن فكرة تأييد حل الدولتين آخذة في الانخفاض في إسرائيل ومن يدعمها من الأمريكيين، فهم لم يعودوا يريدون حل الدولتين".
وأكد أن "الفلسطينيين في حل الدولة الواحدة سيكونون أقلية، وعندها سيرى الأمريكيون أنهم ضحايا للتمييز والاضطهاد كمجموعة أقلية في إسرائيل، ولا أعتقد أن إسرائيل ستغير رأيها في هذه المسألة بأي طريقة دراماتيكية فهي تحظى بدعم قوي، وطريقة عملها لا تعتمد في الواقع على الرأي العام الأمريكي بل هي مرتبطة بالكونغرس حيث تحافظ لجنة إيباك على الحصول على دعم الحزبين لإسرائيل في الكونغرس".
اقرأ أيضا: "نيويورك تايمز" تنشر صور شهداء غزة وتعلق: "كانوا مجرد أطفال"
انخفاض الدعم اليهودي نسبيا
ولفت البروفيسور شنايدر إلى أن "أحد أكبر التغييرات في المشاعر الأمريكية تجاه إسرائيل كان انقطاع التضامن والدعم لها بين اليهود الأمريكيين، وفي الحقيقة أقوى دعم لإسرائيل في الولايات المتحدة ليس يهوديًا، بل من المسيحيين المحافظين، فهم مرتبطون بشدة بها وأكثر دعما لها من المجتمع اليهودي الأمريكي بأكمله".
وأضاف: "معظم اليهود متعاطفون مع إسرائيل واستمروا في تقديم الكثير من الدعم المالي والسياسي لها، لكن التعاطف معها أكثر اتساقًا بين المتدينين البيض "المحافظين المسيحيين"، وقد زاد دعمهم بشكل كبير على مدار العشرين عامًا الماضية، خاصة منذ فترة رئاسة رونالد ريغان".
وختم حديثه بالقول: "نعم لا يزال الدعم اليهودي قويًا، لكن المجتمع اليهودي على الرغم من تعاطفه مع إسرائيل إلا أنه منقسم أكثر قليلاً مما كان عليه في الماضي".
من جهته أكد الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ناصر زهير، على "أن هناك تغييرا في موقف الرأي العام الغربي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث أصبح هناك وعي أكبر نتج عن وضوح الصورة حول الممارسات التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والتي تنتهك فيها القانون الدولي خاصة فيما يتعلق بالفصل العنصري وترحيل السكان الأصليين في حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء وأيضا الاستيطان، حيث أصبحت كل هذه الممارسات نوعا ما واضحة للرأي العام الغربي، وبالتالي أصبح هناك تأييد أكبر للموقف الفلسطيني".
وتابع زهير في حديث لـ"عربي21": "هذا التغيير في الموقف تكمن أسبابه في أن الصورة التي ينقلها الإعلام لما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بدأت تتضح أكثر، أيضا ساهم في ذلك تنامي اللوبي الذي يؤيد القضية الفلسطينية وانخراطه في الأحزاب السياسية وفي وسائل الإعلام الغربية بشكل أكبر، بحيث أصبح إطار التواصل مع الرأي العام الغربي والمجتمع المدني أكبر".
وأوضح، "لمسنا هذا الشيء في فرنسا على سبيل المثال عندما حظرت الحكومة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، حيث كان هناك اعتراضات من جمعيات ومنظمات فرنسية وقفت مع الممثلين للجاليات العربية والفلسطينية".
دور اليسار الأوروبي
بدوره أكد أستاذ الإدارة والسياسة العامة صلاح الحنيني على أن "التعاطف الغربي تنامى نتيجة عدالة القضية الفلسطينية وفشل القرارات الدولية 194 و242 المؤيدة لحق العودة وتحقيق العدالة للفلسطينيين، وتعاظم زخم هذا التعاطف مع القضية الفلسطينية عبر أحزاب اليسار المتعاطفة معها".
وأوضح الحنيني في حديث لـ"عربي21"، بأن "فكرة قبول بايدن لحل دولة فلسطينية على حدود 67 وأيضا نقل الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي المشهد بتجرد وعرض واقعي، ساهم كذلك بزيادة تعاطف الرأي العام الغربي مع الشعب الفلسطيني".
وأشار إلى أن "صور الدمار والقتل التي نقلتها وسائل الإعلام ساهمت في التأثير على الرأي العام الغربي، إضافة لدعم شخصيات سياسية وازنة مثل زعيم حزب العمل البريطاني جيرمي كوربين وغيره من الساسة للقضية الفلسطينية، كذلك ساعد بعض النواب من أصول عربية مثل إلهان عمر ورشيدة طليب".
ولفت إلى أن "القدس تحمل رمزية دينية أيضا لغير المسلمين لوجود كنيسة القيامة فيها، والتمييز العنصري الإسرائيلي ليس موجها فقط ضد الفلسطينيين المسلمين بل ضد المسيحيين أيضا، وهذا الأمر حرك مشاعر الرأي العام الغربي".
كيف كسب الفلسطينيون معركة الرأي العام العالمي؟
ما حكاية "رجال الضيف" في هتافات المقدسيين؟
ساندرز: ينبغي أن تتوقف واشنطن عن الدفاع عن حكومة نتنياهو