تجهز السيدة المقدسية أم محمد ملابس أطفالها كأي أم في عيد الفطر السعيد، ولكنه مختلف قليلا لديها كونها لا تتمكن من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك لأداء صلاة العيد داخله مثل بقية المقدسيين، وبناء على ذلك فهي تضطر إلى الوصول مع عائلتها إلى أقرب نقطة للمسجد لتبدأ يوم العيد هناك مع مجموعة من المبعدين.
وتتمنى المرابطة أم محمد وهي المشهورة باسمها هنادي الحلواني؛ أن تقضي شهر رمضان وعيد الفطر داخل باحات الأقصى ومصلياته، ولكنّ قرارات الإبعاد المتلاحقة عنه بحقها حرمتها عدة مرات من التواجد في المسجد خاصة خلال هذه المناسبات.
ولكن الحلواني لم تركن لتلك القرارات التي تعتبرها مجحفة وليس لها أي مبرر مرتبط بالواقع، فقررت أن لا تستسلم لها وخرجت بفكرة الرباط على أبواب المسجد بدلا من الرباط داخله، حتى وصل الأمر بمخابرات الاحتلال أن تبعدها حتى عن أبوابه لمنع تواجدها هناك.
وتقول لـ "عربي٢١" إن فكرة البقاء على أبواب المسجد الأقصى المبارك رغم الإبعاد بدأتها عام ٢٠١٥ حين تم إبعادها عن المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان تحديدا، فلم تتقبل أصلا فكرة أن تمضي الشهر الفضيل وعيد الفطر في منزلها بعيدة عن المسجد الذي تربت في أكنافه.
وتابعت:" قمت بإعداد وطهي "المقلوبة الفلسطينية" الشهيرة وأخذتها معي إلى باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى؛ وجلست أمامه وبدأت طعام الإفطار أنا ومجموعة من المبعدين، وأصبحت هذه الأكلة مشهورة منذ ذلك الحين ونتناولها يوميا طيلة أيام رمضان".
وفي أول أيام عيد الفطر من ذلك العام؛ توجهت الحلواني إلى أبواب المسجد وودعت أبناءها وزوجها الذين دخلوا إليه لأداء صلاة العيد، بينما بقيت هي خارج أسواره يخفق قلبها ألماً لبعدها عن الأقصى.
وفي عام ٢٠١٧ كانت الحلواني السيدة الوحيدة التي أبعدها الاحتلال عن الأقصى، ولم تكن فكرة الرباط على الأبواب معتمدة بعد، فبقيت طوال شهر رمضان ترابط على باب الأسباط، وتكتب يوميا عن تجربتها في الرباط هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم "يوميات مبعدة".
وتوضح أن هذا الأمر زاد من قوة الفكرة وأثرها في قلوب الفلسطينيين الذين تعاطفوا معها وأعجبوا بما تقوم به؛ فازدادت أعداد المبعدين والمبعدات الذين يرابطون على أبواب المسجد تحديدا في الأعياد وشهر رمضان الذي يحاول الاحتلال أن يحرم المبعدين بركته في المسجد.
أما حول أهمية الرباط والفائدة منه فتؤكد الحلواني بأنه يوصل رسائل كثيرة لعدة أطراف وعلى رأسها الاحتلال؛ أن الإبعاد لن يمنع حبهم للمسجد وتعلقهم به، وأن المبعدين لا يركنون لقرار الإبعاد أو يستسلمون ويجلسون في المنازل، وسيبقون يصلون على الأبواب.
وأشارت إلى أن الاحتلال بعد أن أصبحت الفكرة قوية بات يضع مجموعة من عناصر شرطته حول المبعدين كي يضيق عليهم، كما أصبحت فكرة إقامة صلاة العيد خارج الأسوار أمرا يتخوف منه الاحتلال ويحاول منعه.
اقرأ أيضا : أم سمير تتحدث لـ"عربي21" عن منزلها و ظروف الشيخ جرّاح
أما الرسالة الثانية فهي إلى أي شخص يتمكن من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك ولا يذهب إليه؛ أن يتشجع لزيارته والرباط فيه لأنه أعظم مكان في فلسطين، وأن هذا البقاء على أبوابه هو نابع من حرقة المصلين على مسجدهم وحبهم وشوقهم إليه، حسب قولها.
وتقول إن الرسالة الثالثة هي للعالم كي يعطيهم الرباط شعورا بالصمود والإيجابية؛ وتؤكد لهم أن المبعدين يقاومون بكل طريقة ووسيلة ولا يركنون للاحتلال وقراراته العنصرية التي تهدف إلى إبعاد المصلين ورواد المسجد عنه لتحقيق أهداف أبعد تتعلق بتقسيمه وسيطرة الجماعات الاستيطانية عليه.
رباط واعتداء
المبعد عن المسجد نظام أبو رموز من سكان بلدة سلوان؛ والذي تم إصدار قرار إبعاد بحقه لأكثر من ٢٠ مرة عن الأقصى؛ تعرض لضرب مبرح أثناء رباطه مؤخرا أمام باب الأسباط ما أدى لإصابته بكسور في يده وكتفه.
وقال لـ "عربي٢١" إنه منذ خمس سنوات يقضي عيد الفطر السعيد على بوابات الأقصى؛ حيث يتعرض للإبعاد بين الحين والآخر؛ ولا يكاد ينهي قرار إبعاد حتى يبدأ بآخر جديد، مبينا أنه في كل مرة يتم اعتقاله من ساحات المسجد الأقصى المبارك ثم يصدر قرار بإبعاده عنه.
وأضاف: "في كل مرة كنت أدخل المسجد الأقصى المبارك وأرى المستوطنين وهم يقتحمونه؛ لا أستطيع السكوت وأبدأ بالتكبير، وهو عهد اتخذته على نفسي ألا أجعلهم يهدأون خلال اقتحاماتهم، وفي كل مرة يتم اعتقالي وإخراجي من المسجد وأخذي إلى مراكز الشرطة ثم إصدار قرار بإبعادي عنه لعدة أشهر".
وأوضح أن فكرة الرباط على أبواب الأقصى جاءت لإيصال رسالة للاحتلال أن المبعدين لا يستسلمون لهذه القرارات؛ ما جعله يستهدفهم بالضرب والاعتقال في كثير من الأحيان.
وخلال الهبة الأخيرة قام الاحتلال بالاعتداء على مجموعة من المبعدين أثناء تواجدهم قرب باب الأسباط؛ حيث كانوا يساعدون المرابطين بكل ما توفر لهم ويشاركون في نقل المصابين من المسجد حتى تم الاعتداء عليهم وضربهم لقيامهم بهذا الدور.
وأضاف: "توجهت لأداء صلاة الفجر يوم الثامن والعشرين من رمضان مثل كل يوم عند بابي الأسباط وحطة؛ وبدأت المواجهات فقمنا بدورنا بالتكبير ومساعدة المصابين؛ ثم قام الجنود بالاعتداء علينا وضربنا ما أدى لإصابتي بكسور والكثيرون أصيبوا برضوض وكسور وجروح".
وأشار إلى أن المبعدين عادة ما يتواجدون على باب الأسباط في عيد الفطر وأحيانا يتلقون التهاني من عائلاتهم هناك رافضين الذهاب إلى منازلهم كي يثبتوا فكرة التواجد أمام أبوابه رغم الإبعاد، غير متنازلين عن حقهم في مسجدهم ومحيطه.
وأضاف: "كلنا في خندق واحد ومستهدفون من الاحتلال معاً، لذلك وجب علينا الرباط والبقاء حول الأقصى وأبوابه؛ حتى لو منعونا من دخوله فهذا أقل الواجب تجاه أقدس المقدسات لأنه خط أحمر فعلاً، وليس هناك من شيء نفديه بأرواحنا ووقتنا وأولادنا أغلى منه".
أم سمير تتحدث لـ"عربي21" عن منزلها وظروف الشيخ جرّاح
اقتحام الأقصى يشعل مواقع التواصل.. وتضامن واسع
انتقادات لتحيّز الإعلام الغربي بتغطية أحداث القدس