خرجت لجين الهذلول، الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق
المرأة في
السعودية، من المعتقل بتاريخ العاشر من شباط/ فبراير الجاري بعد أن قضت ألف يوم ويوم في المعتقل.
نشطت لجين ضد حظر قيادة المرأة للسيارات ونظام ولاية الرجل في السعودية، إلا أن سلطات بلادها ألقت بها في المعتقل بتهم التواصل مع دول غير صديقة وتهم أخرى؛ كي تبرر اعتقالها السياسي الذي جاء على خلفية آرائها ومواقفها من المستوى الحقوقي المنعدم الذي تعيشه المرأة السعودية.
في نفس اليوم الذي أفرجت فيه السلطات السعودية عن لجين، أفرجت سلطات الاحتلال
الإسرائيلي عن الصحفية شيرين الأعرج، عمة الشهيد باسل الأعرج والموظفة لدى الأمم المتحدة التي اعتقلتها قوات الاحتلال أثناء زيارتها الأخيرة لفلسطين المحتلة بعد منع دام خمس سنوات.
إن المدقق في الحالتين من انتهاك النظام السعودي لحق لجين في التعبير عن آرائها واعتقال شيرين الأعرج من قبل قوات الاحتلال لمواقفها الداعمة لقضية تحرر وطنها؛ يعيد إلى الواجهة سؤال واقع حقوق وحريات المرأة في ظل أنظمة القمع وتحت ظل الاحتلال، وهما يشتركان معاً في كونهما حالة من العدوان الدائم على حرية المرأة في التعبير وممارسة أدوارها كافة ضمن نطاق حيزها الاجتماعي والثقافي والسياسي.
تنتشر في صفوف الناشطات الحقوقيات الاعتقالات المتكررة من قبل الأنظمة التي تحاول فرض قبضتها على الفكرة، فكرة الحرية. ومن المفارقات أيضاً أن دولة
الإمارات العربية المتحدة التي اعتقلت الروائية الإماراتية ظبية خميس لمواقفها الرافضة للتطبيع بين حكومة بلادها وحكومة دولة الاحتلال، هي نفسها الدولة التي تمكن ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للدراسات والبحوث، من المشاركة في المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الذي يضم مجموعة من الجنرالات في المخابرات والجيش الإسرائيلي.
تلك المفارقة تقودنا لشكل الحرية التي تريدها الأنظمة القمعية والأنظمة التي تدعي تحرير المرأة وإعطاءها حقوقها؛ ومدى تطابقها جوهرياً مع حالة القمع التي تفرضها سلطات الإحتلال على المرأة الفلسطينية كي تحد من نضالاتها ومن مشاركتها في العمل الوطني وعملية مقاومة الإحتلال.
إن النظام الذي قمع ظبية خميس نفسه هو الذي مكن ابتسام الكتبي، وفي الحالتين يكشف موقف حكومة الإمارات من المرأة بوصفها أداة لتطبيق سياسة حكومتها، بقمع صوت ظبية المعارض للتطبيع وتمكين ابتسام الكتبي التي تعدت أدوارها مرحلة التطبيع السياسي والثقافي لتكون في واجهة تقرير المركز القومي الإسرائيلي للأبحاث بين مجموعة مجرمي الحرب الذين تصدروا الغلاف.
اللافت أيضاً أن النظام المصري بقيادة الجنرال السيسي الذي انقلب على الشرعية الديمقراطية؛ يحتجز خلف قضبان معتقلاته الأمنية نساء نشطن في دفاعهن عن الحرية والخيار الديمقراطي للشعب الذي ثار ضد الديكتاتورية وحكم الفرد، وثرن ضد الانقلاب على الشرعية، ويُذكر منهن ماهينور المصري، وسمية ماهر، وسلافة مجدي، وهدى عبد المنعم.
هذا يقودنا للاستنتاج بأن العمل على إطلاق حرية المرأة في ظل الأنظمة الأمنية ليس سوى حالة من تكريس هيمنة النظام الحاكم وشموليته وقمعه للحريات كافة.
لا يمكن للدولة التي استضافت إيفانكا ترامب ودعمت جمعيتها التي تدعم المرأة في وطنها بـ١٠٠ مليون دولار، وأعطتها منبراً لنقل تجربتها للمرأة الإماراتية في دعم ومساندة المرأة، أن تختطف من المرأة الإماراتية صوتها وتصادره بمجموعة من الإجراءات الأمنية المتشددة، فهذه الممارسات لا تعدو كونها انتقائية لنقل حالة مشوهة عن مستوى حريات المرأة إلى العالم من أجل توظيفها سياسياً ولغايات دعائية.
إن حالة القمع التي تعيشها النساء في ظل الأنظمة الأمنية والشمولية والديكتاتورية من مصادرة للرأي واعتقالات سياسية وتعذيب ونفي ومصادرة ومنع من السفر، تتشابه مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتجز عشرات الأسيرات الفلسطينيات خلف القضبان بحجج وتهم تخويفية؛ تحاول نشر حالة من الرعب للتحركات النسوية ضد الاحتلال.
في المنطقة العربية برمتها لا يمكن أن تشهد حقوق المرأة نفاذاً ضمن أنظمة تقمع الإنسان وتوظفه، والتحركات في سبيل تحرير المرأة وانعتاقها من نظم الوصاية الأبوية والسلطوية لا يمكن إلا أن تمر بحالة من الثورة الشاملة. فما تقوم به لجين الهذلول وظبية خميس وشيرين الأعرج وماهينور المصري وغيرهن؛ من ثورة ضد التعسف والاحتلال والقمع والاشتباك المباشر مع مظاهره هو تمهيد الطريق لحصول الأجيال القادمة على حقوقهن؛ التي لا تكتمل سوى بالانعتاق السياسي والفكري والديني من هيمنة الانظمة الشمولية والاحتلال.