مع كامل الاحترام والتقدير للموتى ولجميع شعب مصر، ولكن العنوان يشمل صفة أطلقها أحد المذيعين المصريين على فنان راحل ووصفه بأنه كان "أضحوكة مصر"، لدوره البارز على مدى عدة عقود في إضحاك المشاهدين، بعدها ارتجت وسائل التواصل الاجتماعي، وهاجت أوساط الإعلام ضد المذيع الذي كان ينعى أحد أشهر نجوم الكوميديا في مصر بعد وفاته عن عمر يناهز 84 عاما إثر تعرضه لمرض الفطر الأسود، والذي صاحب إصابته بعدوى فيروس كورونا خلال أدائه لمشهد تمثيلي في أحد الأعمال الدرامية قبل شهر رمضان الماضي. وبلغ الأمر ذروته بقيام الإعلام باستدعاء الخبير اللغوي!! والذي أشار إلى أن كلمة "أضحوكة" في سياقها يقصد بها أكثر من يضحك مصر.
الفطر الأسود هو من الفطريات المخاطية بسبب نوع من العفن يسمى Mucormycetes الموجود في بيئتنا المحيطة طوال الوقت، ويوجد في البيئة الرطبة الملوثة، وينتقل عن طريق "الأبواغ"، والتي تنمو بدورها وتنتهز فرصة وجود إنسان يعاني من خلل في مستوى المناعة، ورغم أنه يمكن أن ينتشر عن طريق الهواء فإنه لن يسبب أي مشكلة إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة. وقد صاحب مرض الفطر الأسود النادر فيروس كورونا، بل وتحول إلى وباء آخر في بعض الأقاليم داخل دولة الهند مثلا، ما عمق من جراح ضحايا الجائحة.
لعلاج فيروس كورونا، غالبًا ما يتم إعطاء المرضى مشتقات عقار الكورتيزون والتي تقلل الالتهاب في المسالك التنفسية، بينما تؤثر أيضًا على القدرة المناعية للشخص لمواجهة العدوى؛ أولئك الذين يعانون من أمراض موجودة مسبقًا مثل مرض السكري مع ضعف وظائف الكلى أو السرطان، أو مستويات خلايا الدم البيضاء المستنفدة، ليصبح هؤلاء المرضى أكثر عرضة للإصابة بعدوى تلك الفطريات.
يصيب داء الفطر الأسود الغشاء المخاطي والجيوب الأنفية والرئتين لدى المريض ويتجلى بأعراض مثل التورم في جانب واحد من الوجه، والصداع الشديد، واحتقان الأنف، والبقع السوداء على الأنف أو الجانب العلوي من الفم، وألم في الصدر، وضيق في التنفس، ويؤثر على الرؤية جدا، وقد يسبب صعوبة في المضغ أو فتح الفم.
تبرز الكارثة في وجود إصابة بالفطر الأسود داخل مستشفى للعزل سواء كانت حكومية أو خاصة أو حتى عسكرية بما يعنى وجود قصور خطير في إجراءات التحكم في العدوى بما يضر بأمن وسلامة مصابي كورونا.
ومن المعروف في مصر أن وسائل الإعلام تهتم كثيرا بأخبار ما يطلقون عليهم "نجوم الفن"، ولهذا السبب فلم يكن غريبا أن يخرج مستشار الصحة الوقائية برئاسة الجمهورية، وهو وزير سابق للصحة، على الفضائيات يوم 18 مايو/ أيار الجاري لكي يطمئن المصريين على الحالة الصحية لهذا الممثل دون ذكر تفاصيل المرض، ولكن الغريب كان في خروج رئيس القطاع الوقائي بوزارة الصحة بعدها بيومين على الفضائيات ورفضه التعليق على أسباب وفاة الممثل رحمه الله باعتبارها من خصوصيات الموتى! لتحدث المفاجأة التي قلبت الأوضاع رأسا على عقب حين أعلن شقيق المتوفي بأن سبب الوفاة كان هو مرض الفطر الأسود!.. مما أحدث حالة من الذعر بين المصريين لارتباط الفطر الأسود في الإعلام بالتحور الهندي لفيروس كورونا.
وانتقلت الأخبار فجأة من مجرد موت ممثل مشهور؛ ليصبح السؤال عن مدى انتشار التحور الهندي في مصر وعن مدى خطورة انتشار الفطر الأسود بين مرضى كوفيد_19 في مصر، خاصة بعد اعلان نائب رئيس اللجنة العلمية لكورونا عن رصد ثلاث إصابات بالفطر الأسود في ثلاث محافظات مختلفة .
تلك الواقعة تكشف بوضوح عن مدى التخبط أو العشوائية في الآداء الحكومي المصري لمواجهة وباء كورونا؛ أولا لأن مبدأ التكتم وإخفاء الحقائق يعتبر من أهم أسباب انتشار الإشاعات والخوف لدى المواطنين، كما أنه يتسبب في زيادة اللامبالاة نحو اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وثانيا لأن غياب الحقيقة قد يعنى عدم قدرة وزارة الصحة على رفع الواقع بدقة مما يترتب عليه عشوائية التخطيط واتخاذ القرار.
المفروض أن مرضى كوفيد_19 يتم علاجهم داخل المستشفيات الحكومية أو الخاصة حسب البرتوكولات العلاجية للصحة، وتحت الرقابة المستمرة لمدى وفرة الأدوية والاحتياجات ولدقة وسلامة إجراءات التحكم في العدوى، وكانت وزيرة الصحة قد أوضحت ذلك بعد الاجتماع مع مسؤولي المستشفيات الخاصة بالغرفة التجارية في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2020، وهنا تبرز الكارثة في وجود إصابة بالفطر الأسود داخل مستشفى للعزل سواء كانت حكومية أو خاصة أو حتى عسكرية بما يعنى وجود قصور خطير في إجراءات التحكم في العدوى بما يضر بأمن وسلامة مصابي كورونا .
ذلك الوضع الكارثي له دلالاته ومن أهمها التكتم الرسمي من وزارة الصحة على مدى انتشار التحور الهندي لفيروس كورونا في مصر، وعن عدد الإصابات بمضاعفات الفطر الأسود، بالإضافة إلى عدم الإعلان عن الإجراءات التي تم اتخاذها نحو المستشفى الخاص الكبير بالجيزة والتي حدثت بها الوفاة.
وفى إجراء عاجل وفي محاولة منها للتنصل من التقصي في أداء مسؤوليتها الرقابية والفنية، والذى تسبب في زيادة وفيات كورونا في مصر لتصل إلى 5.8 بالمائة وتصبح من أعلى نسب وفيات كورونا في العالم، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه فقد أصدرت وزارة الصحة تعليمات جديدة يوم 24 أيار (مايو) الجاري، بشأن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الفورية حيال أي تقصير في إجراءات العلاج، أو عدم تنفيذ بروتوكولات العلاج من مقدمي الخدمات الطبية بالقطاع الخاص، وهذا التخبط يعنى بوضوح أنه لم تكن توجد متابعة ورقابة حقيقية طوال الفترة الماضية .
ومن الواضح أن وفاة الفنان المشهور بسبب إصابته بالفطر الأسود داخل العناية المركزة بإحدى المستشفيات أيا كانت نوعيتها، لأنها جميعها تخضع قانونيا لإشراف وزارة الصحة، كان بمثابة الصدمة التي كشفت عن فشل الحكومة المصرية في الالتزام بآداء واجبها الصحي والمجتمعي والإنساني، باعتبار أن كورونا ضمن الامراض المعدية حسب القرار رقم 145 لسنة 2020، ويشمل تعديل ما ورد بالقانون رقم 137 لسنة 1958، والذي ينص على حق المريض بالوباء المعدي في الحصول على كافة حقوقه الوقائية والعلاجية بالمجان سواء في مؤسسات حكومية أو خاصة، وحقه في الرعاية الطبية تحت اشراف وزارة الصحة .
أسامة شفيع عالم شاب بكته الأرض والسماء
الواقع المصري بين إهدار المال وإعدام الإنسان