كشفت أنقرة، عن بدء اتصالات دبلوماسية مع مصر تمهيدا لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، دون شروط مسبقة من البلدين، فيما قال مصدر تركي إن المحادثات بين الطرفين استغرقت عدة أشهر، في الوقت الذي لعبت فيه المصالحة الخليجية دورا إيجابيا في تطور المحادثات.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والاستخباراتي مستمر، مضيفا أنه "لا توجد مشكلة بشأن ذلك"، مؤكدا أن هناك "مفاوضات استخباراتية وسياسية ودبلوماسية جارية، وعندما تتمخض عنها نتائج إيجابية، فسنرتقي بها لأبعد من ذلك".
بدوره أكد وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، عدم طرح تركيا ومصر أي شروط مسبقة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، مستدركا: "لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة".
ونقلت شبكة "BBC Türkçe" عن مصدر دبلوماسي تركي، قوله إن "دبلوماسية الباب الخلفي" مع مصر مستمرة منذ أشهر.
ولفت إلى أن الاتفاقية البحرية بين أثينا والقاهرة، وما تبعها من إعلان الأخيرة عن مناقصة بشأن أبحاث الطاقة الهيدروكربونية أخذت فيها بعين الاعتبار الحقوق التركية، ساهمت في التأثير على مسار المفاوضات بين مصر وتركيا.
ومهدت الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مصر حيال "المعاملة الدقيقة" للحساسيات التركية، الطريق لأنقرة لإيصال رسالة على مستوى وزراء الخارجية.
ومنذ عام 2013 كانت تركيا إحدى الدول التي أبدت موقفا عنيفا تجاه انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي، على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي، والإطاحة به.
الموقف تجاه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين
وشكّل لجوء أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى قطر وتركيا، معضلة بالنسبة لنظام السيسي، فيما انتقدت أنقرة باستمرار وبشدة الاضطهاد الذي يتعرض له أعضاء الجماعة في مصر.
وقال المسؤول التركي، إن ملف أعضاء جماعة الإخوان المسلمين كان على رأس جداول الأعمال التي عقدت ما بين أنقرة والقاهرة في الفترة الماضية.
وأوضح أن أنقرة "لا ترى أن السيسي عدو لها، وهي تنظر بأمل لإطلاق سراح أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمعتقلين ظلما في مصر، وأن ذلك سيسهم في فتح الباب أمام التطورات الإيجابية"، وقال: "نركيا متفائلة باتخاذ النظام المصري خطوات بهذا الشأن، وترى أن السيسي بدأ أيضا باتخاذ موقف أكثر ليونة تجاه المعارضين داخل مصر مؤخرا".
اقرأ أيضا: مصدر مصري: تلقينا طلبا تركيا لعقد اجتماع في القاهرة
وتقول شبكة "بي بي سي ترك"، إن مصر من جهتها تطالب تركيا في الوقت ذاته بعدم السماح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين لجأوا إليها، بالقيام بأي أنشطة مناهضة للسيسي.
ونقلت عن مسؤول دبلوماسي مصري قوله: "ما دام هؤلاء الأشخاص في تركيا غير متورطين بارتكاب أي جرائم في مصر، فلا توجد عقبة أمام تطبيع العلاقات".
المسؤول التركي زاد بالقول إن بلاده ستطرح كافة تفاصيل القضية على طاولة المفاوضات، ومناقشتها بشكل دقيق، والمهم أن تكون هناك إرادة للجلوس على الطاولة دون أحكام أو شروط مسبقة، ليتم التفاوض عليها واحدة تلو الأخرى مع مرور الوقت.
موقف الإمارات من تقدم المباحثات
وأدى الموقف الحاد من تركيا تجاه الانقلاب، إلى ردود فعل من الإمارات، التي تعد أحد أكبر مؤيدي نظام السيسي طوال السنوات الماضية، فيما ازدادت التوترات بين تركيا والإمارات في المنطقة.
وقال مسؤول أمني تركي، لشبكة "BBC Türkçe"، إن الإمارات التي تدعم نظام السيسي ماليا والتي أثرت بشكل كبير على سياسات السيسي في المنطقة، واتخذت موقفا مناهضا لتركيا، كانت عقبة أمام تقدم المحادثات مع مصر.
وتابع، بأن المواقف المرنة الأخيرة بين الإمارات والسعودية وتركيا، مهدت الطريق لتطوير المحادثات بين أنقرة والقاهرة في اتجاه إيجابي، مشيرا إلى أن الموقف الإماراتي مؤخرا ساهم في الجلوس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
اقرأ أيضا: تركيا تستأنف اتصالها مع مصر.. وتتحدث عن السعودية والإمارات
وقال تشاووش أوغلو أثناء رحلة عودته من قطر: "نشهد مؤخرا المزيد من الرسائل الإيجابية من أبو ظبي، ونرى تراجعا في الحملات السلبية ضد تركيا".
وساهمت المصالحة الخليجية بين قطر ودول الحصار (السعودية والإمارات ومصر)، في تليين مواقف تلك الدول تجاه تركيا الحليف الإقليمي لقطر.
ما علاقة ليبيا بتقدم المباحثات؟
وقال مسؤول أمني تركي للشبكة، إن نهاية الحرب الأهلية التي استمرت ست سنوات في ليبيا، وتم بعدها تشكيل حكومة انتقالية بأسماء من طرفي الصراع، لها تأثير كبير على مسار العلاقات مع مصر.
وكانت تركيا ومصر تقفان على طرفي نقيض في ليبيا، فأنقرة أرسلت قوات إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس المعترف بها دوليا، فيما قدم نظام السيسي أكبر دعم للفريق المتقاعد خليفة حفتر الذي حاول الانقلاب مرارا على الحكومة الشرعية.
وتم توقيع وقف إطلاق النار العام الماضي، فيما تم بداية العام الجاري تشكيل حكومة انتقالية برعاية الأمم المتحدة، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في ليبيا في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وقال المسؤول التركي، إن مصر كانت إحدى الجهات التي فتح معها الحوار في الأزمة الليبية، عبر الطرق الدبلوماسية، ما ساهم في إنهاء الحرب الأهلية. وأضاف: "جميعنا يرى النتائج الدولية التي وصلنا إليها، وعلاقتنا مع مصر والتطورات في ليبيا ترتبط ارتباطا وثيقا".
وتابع: "هناك طلب من مصر بانسحاب المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، وهي إحدى المواضيع التي سيتم مناقشتها بشكل تفصيلي خلال المفاوضات، ومن السابق لأوانه الحديث عن القرارات التي سيتم اتخاذها بهذا الشأن".
مناطق الاختصاص البحري التي تحددها تركيا لصالح مصر
وفي 3 آذار/ مارس، قال وزير الخارجية التركي: "وفقا لمسار علاقاتنا كبلدين لديهما أطول سواحل في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإنه يمكننا التفاوض بشأن مسألة الصلاحية البحرية مع مصر، والتوقيع على اتفاق بيننا في المستقبل".
وقال مسؤول أمني تركي، إن مناطق الاختصاص البحرية لمصر هي أحد أهم البنود التي وضعتها تركيا على طاولة المفاوضات بين وحدات الاستخبارات منذ العام الماضي.
ووفقا لذلك، فإن اتفاقية الولاية البحرية التي وقعتها تركيا مع ليبيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 والجرف القاري الذي أبلغت عنه تركيا الأمم المتحدة، توفر لمصر مساحة بحرية تبلغ 11 ألفا و500 كيلومتر مربع، عن الاتفاقية التي وقعتها مع قبرص اليونانية.
ويقول مسؤولون أتراك إنه من خلال هذه الأطروحة، يمكن لمصر الانسحاب من الاتفاقيات التي وقعتها مع اليونان وقبرص اليونانية، والتوقيع على اتفاقية اختصاص بحري مع تركيا.
وقالت "بي بي سي" التركية: "حتى الآن لم تتخذ مصر خطوات بهذا الاتجاه، ويحافظ نظام السيسي على التعاون الوثيق مع اليونان وقبرص اليونانية، لكن القاهرة أظهرت موقفا إيجابيا بترك بعض المناطق البحرية تماشيا مع الحساسية التركية تجاهها"، وهذا مؤشر جيد.
وخريطة المناقصة المصرية الأخيرة تشير إلى أن المناطق الغربية في المتوسط تم تحديدها بموجب الاتفاق المبرم بين القاهرة وأثينا، أما المساحات الأخرى الواقعة شرقي خط الطول 28 فتحدد الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي بموجب الاتفاق بين أنقرة وطرابلس.
وبالتزامن مع إبرام القاهرة اتفاقيتها مع أثينا العام الماضي، قال الرئيس التركي، إن الاستخبارات التركية على تواصل مع نظيرتها المصرية.
ومع توقيع الاتفاق بين أثينا والقاهرة، عارضت الأخيرة محاولة اليونان رسم حدودها البحرية اعتبارا من جزيرة ميس (على بعد كيلومترين فقط من قضاء قاش جنوب تركيا).
التجارة الثنائية بين البلدين
بعد الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، خفضت تركيا ومصر علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى "القائم بأعمال"، ولم تجددا الاتفاقية التجارية الثنائية التي انتهت صلاحيتها.
وذكر المسؤول الأمني أن كلا من التطورات في ليبيا والعلاقات مع الإمارات كانت مؤثرة في عملية التقارب مع مصر، كما أن الصعوبات الاقتصادية في مصر تلعب أيضا دورا في إبقائها تحت تأثير الدول المختلفة.
وأضاف أنه يمكن توقيع اتفاقيات جديدة، بما في ذلك إعادة تجديد اتفاقية التجارة الثنائية وتدفق السلع والسياح، مؤكدا أن الأمر قد يستغرق وقتا في إطار التفاوض المستمر.
وقال المسؤول الدبلوماسي التركي: "العلاقات التجارية مستمرة، والمجموعات المتبادلة تذهب وتعود، ولكن بالمعنى الدبلوماسي ستكون قضية التجارة أيضا على جدول الأعمال في المباحثات التي أعلن عنها وزير الخارجية التركي، وسنرى أين سيتم الوصول في النهاية".
تحركات لأردوغان تشمل تغييرات محتملة بالحكومة والحزب الحاكم
تركيا تستأنف اتصالها مع مصر.. وتتحدث عن السعودية والإمارات
أردوغان يعلن بدء تخفيف إجراءات الحظر والإغلاقات بتركيا