أحد قادة «الشاباك»
الإسرائيلي قال شيئا وصدقته: «عرفات فقد السيطرة على الانتفاضة الثانية». لماذا
صدّقته؟ بدأت الحرب الأهلية اللبنانية 1975 بحادثة البوسطة الشهيرة في حي عين
الرمانة الكتائبي. كان عرفات على سفر، واتصل بقادة «فتح» والفصائل ألا يردوا
بالنيران على مجزرة أودت بحياة أكثر من ثلاثين فلسطينيا.. لكنهم ردوا؟ ثم تورطوا!
.. وصعدوا جبل صنّين.
قبل اندلاع الانتفاضة الثانية، حصل أول صدام
عسكري بين الأمن الفلسطيني وجيش الاحتلال، فيما يعرف بهبّة النفق. كان ذلك أول
صدام بعد مبادئ اتفاقية أوسلو، استمر أياما وأسابيع، وتمت تهدئته بأول اتفاق مع
نتنياهو، المعارض لأوسلو، على انسحاب الجيش الإسرائيلي من الخليل آخر مدينة رئيسية
في الضفة، وبموجبها قُسّمت المدينة إلى (H1) و(H2).. ولا تزال!
قبل ذلك، تم في القاهرة العام 1994 توسيع
اتفاق مبادئ أوسلو، المعروف بغزة زائد أريحا، ليشمل كل مدن الضفة، باستثناء
الخليل، بحضور عرفات وحسني مبارك واسحق رابين، واعترض عرفات وانسحب من منصة توقيع
الاحتفال.. إلى أن وقع على الاتفاق الجديد بتحفظاته بخط يده.
أوسلو الأولى والثانية كانت أشبه بهدنة
سياسية، أو بما يصفه الإسرائيليون بـ»المعركة بين الحروب» ولم تكن اتفاق سلام
تعاقديا، فشل الجانبان في الوصول إليه، بعد انتهاء السنوات الخمس على توقيع مبادئ
أوسلو إلى اتفاقية في حديقة البيت الأبيض.
كانت الانتفاضة الثانية سلمية وجماهيرية في
بدايتها، كحال الانتفاضة الأولى، لكن جيش الاحتلال قتل أكثر من ستين متظاهرا، إلى
أن تحولت الانتفاضة إلى حرب، وتسابق «التنظيم» الفتحاوي مع حركة حماس على العمليات
ضد جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة، والعمليات في عمق إسرائيل.
قبل الاجتياح الإسرائيلي، بدءا من جنين، وصولا
إلى رام الله، كان يجب أن تتوقف الانتفاضة المسلحة، بعد حادثة البرجين في نيويورك،
لأن أمريكا صارت ترى في الانتفاضة المسلحة إرهابا، خاصة بعد ضبط إسرائيل سفينة
«كارين ـ إيه» التي تحمل صواريخ كاتيوشا.
سبق الانتفاضة المسلحة الثانية فشل قمة كامب
ديفيد 2000، كما فشلت مفاوضات العام 1999 للاتفاق على اتفاقية سلام بين دولتي
إسرائيل وفلسطين ثم مفاوضات طابا 2001.
هناك، الآن، انتقادات فلسطينية للانتفاضة الثانية؛
وهناك تمجيد للانتفاضة الكبرى الأولى، علما أن انتفاضة العام 1988 الكبرى كانت
مجيدة وناصعة في المائة يوم الأولى، قبل أن تتدحرج إلى فوضى.
الكفاح المسلح الفلسطيني بدأ في مرحلة نضال
حركات التحرر الوطني العالمية، لكن وصلنا مع الانتفاضة الثانية إلى اعتبار كل
مقاومة للاحتلال ضربا من ممارسة الإرهاب، وبالذات بعد ضربة الطائرات المدنية
للبرجين في نيويورك. إسرائيل تقول، إن أبو مازن يمارس إرهابا سياسيا ودبلوماسيا؟
بدءا من العام 2009، ومع تشكيل حكومة برئاسة
نتنياهو، بدأ في إسرائيل انعطاف نحو حكومات اليمين، واحتلت اليهودية التوراتية
مرحلة الصهيونية الاشتراكية، كما احتلت الحركات الإسلامية المسلحة العروبة
العلمانية. البعث العراقي العروبي العلماني بقيادة صدام حسين وضع على العلم
العراقي عبارة «الله أكبر».
تُلام الأنظمة العربية على معاهدة السلام
المصرية مع إسرائيل، لكن تُلام الحركة الوطنية الفلسطينية، بقيادة (م.ت.ف) على
اتفاق مبادئ أوسلو، لكن على الجانب الآخر الإسرائيلي، كان هناك من رأى في انطلاق
الكفاح المسلح الفلسطيني نوعا من رد فلسطيني لعجز النظام العربي عن تحرير فلسطين..
إلى أن تلقى هذا الكفاح مرحلة الاحتراب الفلسطيني ـ العربي، والعداء للفلسطينيين..
والاحتراب الفلسطيني ـ الفلسطيني في العام 2007.
إلى ذلك، كانت زيارة السادات صدمة
للإسرائيليين، أيضا، وليس للعرب والعروبة وحدها، كما كانت أوسلو صدمة
للإسرائيليين، أيضا.. والآن، مع «سلام إبراهيم» يتلقى الفلسطينيون والإسرائيليون
صدمة، أيضا. لماذا؟
يقولون، إن «دبي» تشبه نيويورك في ناطحات
سحابها، وفي أن «عرب الصحراء» ليسوا تماما كما تصورهم الإسرائيليون، وأما عرب
الإمارات فتلقوا من السياح الإسرائيليين صدمة أنهم «لصوص» للفنادق و»حرامية»، أيضا،
وأن إسرائيل واحة غربية للديمقراطية اليهودية، كما إمارات الخليج واحة لاستبداد
العائلات الحاكمة.
فساد أيديولوجي إسرائيلي، مقابل فساد عربي
عائلي وحزبي.
.. يعني، ليس الجانب العربي وحده من اجتاز ويجتاز
«كي الوعي»، ولا الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية مجرد عرب في الادعاء يريدون
دولة عربية أخرى فاشلة، ولكن «كي الوعي» موجود في الجانب الإسرائيلي، وإن كانت
مفاعيله أبطأ في ظهورها من مفاعيل «كي الوعي» الإسرائيلي للفلسطينيين والعرب.
هذه «الأوسلو» المذمومة مجرد المعركة السياسية
بين الحروب العربية ـ الإسرائيلية، أو هي هدنة سياسية كانت بدايتها في الصراع
العربي ـ الصهيوني مع مصر، وانتهت إلى صراع فلسطيني ـ إسرائيلي كما كانت قبل زمن
«اغتصاب فلسطين» في الشعار القومي ثم «كارثة فلسطين» واستقرت على التعريف
الفلسطيني «نكبة فلسطين».. وعلى السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
«احنا ويّاهم.. والزمن طويل» كما كان يقول ياسر
عرفات.
لا حسم عسكريا ولا سياسيا بل تسوية تاريخية.
(عن صحيفة الأيام الفلسطينية)