خلال أسبوع واحد،
اتخذت
مصر عدة خطوات عسكرية للتقارب مع ظهيرها الأفريقي، ومحورها الجنوبي الممتد
إلى منابع نهر النيل؛ في صورة بدت وكأنها تطوق من الشمال والجنوب إثيوبيا التي تمر
علاقاتها مع القاهرة بأزمة كبيرة ومتصاعدة بسبب ملف مياه النيل.
الجيش المصري وقع، السبت، بروتوكول تعاون عسكري مع بوروندي، إحدى دول منابع نهر النيل، خلال لقاء
رئيس الأركان المصري محمد فريد، ورئيس قوات الدفاع الوطني البوروندي بريم
نيونجابو، بالقاهرة.
والخميس، أعلن الجيش
الأوغندي توقيع اتفاقية أمنية مع مصر لتبادل المعلومات العسكرية بين البلدين.
والأحد الماضي، اختتمت
قوات مصرية وسودانية مناورة "نسور النيل 2"، بقاعدة مروى شمال
السودان،
بالتزامن مع زيارة كبار القادة العسكريين المصريين للخرطوم، وتوقيع اتفاقيات
عسكرية مع القاهرة، في آذار/ مارس الماضي.
وفي السياق، تحدثت
تقارير صحفية العام الماضي، عن وجود قاعدة عسكرية مصرية بدولة جنوب السودان،
الجارة الغربية لإثيوبيا، فيما تقع كل من أوغندا وبوروندي إلى الجنوب من إثيوبيا.
التحرك المصري، يأتي
ظل تأزم الموقف مع إثيوبيا، وتلويح القاهرة والخرطوم بالحرب، نتيجة لفشل المفاوضات
الدائرة على مدار سنوات حول السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق ويهدد حصص
مصر والسودان من مياه النيل.
"دوائر مصالح مصر"
وحول دلالة توقيت عقد
تلك الاتفاقيات الآن، قال الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء جمال مظلوم، إن
"القيادة السياسية المصرية أعطت تحذيرات لإثيوبيا، وأكدت أن كل الخيارات معها
متاحة، وحذرت من الاستهانة بقدرات مصر".
المستشار بأكاديمية
ناصر العسكرية، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "القيادة السياسية
تولي أهمية لأمنها الإقليمي في أفريقيا، وتضع السودان على رأس أولوياتها، ثم دول
حوض النيل، والقرن الأفريقي، ثم باقي دول أفريقيا".
ولفت إلى أن
"دوائر المصالح المصرية في أفريقيا تنبع من تلك المناطق؛ ولذا فالقيادة
السياسية تضع هذه الأهداف للتنفيذ، وكل الأجهزة تعمل في إطارها بداية من الخارجية
وحتى المسؤولين الاقتصاديين وكذلك الجيش".
وأعرب مظلوم عن
اعتقاده أن "الاتفاقيات العسكرية تلك، تأتي في ظل توجيه القيادة السياسية نحو
التعاون مع دول حوض النيل أولا، ثم عمل تقارب مع الدول الأفريقية ثانيا، وتجديد
وتطوير العلاقات معهم ثالثا، في محاولة لجذب تلك الدول إلى صف مواقف مصر في
أزماتها".
وجزم بأن "تلك
التحركات وغيرها لصالح مصر"، مشيرا لتجدد "علاقات القاهرة وجوبا عاصمة
جنوب السودان وكذلك الكونغو، رئيسة الاتحاد الأفريقي، وغيرها من الدول ذات الرأي
والمواقف من دول حوض النيل".
وختم حديثه بالقول:
"نتمنى أن تستوعب إثيوبيا هذه الرسائل، ونتمنى ألا تذهب المنطقة لمكان لا
نريده".
"ربما تمهيد للحرب"
رئيس المكتب السياسي
للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، في رؤيته قال إن "الحرب موضوع شديد
التعقيد، ويزداد تعقيدا مع عدم وجود حدود مشتركة، وقبل الحروب يجب التحضير لعدة
أمور".
أوضح في حديثه
لـ"عربي21"، أن "أولها: التحالفات والمحاور للدعم العسكري
واللوجستي والسياسي، وتماسك الجبهة الداخلية ثانيا، وضبط الإطار القانوني والسياسي
للبناء لمشروعية الحرب، ثالثا".
السياسي المصري، أكد
أن "هناك نقاطا أخرى، ولكن أرى أن هذه النقاط الثلاث الأهم، ولاحظنا ذلك
بالحروب الأخيرة في العراق وغيرها؛ (المحاور- الجبهة الداخلية- البحث عن المشروعية)".
ورأى أن "النظام
المصري مفتقد للنقطتين الأخيرتين؛ وبخصوص النقطة الثانية لم تشهد مصر تفككا
مجتمعيا كما حدث بعد الانقلاب، وحله؛ يستوجب على النظام تقديم تضحيات ربما لا
يمكنه تقديمها".
عادل، لفت إلى أن
"النقطة الثالثة أصبحت صعبة للغاية نتيجة لتوقيع اتفاقية المبادئ في 2015،
التي ساهمت في دعم دولي مالي وسياسي كبير لإثيوبيا يجعل مشروعية الحرب ربما
مستحيلة".
وأوضح أنه "لذلك
يسعى النظام لتحقيق جزء من التمهيد لمعركة محتملة، ربما فقط للتهديد بها دون القدرة
على خوض المعركة بهذه التحالفات".
وأضاف: "ولا ننسى أن الجانب الإثيوبي يدرك ذلك، ويحاول بناء تحالفاته أيضا، ويمتلك مشروعية مبنية على
اتفاق المبادئ ومشروعية الدفاع عن أراضيه، ويعاني بدرجة أقل من التفتت المجتمعي، ونجح في تجييش جزء كبير من شعبه وراء مشروع السد".
ولذلك يرى رئيس المكتب
السياسي للمجلس الثوري، أن "الحرب ممكنة والتحالفات الحالية ربما تكون
للتمهيد للحرب، ولكن مصر في الطرف الأضعف بكل الأحوال، فالأمور لا تقاس فقط بحجم
الآلات العسكرية، وعامل المشروعية المفقود بعد اتفاقية المبادئ أسوأ ما يواجه
مصر".
"للضغط على إثيوبيا"
الأكاديمي بمعهد
البحوث والدراسات الأفريقية، الدكتور جمال ضلع، أكد أن "مشكلة السد الإثيوبي على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، باعتبارها مشكلة مصيرية، وأمنا قوميا، ومشكلة
أمنية ودفاعية تتعلق بوجود وببقاء واستمرار الدولة المصرية والسودانية".
وقال لـ"عربي21":
"ومن ثم تكون أولويات الاستعدادات للتعامل مع تلك المشكلة ذات طابع عسكري
وأمني ودفاعي، وهو يدخل ضمن ممارسة الضغوط على الدولة الإثيوبية، وتنبيهها بأن
الأمور المتعلقة بالتفاهم حول مشكلة السد سوف تأخذ مسارات أخرى مختلفة تماما عن
الأساليب التفاوضية السابقة".
وجزم الأكاديمي المصري
بأنه "من حق الدولة المصرية والسودانية في هذا الشأن إعمال مبدأ الحرب
المشروعة، أو حق الدفاع عن النفس وفقا لقواعد القانون الدولي، في حالة محاولة دولة
إلحاق الضرر والأذى بدولة أخرى، متى توافرت الدلائل والقرائن على ذلك".
"واجب دستوري"
وأكد رئيس حزب الجيل
الديمقراطي والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب السياسية المصرية ناجي الشهابي،
أن الحفاظ على حقوق مصر التاريخية بمياه النيل واجب دستوري على كل مؤسسات الدولة
المصرية، وعلى رأسها القوات المسلحة وفق المادة (44) من الدستور".
وأشار بحديثه مع
"عربي21"، إلى أن الاتفاقات العسكرية والسياسية التي اتخذتها مصر
للتقارب مع ظهيرها الأفريقي، ومحورها الجنوبي الممتد إلى منابع النيل، هي لعزل
إثيوبيا وتطويقها من الشمال والجنوب".
ويرى أن "ذلك
يأتي في ظل إصرار إثيوبيا على الإضرار بمصر وشعبها، ومخالفة الاتفاقيات التاريخية والقانون الدولي الذي ينظم طرق التعامل مع الأنهار الدولية العابرة للحدود، وتصر
على بناء سد يحول نهر النيل من نهر دولي إلى نهر إثيوبي، تتحكم بمياهه منفردة
بالمخالفة للقانون الدولي وتبيعها لمصر".
ويعتقد أن "إفشال
إثيوبيا للمفاوضات الفنية مع دولتي المصب وإعلانها الملء الثاني لبحيرة السد بـ18مليار متر مكعب، يشكل قنبلة مائية أقوى من قنبلة نووية تهدد حياة 150 مليون مصري
وسوداني؛ ما يشكل إعلان حرب إبادة عليهما".
وأضاف الشهابي:
"لذلك من الطبيعي بل من الواجب الدستوري للجيش المصري، أن يستعد للدفاع عن
مصر والسودان بحكم اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ويفهم في هذا السياق توقيع
بروتوكول عسكري مع بوروندي، وأوغندا، ويدخل في إطار استعداد الجيش للدفاع عن مصر
وشعبها".
وأكد أن "عقد
اتفاقيات عسكرية مع السودان وأوغندا وبوروندي؛ عودة قوية لأفريقيا؛ ورسائل شديدة
اللهجة بأنها قادرة على حماية أمنها القومي، وأن جيشها صاحب الترتيب 13 عالميا،
بات قريبا من حدود إثيوبيا التي يحتل جيشها المركز 60 عالميا".