"
الصعايدة والفلاحين بيخلفوا كتير عشان ولادهم يشتغلوا خدامين".. أثارت تلك العبارة
العنصرية التي تفوه بها المذيع
المصري المقرب من النظام
تامر أمين عاصفة من الانتقادات والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد ذراع إعلامي حاول أن ينافق النظام على حساب الشعب المصري فانقلب السحر على الساحر.
كاتب هذا المقال هو مواطن مصري من مواليد ثمانينيات القرن الماضي عاش في مصر ومحافظاتها ما يقارب الثلاثين عاما، ووصل إلى قناعة مفادها كونك مواطن تحمل الجنسية المصرية في هذا الزمان وتعيش داخل مصر تحت حكم هذا النظام العسكري فهذا ابتلاء شخصي أسأل الله لي ولك منه العفو والعافية، وأما أن يجمع الله عليك الجنسية المصرية تحت حكم السيسي ثم تصيبك أعراض مرض العنصرية تجاه خلق الله فأنت بنفسك ابتلاء للآخرين أسأل الله لهم منك العفو والعافية.
ما فعله تامر أمين هو جريمة كبيرة في حق قطاع يمثل الأغلبية السكانية من الشعب المصري، وهم أهل الصعيد والفلاحين في الأقاليم والأرياف، هؤلاء هم ملح الأرض المصرية وأصلها وتراثها وحضارتها، ولو تتبعت أصول عائلات مصرية كثيرة في العاصمة المصرية القاهرة أو في الإسكندرية لوجدت لها فرعا ينتمي لمنطقة ريفية أو لمن أطلق عليهم "أمين الفلاحين".
ما فعله تامر أمين هو جريمة كبيرة في حق قطاع يمثل الأغلبية السكانية من الشعب المصري، وهم أهل الصعيد والفلاحين في الأقاليم والأرياف، هؤلاء هم ملح الأرض المصرية وأصلها وتراثها وحضارتها
ولكن السؤال: هل تامر أمين هو العنصري الوحيد في مصر؟
قبل انتشار السوشيال ميديا وأجهزة المحمول، كم مرة باغتك أحدهم داخل ميكروباص أو مقهى شعبي أو قطار درجة ثالثة من القاهرة إلى المنصورة بقوله: "مرة واحد صعيدي"، و"كان فيه اتنين صعايدة عملوا كذا وكذا"، و"مرة واحد بلدينا".. كم مرة استمعت إلى ضحكات أبناء العاصمة المصرية على طريقة تحدث أبناء محافظة الإسكندرية في نطق كلمتي "جنيه" و"شاي".. وكم مرة استمعت إلى أبناء الإسكندرية وهم يتغامزون على شكل وملابس أبناء الأقاليم في زيارتهم لمحطة الرمل والمنتزه والمعمورة.. وكم مرة وصف أحدهم من أبناء الطبقة المتوسطة من دونهم بقوله: هذا "فلاح" أو "جاء من خلف الجاموسة"..
دعني أقول لك إنها مئات بل آلاف بل ملايين المرات التي استمعنا إلى ذلك، وضحكنا عليه ومارسناه أحيانا ضد بعضنا البعض. فمن تنمر عليك اليوم وأنت من أبناء الأقاليم تنمرت أنت عليه لاحقا عندما تجد الفرصة المناسبة لذلك.
في عام 1998 حقق فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية نجاحا باهرا، وقيل حينها إنه حقق إيرادات أعلى من التي حققها فيلم تايتانيك. كنت في الصف الثالث الإعدادي وقتها، وأذكر أننا صرنا نتغنى بأغنية محمد هنيدي "شوكولاتة" التي وصف بها فتاة سمراء اللون في ذاك الفيلم كلما شاهدنا فتاة او شابا أسمر اللون، وكذلك فعل ملايين المصريين. وأذكر أن زميلا لي في ذلك الوقت أسمر اللون بكى مرة عندما غنى له بقية التلاميذ أغنية شوكولاتة وبات هذا اللقب يلاحقه أينما رحل.
الإعلام والسينما المصرية رسّخا مفهوم العنصرية في أذهان المصريين، وللقصة تاريخ طويل من التحريض الفج ضد فئات بعينها
الإعلام والسينما المصرية رسّخا مفهوم العنصرية في أذهان المصريين، وللقصة تاريخ طويل من التحريض الفج ضد فئات بعينها، فكل شخص أسمر مصريا كان أو أفريقيا هو بواب واسمه عثمان، وهي الشخصية التي جسدها طويلا الفنان الراحل علي الكسار.. أهل النوبة هم خدم وبوابون، وهذا تحديدا ما فعله مرتضى منصور مع اللاعب أحمد الميرغني ذي الأصول النوبية؛ الذي وصفه على الهواء مباشرة بالخدام والبواب، ولم يحاسبه أحد.. كل أبناء الأقاليم هم فلاحون كما وصفهم تامر أمين، وأصبح هذا الأمر ثقافة سوداء تتوارثها الأجيال ويغذيها الإعلام بشكل كبير.
المواطن المصري الذي يمارس العنصرية استجابة لتحريض الإعلام، هو نفسه ضحية لممارسات عنصرية في الداخل على يد أنظمة تعامله كخادم لها؛ ليس له الحق في الحياة أو الاعتراض، وهو أيضا ضحية لعنصرية أخرى أشد قسوة يصطدم بها أثناء بحثه عن لقمة العيش في بلدان عربية وخليجية، وستجد أن أكثر من يتعرض للإهانة على يد كفيل سعودي أو نائب برلماني أردني هم عمال مصريون في تلك الدول، وكأن العنصرية التي نشكو منها كمسلمين في بعض الدول الأوروبية أصبحت هي العرف السائد بين شعوبنا العربية وبلداننا الإسلامية.
أول علاج العنصرية والشفاء من داء التنمر؛ بيّنه المولى عز وجل في كتابه الكريم حين قال: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم".. وبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف حين قال في ما معناه: "الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
فما بين العمل بتلك الآية الكريمة وتطبيق هذا الحديث الشريف؛ بكاء وآلام وأمراض مجتمعية خلفتها العنصرية والتنمر بين أبناء الوطن الواحد وآن لها أن تتوقف.
twitter.com/osgaweesh