صادف يوم أمس السبت حلول الذكرى السادسة لعاصفة الحزم، التي سجلت أول تدخل عسكري عربي واسع النطاق لإنهاء مشكلة تتعلق بالانقلاب على السلطة في بلد عربي، لكن هذه العاصفة كشفت عن مخطط تخريبي دفع ويدفع باليمن إلى الفشل السياسي المستدام.
يبدو حصاد العاصفة مخيباً للآمال ليس فقط بالنسبة لليمنيين، بل أيضاً للسعودية وشعبها الذي بات يتعايش مع هذه الحرب باعتبارها حاضرة في العمق السعودي، بعد أن وضعت إيران كل ثقلها وراء
الحوثيين من أجل إنجاز هدف واحد، وهو هزيمة
السعودية على الساحة
اليمنية وفي عمقها الاسترايتيجي أيضاً.
مبادرة كهذه أظهرت السعودية الطرف الذي يتحكم بقرار الحرب والسلم بشكل كامل فيما بدت السلطة الشرعية طرفاً هامشياً، وهو مؤشر على سوء الأداء السعودي وليس قوته
قبل ثلاثة أيام فقط من حلول الذكرى السادسة لعاصفة الحزم أعلنت السعودية مبادرة لإنهاء الحرب، هي خلاصة جهد استمر عامين للمبعوث الأممي، ومحصلة توافق أممي أمريكي سعودي.
ومبادرة كهذه أظهرت السعودية الطرف الذي يتحكم بقرار الحرب والسلم بشكل كامل فيما بدت السلطة الشرعية طرفاً هامشياً، وهو مؤشر على سوء الأداء السعودي وليس قوته، بالنظر إلى الأداء الإيراني الذي ثبَّتَ الحوثيين لاعباً أساسيا يواجه السعودية وحلفاءها معاً، في ظل دعم محوري مباشر وغير مباشر تقدمه إيران للحوثيين في هذه الحرب.
دلائل عديدة تجمعت لتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التحالف الذي بدأ عربياً وانتهى إمارتياً وسعودياً ثم بات مهمة جوية سعودية؛ تصرّف بسوء نية حيال السلطة الشرعية واليمن، ووجه مسار الحرب باتجاه تفكيك اليمن ودعم الجماعات المناهضة لوحدته ونظامه الجمهوري.
بل إن هذا التحالف تورط في اقتطاع أجزاء حيوية من اليمن لحساب مشاريع انفصالية أو طموحات جيوسياسية، كما هو الحال في سقطرى التي تتحكم فيها جماعة انفصالية خاضعة للإمارات وعدن التي تخضع للسيطرة العسكرية والأمنية للمجلس الانتقالي، وأخيراً الكانتون الذي دشنه العميد طارق صالح الخميس في مدينة المخا الواقعة في الساحل الغربي لمحافظة تعز. ولأهمية هذه الخطوة سأتوقف ببعض التفصيل حولها.
لم يكن إعلان العميد طارق محمد عبد الله صالح المفاجئ عن تشكيل مجلس سياسي لقواته المرابطة في مدينة المخا مفاجئاً، فالأمر يتعلق بالترتيبات الإماراتية الحثيثة لتمييز دورها السياسي والجيوسياسي على الساحة اليمنية، وهو دور يتكامل بشكل أو بآخر مع مخطط إقليمي لتفكيك الدولة اليمنية.
هذا الأمر يراه البعض تثبيتاً لدور العميد طارق صالح كحارس للنفوذ الإماراتي في باب المندب، مع بعض الصلاحيات في التحكم بمناطق سيطرته وترسيخ جدوره كزعيم حرب في منطقة حيوية بكل ما يرتبط بدور كهذا من مهام لا علاقة لها بالدور الأساس، وهو التخلص من الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، واستعادة الدولة اليمنية المنهوبة والمستباحة من قبل إيران والمتدخلين الإقليميين الآخرين.
الأمر يراه البعض تثبيتاً لدور العميد طارق صالح كحارس للنفوذ الإماراتي في باب المندب، مع بعض الصلاحيات في التحكم بمناطق سيطرته وترسيخ جدوره كزعيم حرب في منطقة حيوية بكل ما يرتبط بدور كهذا من مهام لا علاقة لها بالدور الأساس، وهو التخلص من الحوثيين
وكما هو واضح لا يزال العميد طارق صالح، وهو قائد الحرس الخاص للرئيس المخلوع
علي عبد الله صالح والقيادي العسكري النافذ للتشكيلات العسكرية النخبوية في العهد السابق، يميز نفسه كمقاومة مستقلة عن السلطة الشرعية وأجندتها، مما يجعله أقرب إلى المقاومة الجنوبية التي حددت أهدافها باعتبارها رافعة عسكرية للانفصال.
إن نأي العميد طارق صالح بنفسه عن السلطة الشرعية وبقية مكونات المقاومة، يشير إلى أنه بصدد تنفيذ المخطط الإماراتي لتأسيس "كانتون" سياسي بصلاحيات مستقلة وربما مضادة للسلطة الشرعية، إذ عليه أن يثبت بالدليل العملي أنه جزء من هموم محافظة تعز، وهذا سيتأكد من خلال تمكين أبناء المحافظة من استخدام مينائهم الرئيس وتجنب عناء ومشقة الوصول إلى احتياجاتهم؛ عبر عدن التي تسيطر عليها جماعات انفصالية تمارس أقسى صنوف المعاملة السيئة مع اليمنيين، ومليشيا الحوثي الطائفية التي تتصرف على النحو ذاته وتقوم أيضاً بمضاعفة معاناة اليمنيين، عبر الرسوم الجمركية والضرائب سعياً منها لتأسيس نظامها الاقتصادي الخاص.
قد لا أكون ممن يعترضون على تأسيس مكتب سياسي لقوات صالح، لكن الاعتراض يكمن في ظروف الإعلان عن تأسيس هذا المجلس ومنطلقاته، والذي يأتي في سياق خطوة أحادية افتقدت إلى التنسيق مع بقية قوى المقاومة الوطنية، التي تقاتل وتضحي في أكثر الجبهات سخونة من تعز إلى مأرب والجوف، مروراً بأبين وشبوة والبيضاء.
الاعتراض يكمن في ظروف الإعلان عن تأسيس هذا المجلس ومنطلقاته، والذي يأتي في سياق خطوة أحادية افتقدت إلى التنسيق مع بقية قوى المقاومة الوطنية
فخطوة كهذه تتعسف على إرادة أبناء تهامة ومقاومتهم الوطنية التي لا تشعر أنها جزء من القوة السياسية التي تصيغ مستقبل محافظة الحديدة، خصوصاً أن بيان طارق صالح وصف سكان تهامة بأنهم الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهو تعيين مقصود للجغرافيا وهدفه خلط الأوراق، ومحو الحدود الإدارية الثابتة لمحافظة تعز.
فالخطاب الإعلامي الذي ترافق مع خطوة تأسيس مكتب سياسي لقوات صالح، ذهب بعيداً إلى حد أنه فصل مديريتي المخا وذباب عن محافظة تعز والتعاطي مع هاتين المديريتين على أنهما جزء من "تهامة" المستباحة.
فكما يعلم الجميع يوجد في مديرية المخا التابعة لمحافظة تعز أهم ميناء لليمن وللمحافظة في جنوب البحر الأحمر، وهذا وحده يشكل استفزازاً لا يمكن احتماله. ويبدو أن صالح لم يفهم الدرس الذي قدمته محافظة تعز في شباط/ فبراير 2011.
إن الكتلة البشرية لمحافظة تعز لا يجب استفزازها أكثر من ذلك؛ لأن إحدى خياراتها المطروحة هو القيام بمسيرة خضراء يمنية لفك الحصار عن المحافظة.
لذا لا تجب الاستهانة بما يخطط له أبناء تعز، فهؤلاء هم الذين تجمع البعض منهم فقط في ساحة الحرية وقرروا إسقاط نظام صالح الذي بنى عقيدته السياسية والأمنية على أساس تركيع وإذلال أبناء محافظة تعز، بالنظر إلى ما يتميزون به من وعي وتعدد في الاتجاهات السياسية والحزبية يصعب فرض نظام شمولي دكتاتوري؛ كالذي دعمته السعودية طيلة العقود الماضية في صنعاء وأنتج هذه الوضعية المهترئة والمضطربة والمميتة.
فبعد أكثر من ثلاثة عقود من حكم صالح وسلفه قصير العهد، واللذين أوصلتهما الأموال السعودية ونفوذ الرياض إلى السلطة، كشفت الأحداث عن يمن بلا طبقة سياسية ولا قيادة ولا دولة متماسكة، فكان أن قامت
المليشيات الطائفية والانفصالية بمهمة ملء الفراغ؛ تنفيذا لأجندات إقليمية تبدو الرياض وأمنها القومي ضحيتها بامتياز، وإن كانت تعتقد أنها تتحكم بخيوط اللعبة.
twitter.com/yaseentamimi68