قالت صحيفة
نيويورك تايمز الأمريكية، إن تعيين الرئيس جو
بايدن، لروبرت مالي، مبعوثا خاصا لإيران، أثار جدلا سياسيا واسعا لدى الجمهوريين
بالنظر إلى المهام التي لعبها إبان إدارة باراك أوباما.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" أن
مالي، دبلوماسي مخضرم ووسيط معروف في مجال فض النزاعات، وهو نجل يهودي عربي يساري،
معروف بتأييده للتعامل مع جماعات وحكومات بما في ذلك على مدى السنين الماضية حركة
حماس وحزب الله ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ويرى خصومه أنه مسرف في ارتيابه من
النفوذ الأمريكي ومسرف كذلك في تعاطفه مع جهات أجنبية فاعلة بما في ذلك
إيران
والفلسطينيون الذين بينهم وبين الغرب خلافات عميقة.
وفي ما يلي النص الكامل للتقرير:
تمكن الرئيس بايدن من تشكيل فريق السياسة الخارجية التابع
له بدون مشاكل تذكر هذا حتى الأسبوع الماضي. فلم تثر اختياراته لشغل منصبي وزير
الخارجية ووزير الدفاع وكذلك المناصب العليا في أجهزة المخابرات كثيراً من الجدل
ولم تقابل بمعارضة ذات بال من قبل الجمهوريين.
ولكن ما لبث أن اندلع تبادل إطلاق نار سياسي بمجرد أن
أعلنت إدارة بايدن عن تعيين
روبرت مالي مبعوثاً لها إلى إيران. فقد بعث مجدداً
تعيين السيد مالي، وهو دبلوماسي مخضرم ووسيط معروف في مجال فض النزاعات، جدلاً
مريراً في واشنطن حول صفقة النووي التي أبرمت مع إيران في عام 2015 ثم أبطلها
الرئيس دونالد جيه ترامب وحول ما إذا كان المطلوب إعادة الاعتبار لها.
كما أشعل ذلك قضية السياسات المتعلقة بإسرائيل، وهي قضية
بالغة الحساسية، ولربما جاء ذلك التعيين ليكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى نفوذ
التقدميين ضمن فريق السياسة الخارجية الجديد في إدارة السيد بايدن.
وكما علق على ذلك مازحاً بنيامين جيه رودس، نائب مستشار
الأمن القومي السابق لدى الرئيس باراك أوباما: "روب يصلح وكيلاً لكل
شيء."
على الرغم من أنه اتهم في الأيام الأخيرة بأنه يحمل آراء
خطيرة حول الشرق الأوسط، إلا أن السيد مالي البالغ من العمر سبعة وخمسين عاماً قد
يبدو من النوع الذي يُستبعد أن يكون مصدراً للخلاف والشقاق. قضى هذا الدبلوماسي
الذي يتكلم بصوت ناعم، والحاصل على مؤهلاته في العلوم السياسية ثم في الحقوق من
جامعتي رودس وهارفارد، سنوات عديدة مكرساً نفسه ضمن فريق المساعدين في إدارتي
كلينتون وأوباما، حيث كان محط إعجاب لغزارة علمه بالشرق الأوسط ولفهمه العميق
للعلاقات الشخصية بين أبرز العناصر الفاعلة في تلك المنطقة.
إلا أن السيد مالي، وهو نجل يهودي عربي يساري، معروف
بتأييده للتعامل مع جماعات وحكومات – بما في ذلك على مدى السنين الماضية حركة حماس
وحزب الله والرئيس السوري بشار الأسد – تعتبر على نطاق واسع أعداء للولايات
المتحدة وإسرائيل، بل ويعتبرها البعض من المحرمات التي لا يجوز بحال الاتصال بها.
يرى خصومه أنه مسرف في ارتيابه من النفوذ الأمريكي ومسرف كذلك في تعاطفه مع جهات
أجنبية فاعلة بما في ذلك إيران والفلسطينيون الذين بينهم وبين الغرب خلافات عميقة.
ونظراً لأن السيد مالي سيكون واجهة للسيد بايدن في
تعامله مع إيران ومسؤولاً عن كبح جماح برنامجها النووي الآخذ في التمدد، يخشى
منتقدوه من أن يضغط باتجاه إبرام صفقة جديدة مع طهران يتم من خلالها تقديم الكثير
من التنازلات لحكامها من رجال الدين باسم إصلاح ذات البين. ولذلك عندما ورد خبر
تعيينه في وسائل الإعلام للمرة الأولى، ندد السيناتور الجمهوري عن أركينسو توم
كوتون بالمتطرفين "ممن هم على شاكلة مالي" الذين، كما قال، يحملون سجلاً
طويلاً من التعاطف مع النظام الإيراني ومن العداوة تجاه إسرائيل.
وعبر آخرون ممن يعارضون التفاوض مع إيران عن قلقهم
بعبارات أكثر اعتدالاً. ففي إشارة إلى صفقة النووي التي أبرمت في عام 2015 وتعرف
باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" والتي لطالما عارضها، قال مارك
دوبوفيتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "قد يكون تعيين
روب مالي مؤشراً واضحاً على أن إدارة بايدن تعطي العودة إلى خطة العمل الشاملة
المشتركة أولوية على اللجوء إلى قوة ونفوذ أمريكا للحصول على اتفاقية أشمل وأكثر
ديمومة. مالي ليس من المؤمنين بقوة ونفوذ أمريكا."
أما المدافعون عن السيد مالي، الذي لا يتطلب تعيينه
الحصول على موافقة مجلس الشيوخ، فيقولون إنه غدا هدفاً سهلاً ومريحاً لفتح النيران
من قبل اليمين الأمريكي والإسرائيلي تحذيراً لإدارة بايدن من مغبة بذل جهد أكبر من
اللازم في سعيها للتعامل مع طهران وصولاً إلى صفقة نووية أخرى مثل الاتفاق الذي تم
التوقيع عليه في عام 2015، والذي تمخضت عنه واحدة من أشرس معارك السياسة الخارجية
في عهد أوباما.
يقول آرون دافيد ميلر، مفاوض السلام في الشرق الأوسط في
عهد العديد من الرؤساء والذي سبق وأن عمل مع السيد مالي ويعتبر مقرباً منه:
"معظم الأحكام الصادرة على روب تصدر عن أشخاص لا يعرفونه، وهؤلاء اختاروا أن
يصدقوا مقولة إنه لا يوجد لديه مفهوم حول المصالح القومية الأمريكية، وأن الأمر
كله يتعلق بمحاولته إيجاد سبيل ولو بأي ثمن للتصالح مع أعدائنا."
وما لا يتحدث عنه كثيراً منتسبو اليمين هو ما يساورهم من
شك في أن السيد مالي قد يكون متأثراً بما ورثه من حصافة سياسية عن والده، سايمون
مالي، الصحفي اليهودي الذي ولد في مصر والذي كان "قومياً عربياً من النوع
العلماني المتشدد والمعارض بقوة للصهيونية" كما عبر عن ذلك السيد مالي نفسه
في محاضرة له ألقاها في عام 2008. فكان والده هو الذي أيقظ في نفسه، كما قال،
الاهتمام بشؤون هذا الجزء من العالم.
وكان والده، السيد مالي الكبير، قد حصل على ثلاثة أسماء
وتسع جنسيات – بما في ذلك جنسية شرفية فلسطينية – على امتداد حياة قضاها مناضلاً
ضد الاستعمار وأنشأ خلالها ست مجلات مختلفة. يقول السيد مالي عن والده: "كان
رجلاً صاحب عقيدة ومواقف جدية، ولم يكن يشعر بالارتياح في الأوساط الرمادية ذات
الظلال المتعددة."
يقول أصدقاء السيد مالي إن العكس من ذلك تماماً هو ما
يصح بحق الابن: إذ تطيب له الأمور المعقدة ذات الظلال المتعددة، ويتجنب وجهات
النظر ذات الطابع العقائدي، وذلك على الرغم مما يتهمه به منتقدوه.
إلا أن كثيراً من المحافظين وبعض الوسطيين لا يثقون به
منذ أن شارك في فريق التفاوض للسلام في الشرق الأوسط في عهد إدارة كلينتون ثم شارك
في كتابة مقال شذ فيه عن الإجماع في واشنطن، وهو الإجماع الذي كان يرى أن الزعيم
الفلسطيني ياسر عرفات هو وحده من يستحق أن يلام على انهيار محادثات السلام التي
رعتها الولايات الأمريكية مع الإسرائيليين في كامب دافيد.
ومع أن الدرجة التي حمل بها السيد مالي إسرائيل
المسؤولية عن فشل المحادثات مبالغ فيها إلا أن المقال الذي شارك في كتابته كشف عن
استعداده لتحدي الرأي السائد في واشنطن بشأن الجذور الحقيقية لمعضلات السياسة
الخارجية وتحدي المسلمات حول ما يعتبر صلاحاً أمريكياً.
في محاضرة ألقاها في عام 2008، أعرب السيد مالي عن ألمه
لأن الولايات المتحدة كثيراً ما تتصرف في الخارج بطرق "مدمرة" وقال إنها
"تقدس الزعماء غير المنتخبين ديمقراطياً، وتسيء قراءة الديناميكيات المحلية،
وتسيء تفسير موازين القوة المحلية، وتسيء استخدام قوتها، وتسيء تقدير مدى سمية ما
تحتضنه، وتشجع على الصدام، وتصدر النماذج السياسية وتتلاعب بالطائفية." على
الرغم من أن مثل ذلك الرأي غدا شائعاً، وخاصة بعد الحروب في أفغانستان والعراق
والتدخلات الأمريكية الفاشلة في أماكن مثل ليبيا والصومال، إلا أنه ما زال يثير
إحساساً بالامتعاض داخل واشنطن.
في نفس ذلك العام، أسقطت الحملة الرئاسية لباراك أوباما
السيد مالي كمستشار في السياسة الخارجية بعد ما أثير من ضجيج بسبب تقارير عن التقائه
بأعضاء في مجموعة حماس الفلسطينية المتشددة، والتي تعتبرها كل من الولايات المتحدة
وإسرائيل منظمة إرهابية. لم يعتذر السيد مالي عن تلك الاتصالات قائلاً إنها مما
تحتمه مهام عمله وأنها لم تكن لقاءات سرية، علماً بأنه كان حينها يعمل في مجموعة
الأزمات الدولية، وهي مركز بحث وتفكير وهيئة متخصصة في الوساطة لحل الصراعات.
في نهاية المطاف انضم السيد مالي إلى إدارة أوباما
كمسؤول أول لشؤون الشرق الأوسط، وأصبح المفاوض الرئيسي نيابة عن البيت الأبيض مع
وزير الخارجية جون إف كيري لإبرام اتفاق النووي مع إيران في عام 2015 وشاركت مع
الولايات المتحدة فيه عدة بلدان أخرى، وأفضى إلى وقف البرنامج النووي الإيراني
مقابل رفع العقوبات. فيما بعد، كلف السيد أوباما السيد مالي بالإشراف على تنسيق
حملة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
بعد التغريدات التي أعرب فيها السيد كوتون عن مخاوفه،
وما كان من حين لآخر يرد في وسائل الإعلام الإسرائيلية من انتقادات على ألسنة
مجاهيل، هب كثير من الديمقراطيين للدفاع عن السيد مالي، حيث رأوا فيما يجري
اختباراً مهماً في مواجهة ردود أفعال مؤسسة السياسة الخارجية التي يرونها صقورية
أكثر من اللازم.
وقع ما يزيد عن عشرة من المختصين في السياسة الخارجية
على بيان أيدوا فيه تعيين السيد مالي، وجاء في البيان: "إن الذين يتهمون
مالي بالتعاطف مع الجمهورية الإسلامية ليس لديهم فهم – أو ليس لديهم اهتمام –
بالدبلوماسية الحقيقية التي تتطلب وعياً وإدراكاً لحوافز ودوافع الطرف المقابل
وتتطلب معرفة لا يتسنى الحصول عليها إلا من خلال الحوار."
وفي الوقت الذي يطالب فيه التقدميون بتبني سياسة أمريكية
أكثر تواضعاً فإنهم يرون في السيد مالي حليفاً ذا قيمة عالية.
يقول السيد مالي إن الولايات المتحدة تعول أكثر ما تعول
على تأثير المساعدات الخارجية والعقوبات وتقلل من قيمة الدور الذي تلعبه
الأيديولوجيا والعقيدة الدينية في القرارات التي تتخذها الجماعات المتشددة
والقيادة الشيعية الثورية في إيران.
ويقول السيد ميلر إنه أياً كانت آراء السيد مالي فهو لن
يصنع السياسة بنفسه، مضيفاً أن النقاد يستخدمونه حجة لممارسة الضغط بشكل غير مباشر
على السيد بايدن ووزير خارجيته الجديد أنطوني جيه بلينكن، وكلاهما وسطيان يتمتعان
بثقة واسعة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
كما أنه من غير المحتمل أن يتخذ مواقف مناقضة لتلك التي
يتبناها مديره الجديد في العمل، فالسيد مالي والسيد بلينكن تعلما في صباهما في
نفس المدرسة في باريس ولم يزالا صديقين منذ ذلك الحين. (ولد السيد مالي في نيويورك
حيث كانت والدته، المولودة في أمريكا، تعمل في الأمم المتحدة قبل أن تنتقل العائلة
إلى باريس وهو في السادسة من عمره.)
في سياق معارضة تعيين السيد مالي، يرى السيد رودز ذعراً
في أوساط منتقدي صفقة النووي التي أبرمها السيد أوباما اعتقاداً منهم بأنها سوف
تستعاد لا محالة.
يقول السيد رودز الذي وقع على البيان الذي صدر دعماً للسيد
مالي: "إنه ليس ذلك النوع من الناس الذي تعينه حتى يكون مجرد مبعوث يطير من
مكان إلى آخر ليفرض المزيد من العقوبات. بل يُفهم من تعيين روب مالي الرغبة فعلياً
في إبرام صفقة."
أما الديمقراطيون التقدميون الذين يعتبرون السيد مالي
حليفاً لهم فسرهم أن السيد بايدن لم يخضع للضغط ولم يتراجع ومضى قدماً في التعيين.
ولكنهم بعد أن رأوا السيد بايدن يشكل فريقه للسياسة الخارجية بالمجمل من عناصر
وسطية باتوا يتحرقون لرؤية المزيد من عناصرهم يفوزون بوظائف.
وراحوا الآن يستعدون لخوض معركة محتملة حول منصب متوقع
في وزارة الخارجية لماثيو داس، الذي شغل من قبل كبير مستشاري السيناتور بيرني
ساندرز للشؤون الخارجية. وكان السيد داس قد كتب بأسلوب ينم عن تعاطف مع معاناة
الفلسطينيين مما دفع بعض النشطاء المحافظين وبعض وسائل الإعلام لتصنيفه على أنه
"ضد إسرائيل".
في أيام عمله الأولى لصالح السيد بايدن، قام السيد مالي
بما يشبه جولة الاستماع، يستشير أعضاء الكونغرس والحلفاء في أوروبا وفي إسرائيل
وبين دول الخليج العربية.
فيما لو بدأت المحادثات المباشرة مع طهران ثانية، فإنه من
المتوقع أن يستأنف الحوار مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي يعرفه
جيداً من المفاوضات حول الصفقة في عهد أوباما.
يذكر أن تقريراً حول صفقة النووي مع إيران نشرته الشهر
الماضي مجموعة الأزمات الدولية، قبل وقت قصير من مغادرة السيد مالي لها لينضم إلى
إدارة بايدن، أوصى بأن تتحرك كل من الولايات المتحدة وإيران سريعاً باتجاه إحياء
الاتفاق النووي عبر خطوات متبادلة.
وباستخدام لغة تعكس المقاربة التي طالما اتخذها السيد
مالي في حل النزاعات، اقترح التقرير على البلدين البحث عن "فرص تعاونية،
بدلاً من عدائية، للاشتباك حول القضايا ذات الاهتمام المشترك."