غادر وزير الدولة للإعلام في مصر أسامة هيكل منصبه ظهر الأحد، بعد معركة دارت
رحاها على مدار 6 أشهر مع صحفيين وإعلاميين محسوبين على أجهزة سيادية مصرية عبر الفضائيات
والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر لـ"عربي21"، نقلا عن مصادر مقربة
من الوزير هيكل، أنه تمت إقالته وأن القرار تم منذ فترة؛ أعلنت رئاسة مجلس الوزراء،
عن تقدم هيكل باستقالته لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
البيان الحكومي خلا من الإعلان عن إقالة هيكل أو استقالته من منصبه بمدينة
الإنتاج الإعلامي، التي يشغل رئاستها منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
لكن، في خطوة تشير إلى احتمالات ترك منصب وزير الإعلام شاغرا؛ حذفت وزارة
الإعلام صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، كخطوة أولى بعد
استقالة الوزير.
وبهذا، يغادر الصحفي أسامة هيكل وزارة الإعلام للمرة الثانية في تاريخه، بعد
أن شغله مدة 5 أشهر من 9 تموز/ يوليو 2011، وحتى 6 كانون الأول/ ديسمبر 2011، حيث كان
أول وزير إعلام إثر ثورة يناير 2011.
ورغم نص دستور 2014، على إنشاء المجلس الأعلى للإعلام والهيئات الوطنية للصحافة
والإعلام بدلا من وزارة الإعلام، إلا أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2019، أعاد رئيس
الانقلاب عبدالفتاح السيسي، حقيبة الإعلام بتعيين هيكل، بعد غياب المنصب الوزاري 5
سنوات.
وفي آب/ أغسطس 2020، نشبت معركة بين الوزير وإعلاميين وصحفيين محسوبين على
أجهزة سيادية، بسبب تقرير أعلنه هيكل، حول تدني نسب قراءة الصحف بمصر، ما دفع الإعلاميين
أحمد موسى، ومحمد الباز، ووائل الإبراشي، وخالد صلاح، وخالد أبوبكر وغيرهم، لشن حملة
ضده والمطالبة بإقالته.
البداية كانت بنشر هيكل، تقريرا بصفحة وزارة الإعلام، يقول؛ إن "الأعمار
أقل من 35 سنة، (حوالي 60 أو 65 بالمئة)، لا يقرؤون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون"،
ما اعتبره القائمون على ملف الإعلام بالأجهزة السيادية اتهاما لهم بالفشل.
وفي معركة أخرى، دعم هيكل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة أيمن منصور
ندا، في معركته عبر صفحته بـ"فيسبوك"، الشهر الماضي، التي شن فيها هجوما
واسعا على إعلاميين ووسائل إعلام محسوبة على النظام، بل وطالت المقدم أحمد شعبان مسؤول
ملف الإعلام بالمخابرات العامة، ما أدى لإحالة ندا للتحقيق لاحقا.
وعلى إثر تلك القضية؛ تعرض هيكل، لهجوم من نواب البرلمان مطالبين بسحب الثقة
منه، واتهمه أمين لجنة الإعلام والثقافة، بمجلس النواب تامر عبدالقادر، بارتكاب مخالفات
مالية وإدارية بمدينة الإنتاج الإعلامي، وقال؛ إنه تحدى إعلام الدولة باستضافة ندا،
الذي أهان إعلام الدولة، وفق موقع "القاهرة 24".
ووجهت صحف مصرية اتهامات لهيكل، بالفساد المالي، معتمدة على تقرير الحساب
الختامي للموازنة العامة للسنة المالية 2019/ 2020، وشراء الوزارة أصولا بنحو 8.5 مليون جنيه، منها 5 ملايين جنيه لشراء 4 سيارات خصصت للوزير.
كما وجه مجلس النواب 3 استجوابات للوزير حول اتهامات بالفساد المالي والإداري،
إلا أن هيكل، لم يحضر للمجلس للرد عليها، ما دعا نوابا للمطالبة بإقالته وغلق وزارة
الإعلام.
ورغم أن تلفزيون الدولة المصرية يخضع مباشرة لوزير الإعلام؛ إلا أنه نشر
مقطع فيديو مسربا لهيكل ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي إثر ثورة يناير، يظهر فيه
توجيه الأخير لهيكل.
طوال تلك الفترة، حاول هيكل الاجتماع بالإعلاميين والصحفيين دون الوصول لحل،
بل بدا عاجزا عن الوصول للصحف والفضائيات المصرية، ولم يجد سوى صفحته بـ"فيسبوك"،
التي وجه فيها اتهاما للإعلاميين بأنهم مجرد أقلام بأيدي غيرهم.
وكتب في تشرين الأول/ أكتوبر 2020: "إن أخطر أنواع الفساد هو أن يترك
الكاتب قلمه لغيره، ويكتفي هو بالتوقيع، والحقيقة أنني لا أريد أن أرد على هؤلاء لأنهم
مجرد أدوات"، في إشارة إلى دور المقدم أحمد شعبان، الشخصية المخابراتية المثيرة
للجدل في تحريكهم ضده.
آخر الضغوط الإعلامية ضد الوزير، كانت في 4 نيسان/ أبريل 2021، حينما عقد
رؤساء تحرير الصحف اجتماعا في مجلة "روز اليوسف"، مطالبين بإقالة الوزير
وقرروا عدم نشر أخبار الوزارة.
"أُقيل ولم يستقل"
الخبير الإعلامي محمود جعفر، قال لـ"عربي21": "يقينا هو لم
يستقل؛ ولكن طُلب منه الاستقالة؛ لأنه أصبح عبئا على النظام"، منتقدا هيكل، ومعتبرا
أن "مشكلته في عشقه للمنصب، رغم أنه محدود أو معدوم الكفاءة".
جعفر، أشار إلى نقطة أخرى اعتبرها محاولة من النظام لتفويت "الفرصة على
ما يسمى بالبرلمان لمساءلة هيكل، حتى لا تكون سابقة تقبل التكرار مع وزراء آخرين، وهذا
أمر لا يقبله النظام".
ويرى أن النظام صبر على هيكل نحو 6 أشهر؛ "لأنه رجلهم لسنوات طويلة"،
مشيرا لبقائه حتى الآن بمنصبه الآخر كرئيس لمدينة الإنتاج الإعلامي.
"تخلى عنه صاحب القرار"
الكاتبة الصحفية المعارضة مي عزام قالت: "ما نعرفه أن هناك خلافا بين
وزير الإعلام وأشخاص بالسلطة لهم تأثير على الإعلام، وهيكل تحدث عن ذلك عبر "فيسبوك"،
وتم الهجوم والتطاول عليه بقسوة من قبل بعض الإعلاميين المعروفين".
وفي حديثها لـ"عربي21"، أشارت إلى حالة "الضغط على هيكل، باستجوابات
البرلمان له، وعدم حضوره أمام نواب الشعب جعل بعض النواب يهاجمونه علانية"، مضيفة:
"الجميع يعرف أن البرلمان تابع للسلطة التنفيذية، لا يراقبها، ولكن يستجيب لطلباتها".
وأوضحت أنه "لا بد أن نستنتج أن صاحب القرار تخلى عن هيكل"، مشيرة
إلى أن "تأخير قرار إقالته أو خبر استقالته لتصور صاحب القرار أن هذا أفضل أو
ربما يكون هناك أمور عالقة، كان لا بد الانتهاء منها".
وقالت الصحفية المصرية: "لا تبحث عن منطق الأمور في مصر فسيرهقك الأمر"،
لافتة إلى ما يثار في كواليس بعض الأوساط الصحفية والإعلامية المقربة من هيكل، بأن
"الوزير قدم استقالته منذ فترة؛ ولكن دائما الإعلان عن ذلك يكون بمعرفة صاحب القرار".
اقرأ أيضا: وزير الإعلام المصري يقدم استقالته بسبب "ظروف خاصة"
"صراع مراكز القوى"
وفي تقديره قال رئيس المرصد العربي للإعلام قطب العربي؛ إن "أزمة هيكل التي انتهت باستقالته، جزء من صراع مراكز القوى داخل النظام، حيث كان هيكل جزءا من المركز
الأضعف".
وأوضح بحديثه لـ"عربي21"، أن "الوزير دخل معركة مع إعلاميين
ينافسونه على (حجر النظام)، وكشف فشلهم بالوصول للمشاهدين والقراء، وأثبت أن الصحف والقنوات
لا يقبل عليها أحد، وينصرف الجمهور لوسائل إعلام تبث من خارج مصر، بينها قنوات المعارضة
بتركيا".
ولفت إلى أنه لذلك "كان الرد عليه عنيفا من أولئك الإعلاميين الذين يمثلون
أدوات لمراكز أخرى داخل النظام، واتهموه بالفشل والتربح على غير مقتضى قانوني".
ويعتقد العربي أن "المعركة استمرت بين الطرفين طيلة الشهور الستة الماضية؛
لكن يبدو أن جهة عليا وغالبا هي السيسي، تدخلت لحسم الصراع بإقالة هيكل".
ويرى أنه "وإن ظهر الشكل العام أنها استقالة من طرف الوزير؛ لكننا في
نظام لا يقبل ولا يسمح لأحد بالاستقالة من تلقاء نفسه".
الكاتب الصحفي رئيس تحرير الأهرام الأسبق عبدالناصر سلامة، قال: "المافيا
تنتصر"، مستخدما جملة من أحد أفلام المخابرات المصرية: "هي دي مصر يا عبلة".
الكاتب الصحفي جمال سلطان، أكد أن "الوزير أسامة هيكل لم يقدم استقالته،
كل ما هنالك أن من أمروه بالحضور أمروه بالانصراف".
الخبير الإعلامي هشام قاسم، خلص للقول بأن "الشيء المؤكد هو أن الإعلام
المصري خرب تماما، ما بين شوية ناس خبرتهم في المجال صفر، سيطرت على الملف تماما، ومعاهم
شوية حرامية أثروا ثراء فاحشا من هذا الخراب".
مخاوف من تحكم نظام السيسي بأموال الوقف الخيري
مدرسة بحر البقر.. مجزرة إسرائيلية لم تُمح من ذاكرة المصريين
ماذا وراء ظهور أقوى مقاتلات الجيش المصري في السودان؟