للعام الثاني على التوالي، يحرم فيروس كورونا المصريين من أهم الطقوس الرمضانية التي اعتادوها على مدار قرون مضت، إلا أن الجائحة كانت أكثر رأفة بالمصريين هذا العام عن العام الماضي وتركت لهم بعضا من هذه الطقوس.
وقررت السلطات المصرية هذا العام منع سنة الاعتكاف وصلاة التهجد في المساجد، مع إغلاق جميع برادات المياه بالمساجد، إلا أنها سمحت بأداء الصلوات في المساجد وصلاة التراويح، بشرط تطبيق جميع الإجراءات الاحترازية.
وزارة الأوقاف قررت أيضا عدم إقامة أي دروس أو ندوات أو مقارئ أو أنشطة أو فتح أي مكتبات داخل المساجد، وعدم استخدام مكبرات الصوت الخارجية إلا في الأذان فقط، مما يحرم المصريين من طقوس دينية وعادات قديمة ومتجذرة وهي سماع الدروس في المساجد عصر كل يوم وعمل مقرأة بكل المساجد وتعليم وتحفيظ القرآن وتدارس السنة النبوية والفقه، كما يحرم النساء من الاستماع للصلاة والدعاء عبر مكبرات الصوت.
وفي قرار قد يكون له تبعات اقتصادية؛ قررت لجنة إدارة أزمة فيروس كورونا للعام الثاني على التوالي منع إقامة أي موائد رمضانية.
وموائد الرحمن، لإطعام الفقراء طوال رمضان عادة قديمة بدأها أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية (220 هـ - 270 هـ)، وراجت بالعصر الفاطمي، وحتى قبل عامين.
وهو القرار الذي يحرم ملايين الفقراء من الموائد التي كانت تمثل لهم فرصة لتناول الطعام في ظل الغلاء المتصاعد بالأسواق.
"ما البديل"
وفي رؤيته لمدى تأثر منع موائد الرحمن على رواج الأسواق والتجارة الداخلية ومحلات الجملة والتجزئة، جزم عضو شعبة المواد الغذائية، علي هاشم، في حديثه لـ"عربي21"، بأن "الأسواق المصرية لن تتأثر هذا العام في رمضان".
وأوضح أن "حركة السوق حتى الآن عادية"، متوقعا "ألا يقل توزيع المواد الغذائية التي كانت تستخدم بموائد الرحمن، نظر لأن من كان يقدم الموائد بعد منعها غير توجهه بتقديم مواد عينية للفقراء".
وأشار إلى أن الزيادة في "شنطة وكرتونة المواد الغذائية الرمضانية سوف تغطي غياب الموائد، وأن ما كان يتم توجيهه من أموال لموائد الرحمن يتم صرفه على شنط رمضان"، على حد توقعه.
وأضاف: "شعبة المواد الغذائية رصدت عدم تأثر حركة الأسواق، نحن نعتقد بأن الأمر قد يُحدث رواجا أكثر؛ خاصة مع سهولة توزيع شنط رمضان بدلا من الموائد التي كانت تحتاج إلى جهد كبير".
وقال إن تكلفة الكرتونة الرمضانية في المتوسط ما بين 70 جنيها كحد أدنى (نحو 4 دولارات) و150 جنيها (نحو 10 دولارات)، حسب من يقدمها، وتحتوي على نفس المواد الغذائية وجميع المستلزمات الرمضانية من زيت وسمن وأرز ومعكرونة وسكر، دون اللحوم والدواجن التي كانت تقدم بموائد الرحمن.
اقرأ أيضا : فانوس رمضان في مصر يضيء الأسواق بدلا من البيوت ( صور)
وأكد أن "شنطة رمضان أحدثت رواجا في السلاسل التجارية الكبيرة والمحال الصغيرة، ولكن لا يمكن حساب فرق تكلفة موائد الرحمن عن تكلفة شنطة رمضان، ولكن في نهاية رمضان قد يتم النظر بشكل عام حول التكلفة".
خسائر "اللحوم"
وحول خسارة أسواق اللحوم، قال محمد شرف نائب رئيس شعبة القصابين: "لا شك أن القصابين والجزارين وسوق اللحوم والفراخ سوف تتأثر بشدة مع منع موائد الرحمن للعام الثاني على التوالي، لأنها كانت عنصرا أساسيا بوجبة الإفطار يوميا".
شرف أوضح لـ"عربي21"، أن "أصحاب تلك الموائد كانوا يُحدثون رواجا كبيرا في سوق اللحوم برمضان"، مشيرا إلى أنه يمكن الاستعاضة عن الموائد بأن يضع من يوزعون أكياس رمضان نصف كيلو لحوم أو فراخ مع المواد التموينية، أو يوزعون اللحوم منفصلة على الفقراء، وعندها لن يتأثر سوق اللحوم".
"غانم"، صاحب فراشة (معدات نصب خيم وخدمات كراسي وطاولات) اعتاد المشاركة طوال سنوات في موائد الرحمن، أكد لـ"عربي21"، على "خسارة أصحاب هذا القطاع في جميع أنحاء مصر بالموسم الرمضاني بمنع موائد الرحمن، التي كانوا يعتبرونها موسما سنويا لتقديم الفراشة لأماكن الموائد".
وأشار أيضا إلى أن "قطاعا عريضا من العمالة الموسمية بين طباخين وعمال الخدمة والنظافة خسروا وظيفة لمدة شهر كامل كانت تمثل لهم موسما سنويا لكسب الرزق".
"5 مليارات جنيه"
لكن الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبد العزيز، يعتقد أن "أولوية السلامة الصحية لها اعتبارها في قرار منع موائد الرحمن للعام الثاني على التوالي، تجنبا لعدوى فيروس كورونا، وإن كانت الإجراءات الاحترازية بشكل عام ضعيفة".
ومن الجانب الاقتصادي، أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، بحديثه لـ"عربي21" أن "هناك تأثيرا بلا شك على الأسواق".
وبين أن "التوقف عن إنفاق نحو 5 مليارات جنيه في شهر رمضان (نحو 64 مليون دولار) على موائد الرحمن سنويا يضعف الأسواق المرتبطة بها؛ خصوصا وأن هناك من يدخر طوال العام ليعمل بهذا الموسم".
وجزم بأنه يمكن تلافي خسارة الأسواق "إذا تمت الاستعاضة عن الموائد بزيادة الإنفاق على شنط رمضان، وإعداد وجبات الإفطار وتوصيلها للمنازل وللفقراء والمحتاجين في أيديهم دون الجلوس على المائدة، وهو ما يؤدي للتباعد كإجراء احترازي".
ويرى الأكاديمي المصري أن "الإنفاق على المسارات البديلة لموائد الرحمن لن يصل لحجم الـ5 مليارات جنيه المنفقة بمواسم رمضانية سابقة".
"جباية لا وقاية"
وفي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات المصرية الإجراءات الاحترازية تحسبا لانتشار فيروس كورونا، وخاصة في شهر رمضان، كشفت جولة لمراسل "عربي21"، بأحد الأسواق الأسبوعية بمدينة مصرية شرق الدلتا عن عدم التزام الأهالي بتلك الإجراءات وعدم ارتداء الكمامة.
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، شدد الثلاثاء، على تطبيق الإجراءات الاحترازية بشهر رمضان، والالتزام بارتداء الكمامة بالتجمعات، والمتابعة لوسائل النقل الجماعي، وتحصيل الغرامات على المخالفين بشكل فوري.
وفي المقابل، أكد مصدر شرطي أن ما تفرضه السلطات من إجراءات احترازية هو بدافع جباية الأموال وليست بهدف الوقاية من كورونا.
وتأكد مراسل "عربي21"، من التجار والأهالي أن السلطات البلدية لا تتدخل لفرض قرارات السلطات المصرية في هذا الإطار تفاديا للإصابة بفيروس كورونا المستجد، خاصة مع بدء المرحلة الثالثة منه في العديد من البلدان.
وفي المقابل، شاهد المراسل، دوريات شرطية تقوم بجمع مبالغ مالية في صورة غرامة من المحال التجارية بدعوى عدم ارتداء الكمامات.
وتأكد من قيام قوات الأمن بإلزام المصريين عند دخول مترو الأنفاق والبنوك والمصالح الحكومية بارتداء الكمامة، وتغريم المخالفين مبلغ 50 جنيها تدفع فورا.
صاحب أحد المحال التجارية، بإحدى ضواحي القاهرة قال لـ"عربي21"، كيف أن دورية الشرطة يوميا تجوب الشوارع لتحصيل غرامة بقيمة 50 جنيها، لاستكمال المطلوب منها يوميا، وأنه اعتاد الدفع حتى لا يتعرض لغرامة أكبر بدعوى مخالفة أخرى.
وأوضح أن أحد الضباط الذين يجمعون الغرامات ومعه دورية يومية قال له: "نجمع هذا المبلغ من المحلات التي تقدر على تعويض خسارتها بدلا من جمعها من المارة الذين لا يملك أغلبهم قيمة مبلغ الغرامة لا ثمن الكمامة".
فانوس رمضان في مصر يضيء الأسواق بدلا من البيوت ( صور)
"المركزي المصري": التعامل بالعملات المشفرة محظور قانونا
سفن تتجه إلى رأس الرجاء الصالح.. ومصر تدرس السيناريوهات