يدور في الكواليس
الإسرائيلية الحديث عن ماهية السياسة المثلى
لطرد إيران من جنوب سوريا، وهو ما يعكس استشعار النخب الإسرائيلية للمخاطر المترتبة عن تموضع
إيران في هذه المنطقة، ونقدا للطاقم السياسي الحاكم الذي لم يستطع قراءة مخرجات الحرب السورية في سياقها الصحيح، كما عجز عن التدخل بفعالية لتوجيه مسارات الأحداث في
سوريا لخدمة مصالحه الأمنية.
وقد غلبت على السياسة الإسرائيلية أفكار تقليدية عن الأمن والسلام على جبهتها الشمالية، تمثلت في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011، وهو وضع طالما كان مريحاً لإسرائيل، بل يمكن وصفه بـ"الأيام الذهبية" التي يصعب إعادة إنتاجها مرّة أخرى، بعد أن باتت إسرائيل في مأزق أمني خطير نتيجة وضعها بين فكي كماشة على جبهات جنوب لبنان
والجولان. فهل تستطيع إسرائيل بالفعل تغيير هذه الأوضاع؟
تكشف خريطة انتشار المليشيات الإيرانية في جنوب سوريا؛ حجم التغلغل الذي جرى بناؤه على مدى سنوات
تكشف خريطة انتشار
المليشيات الإيرانية في جنوب سوريا؛ حجم التغلغل الذي جرى بناؤه على مدى سنوات، وبحسب الخارطة التي نشرها موقع "واين ماير" الإيراني المعارض لمواقع تمركز القوات الإيرانية ومليشيا
حزب الله اللبناني، فقد بلغ عدد النقاط العسكرية الإيرانية
في السويداء أربع نقاط، وفي درعا 18 نقطة، والقنيطرة عشر نقاط، و19 نقطة عسكرية في دمشق وريفها، إضافة إلى 25 نقطة عسكرية لـ"حزب الله" في درعا وريف دمشق. وقامت ايران منذ استعادة السيطرة على جنوب سوريا بتجنيد حوالي 10 آلاف عنصر كانوا يتبعون للفصائل التي جرى تفكيكها.
خريطة التوزع الإيراني وسياسات التجنيد التي تتبعها إيران ليست عشوائية، بل هي تطبيق لاستراتيجية بعيدة المدى حيث تهدف إلى:
- تشكيل بنية عسكرية متماسكة، وخطوط تغذية لوجستية يمكن وصلها مع مناطق غرب العراق، بعد زوال القاعدة الأمريكية بالتنف، والى ذلك الحين يجري مدها عبر دمشق ومناطق البقاع الغربي في لبنان القريبة من أرياف القنيطرة ودمشق.
- ربط المجتمعات المحلية في جنوب سوريا بمصالح اقتصادية، تقتصر حتى اللحظة على المساعدات والمرتبات التي تقدمها إيران للعناصر المنتسبين للمليشيات وعائلاتهم، وقد تتطور مستقبلاً إلى شكل من الاستثمارات الإيرانية في المنطقة.
خريطة التوزع الإيراني وسياسات التجنيد التي تتبعها إيران ليست عشوائية، بل هي تطبيق لاستراتيجية بعيدة المدى
- ويتبع ذلك خلق شبكة من الوكلاء، وصناعة قضية ورابط أيديولوجي مع إيران، ما يعني تأمين المنطقة بأدوات تشغيل ذاتية، بما يصعّب عملية تفكيكها من الخارج ويحوّلها إلى أمر واقع.
في ظل هذا الوضع المعقّد، يبدو لافتاً صدور تأكيدات إسرائيلية تتحدث عن إحراز انجازات مهمّة على صعيد منع إيران من التموضع في جنوب سوريا، بل تذهب هذه التأكيدات إلى حد الزعم بانسحاب الكتائب الإيرانية إلى شرق سوريا، دون الانتباه إلى أن الوجود الإيراني في شرق سوريا هو جزء من مشروعها في المنطقة وليس على حساب وجودها في جنوب سوريا.
غير أن التدقيق في ما تصدره مراكز الأبحاث ووسائل الاعلام الإسرائيلية، يكشف أن لدى إسرائيل رهانين في مواجهتها للنفوذ الإيراني في جنوب سوريا..
الأول: الرهان على روسيا، وعلى ما يجري تداوله من تنافس بين الطرفين في عموم سوريا، وفي جنوبها خصوصاً، ويبدو أن الإسرائيليين مقتنعين بأن هذا الصراع سيتفاقم عند الحظة التي تجرد فيها روسيا الحملات على الوجود الإيراني في جنوب سوريا.
الثاني: رفض المجتمعات المحلية في جنوب سوريا احتضان المشروع الإيراني، بل هي معادية له، وبالتالي فإن هذا المشروع لن يستطيع إيجاد ركائز له في هذه البيئات.
الادعاءات بأن روسيا تعيق التموضع الإيراني مبالغ فيها، إذ يبدو أن لروسيا أهدافا من نوع الضغط على إسرائيل لإضعاف الموقف الأمريكي
والواقع أن الادعاءات بأن روسيا تعيق التموضع الإيراني مبالغ فيها، إذ يبدو أن
لروسيا أهدافا من نوع الضغط على إسرائيل لإضعاف الموقف الأمريكي. كما أنها تتقاطع مع إيران في هدف الحفاظ على النظام الذي يعتبر أهم أولوياتها، وهي تستفيد من خدمات إيران بهذا الخصوص، في حين أن غض النظر عن نشاطات إيران لا يهدد مصالحها ولا يكلفها كثيرا، فهي على استعداد للتعايش مع هذا الوضع لوقت طويل، وهو الوقت الكافي لأن تقوم إيران بتغيير المعادلة في الجنوب لصالحها وإحداث تغييرات ديمغرافية وموضعة قواتها في أكثر المناطق استراتيجية.
كما أن المراهنة على قدرة المجتمعات المحلية لمقاومة الحضور الإيراني دائماً، هو رهان غير واقعي، ذلك أن مجتمعات الجنوب منهكة بفعل الظروف الاقتصادية وإفراز ثمان سنوات من الحرب المتواصلة وقدرة إيران والنظام على اختراق هذه المجتمعات، في ظل عدم توفر أي بدائل أخرى.
والواضح أن رهانات إسرائيل رغبوية أكثر منها موضوعية، تعكس رغبة الطبقة السياسية وقيادات الجيش في تطمين الجمهور الإسرائيلي، وعدم الذهاب بعيدا في الصراع.
لقد تمترست القيادات الإسرائيلية خلف ثوابت صماء، من نوع عدم وجود مصلحة لإسرائيل في الصراع السوري، أو ترك الأوضاع تتعفن وتغرق إيران والمتشددين. ولا شك أنها اليوم في مأزق استراتيجي، جراء وضعها بين فكي كماشة بين جبهتي جنوب لبنان وجنوب سوريا، حتى لو لم تعترف القيادات الإسرائيلية بذلك، وللخروج من هذا المأزق ستكون إسرائيل أمام خيارات ذات أثمان مرتفعة.
لا شك أنها اليوم في مأزق استراتيجي، جراء وضعها بين فكي كماشة بين جبهتي جنوب لبنان وجنوب سوريا، حتى لو لم تعترف القيادات الإسرائيلية بذلك، وللخروج من هذا المأزق ستكون إسرائيل أمام خيارات ذات أثمان مرتفعة
- إعلان مناطق الجنوب السوري كجزء من الأمن الإسرائيلي وإبداء الاستعداد للذهاب بعيداً في تأكيد إعلانها.
- إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا خالية من الوجود الإيراني، بنفس العمق الذي تم التفاهم فيه مع روسيا ولم يصار إلى تطبيقه عملياً.
- إيجاد وكلاء محليين، بما يعني ذلك من استعداد لحمايتهم وتأمين الدعم العسكري والمالي لهم.
twitter.com/ghazidahman1