في خطوة تصعيدية ضد شركة
جهينة للصناعات
الغذائية، إحدى أكبر شركات إنتاج مشتقات الألبان والعصائر في
مصر، قامت السلطات
المصرية بسحب تراخيص عشرات سيارات النقل والتوزيع وعرقلة وصول منتجاتها للسوق.
وفي شكوى رسمية وصفت الشركة الإجراءات بأنها
"غير مفهومة وغير مبررة"، ما يهددها بخسائر مالية كبيرة، موضحة أن
"إدارة المرور ومباحث مرور الجيزة يتمركزون بشكل شبه مستمر عند مصانع الشركة وأرصفة تحميل المنتجات بالمصانع
والفروع، وسحب رخص سيارات نقل منتجات الألبان".
وبحسب ما جاء في شكوى الشركة إلى وزارتي
التجارة والصناعة، والتموين والتجارة الداخلية، وغرفة الصناعات الغذائية باتحاد
الصناعات، والمحامي العام لنيابات منطقة السادس من أكتوبر، فإنه تم سحب رخصة 94 سيارة
بيع، و12 سيارة نقل ثقيل، بالإضافة إلى 26 سيارة نقل ثقيل تابعة لمقاولي النقل، ما
دفع بعض مقاولي النقل إلى الامتناع عن التعامل مع الشركة".
وتتخوف الشركة من تكبدها خسائر كبيرة، والإضرار
بمصانعها وفروعها والعاملين بها البالغ عددهم نحو 4500 عامل بشكل مباشر ونحو 25
ألفا من العمالة غير المباشرة، والتي تصل قيمتها في البورصة إلى ما يقرب من 7 مليارات
جنيه مصري (450 مليون دولار).
تأتي هذه الإجراءات التعسفية بحق الشركة بعد
شهور من إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها رجل الأعمال
صفوان ثابت في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وحبسه واتهامه بـتمويل الإرهاب، ومشاركة
جماعة، أُسست على خلاف القانون، ولاحقا تم ضم نجله الأكبر سيف الرئيس التنفيذي
للشركة إلى القضية ذاتها.
مشروع السيسي للألبان
وتعد شركة جهينة للمواد الغذائية، التي تأسست
عام 1983، أكبر شركة مصرية في إنتاج الحليب والزبادي والعصائر، وتصدر إنتاجها إلى
أسواق كثيرة في الشرق الأوسط وأمريكا والدول الأوروبية، وحصلت على شهادات جودة
محلية وعالمية.
وربط مراقبون بين ما وصفوه بخطة ممنهجة من أجل
تدمير أو ابتزاز وتفتيت الشركة وبين مساعي رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي،
العام الماضي، لإنشاء منظومة متكاملة لمراكز تجميع الألبان على مستوى البلاد.
حيث عقد السيسي أكثر من اجتماع بحضور مدير عام
جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة للتباحث حول تطورات ما أسماه المشروع
القومي لمراكز تجميع الألبان والذي تقوم وزارة الإنتاج الحربي بتوريد الأجهزة
والمعدات إليه بحسب اتفاق مبرم مع وزارة الزراعة المصرية.
تدمير ممنهج
وهو ما أكد عليه الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر
الله، قائلا: "من الواضح أن هناك
مخططا تنفذه الدولة لامتلاك حصة احتكارية في سوق إنتاج وتوزيع الألبان والأجبان
على مستوى الجمهورية يتطلب إزاحة شركة جهينة المنافس الأكبر والأقوى في السوق
المصرية".
وأوضح لـ"عربي21": "هناك توجه
عام من الدولة لإقامة مجمعات احتكارية لإنتاج الألبان بكميات ضخمة"، مشيرا
إلى أن "الضرر لن يتوقف عند جهينة إنما سيطال المنتجين الآخرين بما فيهم
المنتجون الصغار".
ووصف الأزمة بأنها "تتخطى الوضع المحلي
الداخلي إلى الوضع الخارجي الدولي، وهي رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب عموما
والمستثمرين المحليين خصوصا، والقفز على القوانين واستغلال السلطة في إلغاء تراخيص
سيارات النقل بهدف كسر أذرع الشركة الناقلة لمنتجاتها وبالتالي تكدس البضائع
وفسادها، والتعامل مع الشركات من خلال جهات سيادية لن يجلب لمصر أي استثمار".
وحذر ذكر الله من أن "جهينة لن تكون
الأخيرة، ولن تتوقف إجراءات النظام عند هذا الحد، وسوف تمتد إلى إجراءات أكثر قسوة
طالما لم يخضع الرجل (صفوان ثابت) لابتزاز مطالب السلطة منه، إضافة إلى تضرر آلاف
العمال والمستثمرين الصغار في البورصة من هذا المخطط الذي يهدف للقضاء على
الشركة".
أول معول في بناء جهينة
وتعود قصة استهداف الشركة عندما قررت لجنة حصر
وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين التحفظ على أموال صفوان ثابت الشخصية السائلة
والمنقولة والعقارية في آب/ أغسطس 2015 بزعم أنه "عنصر إخواني وأحد كوادر
التنظيم"، وأحد داعمي المظاهرات المناوئة للانقلاب، واعتصام أنصار الرئيس
الأسبق، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
تلا ذلك قيام اللجنة بالتحفظ على 7.2% من أسهم
الشركة التي يمتلكها ثابت بطريقة غير مباشرة، من خلال مساهمته بنحو 14.2% في صندوق
فعون الذي يمتلك نحو 51.02% في جهينة.
واستمرارا لمسلسل التضييق والملاحقة، أدرجته
السلطات المصرية على قائمة الإرهابيين إلى جانب قيادات الجماعة في كانون الثاني/
يناير 2017 لمدة ثلاث سنوات بحكم قضائي من محكمة الجنايات بزعم تمويل الجماعات
الإرهابية واحتكار الشركات والمؤسسات للبضائع بهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.
هيمنة مؤسسات الجيش
بدوره، قال البرلماني والسياسي المصري، محمد
عماد صابر، إنه "لم يعد في مصر شيء اسمه مجال أو مناخ الأعمال أو المنافسة
الشريفة أوالمناقصات أو المزايدات، أصبح هناك شيء واحد يدير كل شيء في مصر اسمه
المؤسسة العسكرية بكل تشكيلاتها من
الجيش والمخابرات والشرطة".
وأضاف لـ"عربي21": "لقد أصبح
العسكر وكلاء في كل شيء، وبدلا من التفرغ لصيانة الوطن والدفاع عنه، أصبحوا جميعا
رجال أعمال، كل حسب رتبته، كما أن كل مؤسسات الدولة لا تستطيع أن تشتري بدءا من
القلم الرصاص وكل أنواع القرطاسية وحتى أكبر شيء إلا من خلال الجيش والمؤسسة
العسكرية، اللذين يلعبان دور الوسيط، حيث يضاعفان أثمان الأشياء عشر مرات أحيانا
عن أسعارها الموجودة بالسوق، ويبيعانها لمؤسسات الدولة".
مشيرا إلى أنه "تم تأميم كل المؤسسات
ومختلف القطاعات لصالح العسكر، في إطار خطط ممنهجة لعسكرة الدولة، والسيطرة على كل
أركان منظومة الحكم، والتعامل معها من منطلق أنها أدوات للحكم العسكري، وأذرع لفرض
السيطرة والهيمنة والاستبداد والتسلط، ونشر الخوف والرعب في نفوس المواطنين".