ما تداولته منصات
الثورة السورية أخيراً عن هروب شباب علويين من مناطق العصابة الطائفية إلى
إدلب ينذر بكسر حاجز صمت حقيقي، لكن هذه المرة من قبل الحاضنة العلوية، بعد أن كسره الشعب السوري قبل عشرة أعوام في ثورة لا تزال مستمرة رغم كل التحديات الداخلية والخارجية.
وعكست التصريحات التي أدلى بها طلبة علويون من طرطوس حصراً، معقل وخزان العصابة الطائفية، مدى الاحتقان وانسداد الأفق أمام جيل الشباب العلوي. فأعمار هؤلاء الخريجين لا تتعدى الثلاثة والعشرين عاماً، بمعنى أن هؤلاء لم تكن أعمارهم يوم اندلاع الثورة السورية سوى 13 عاماً، وهو ما يوحي بأن الطبقة الشبابية اليوم لم يعد لها مستقبل في مناطق العصابة، فضلاً عن رغبة في الدفاع عن عصابة تقودهم إلى المجهول تماماً..
علاء موسى حسن الذي ظهر مبتسماً ومرتاحاً تماماً تحدث في الفيديو كيف اتفق مع زملائه على قطع ثلاثة جبال من أجل أن يصلوا إلى إدلب، وقد لخص ذلك بقوله: "بصراحة نحن تعبنا، ولا نريد العودة". وهو مشهد ربما يعكس تماماً ما كنا نقرأه عن هروب الشباب الألماني من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية، ومن كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، فليس ثمة مستقبل في ظل الاحتلال والاستبداد الذي يحصي على الناس أنفاسهم.
أما الطالب علي سماحة وهو خريج هندسة معلوماتية، فيتحدث عن المستقبل المجهول فضلاً عن الحاضر فيقول: "حين تخرجت توجهت إلى دمشق أملاً في عمل أفضل، ولكن وجدت أن الراتب لن يتعدى الأربعين ألف ليرة أي ما يعادل عشرة دولار، فماذا ستفعل معي؟ لا تكفي للطعام والشراب فضلاً عن تكوين عائلتي". ويضيء علاء على فقر جديد تعاني منه المناطق الخاضعة للعصابة الطائفية فيقول: "حين تحصل على بطاقة من أجل أن تأخذ جرة غاز كل ستين يوماً، ولكن في الواقع العملي لا تحصل عليها إلاّ بعد ثمانين يوماً، وبينما كان من حقك أن تأخذ ثلاث ربطات خبز، لكن تكتشف أن المعتمد يصرف لك ربطة واحدة".
المثير للاستغراب هو ما أثاره أحد الهاربين من أنه حتى لو تمكنت من العمل عبر الإنترنت كمترجم أو شيء من هذا وحصلت مقابله على أجر بالدولار، لا تستطيع أن تصرفه في
سوريا، لأن هذا سيعرضك للسجن خمس سنوات.
ويقول أحدهم إن تناول الشاورما في مناطق العصابة أصبحت من الأحلام، فساندويشة الشاورما تكلف عُشر راتب خريج الجامعة، فكيف إن كانت العائلة مكونة من عشرة أشخاص، فهذا يعني أن الراتب الشهري يكفي لعشر ساندويشات شاورما فقط وبجلسة واحدة.
أما مجد محمد ريشة، وهو طالب بكلية السياحة، فيروي عذاباته في صعود الجبل الحاد خلال عملية الهروب، حيث يُظهر للكاميرا آثاراً على وجهه ويديه من الصخور وأغصان الأشجار التي ضربته أثناء عملية التسلق هرباً من مناطق العصابة: "ولكن كان هدفي هو الهروب من هذا الذل، فلم يتبق شجرة ولا شيء في العالم إلاّ ضرب فيّ، والحمد لله أنا بأيدي أمينة".
ويؤكد الهاربون من جحيم طرطوس أن الحرية معدومة هناك، فلا تستطيع أن تسأل فضلاً عن أن تعرف لماذا وصلنا إلى هذه النقطة. ويضيف مجد ساخرا: "يدعون لفتح معبر مع إدلب ليهرب الناس إليهم، أنا برأيي أنتم هنا افتحوا الحدود كي يهرب الشعب إلى هنا".
الرسالة الأخيرة التي وجهها الفارون من الجحيم أنه لا بد للجميع في مناطق العصابة أن يضعوا أيديهم بأيدي بعض من أجل الانتفاض عليها، فقد أصبحنا "مسخرة" بحسب توصيف مجد؛ "حين ارتضينا القبول بهذا النظام وهذا الذل الذي نعيشه، ولا بد أن نعمل شيئا من أجل الخلاص من هذا الوهم". وأضاف آخر: "يكفي، ولا بد من أن نخلص من الموضوع، وما يقال عن مجازر في إدلب وهْم، فنحن نعيش هنا ونشرب مياه صحية، وليست مياه مكلسة كما اعتدنا في مناطق النظام".
أخيراً الثورة التي امتدت لعشر سنين وصمدت رغم الاحتلالات المتعددة تدخل مرحلة جديدة اليوم؛ بدفع الأقليات إلى الانتفاض ضد العصابة التي دعمتها طوال الفترة الماضية. بوادر ذلك تململ معيشي نتيجة إصرار الثورة ثم الضغوط الاقتصادية المتفاقمة، عكسه هروب الشباب هذا إلى إدلب، وهو فضيحة مجلجلة وعلنية، فضلاً عن كونه يفضح كل ادعاءات العصابة وسدنتها المحتلين؛ ليس على مستوى فشلهم في تخويف العالم من مناطق الثورة وخطرها وإرهابها، وإنما يكشف مدى هشاشة ادعاءات الاحتلال وعصابته التي عجزت عن أن تسوقها وسط حاضنتها، وأول الغيث قطرة، ثم ينهمر..