أظهرت الخلافات المستمرة والمتصاعدة بين وزير الإعلام
المصري، أسامة
هيكل من جهة، وبين نواب حزب الأغلبية بالبرلمان (مستقبل وطن) ولفيف من الإعلاميين والصحفيين
ومؤسساتهم من جهة أخرى، تفاقم خسائر المؤسسات الإعلامية والصحفية وتردي أوضاعها وسقوطها
في الديون والفساد.
وامتدت الأزمة التي اندلعت قبل أشهر إلى أروقة
البرلمان مع إلقاء الوزير
بيانا عن أداء وزارته أمام مجلس النواب الجديد، الذي كان ينتظر انعقاد جلساته
لمهاجمة الوزير ومحاسبته وتوجيه اتهامات له بالتقصير وإهدار المال العام، والفساد،
بحسب مصادر لـ"عربي21".
وخلص تقرير للجنة الإعلام في البرلمان، التي يهيمن عليها حزب
"مستقبل وطن"، إلى أن الوزير لم يتمكن من تحقيق تواجد إعلامي مؤثر في المنطقة
يليق بمكانة مصر إقليميا، وضعف أداء الإعلام المصري على كافة الأصعدة خلال فترة وجود
وزارة الدولة للإعلام.
واتهمت اللجنة الوزير بالفشل في مواجهة القنوات الإعلامية المعادية
وعدم القدرة على وضع استراتيجية قوية لمواجهته، بحسب ما جاء بالتقرير، وأن فترته ترتب
عليها صراعات تسببت في تضرر الدولة أكثر مما تفيدها؛ ما يستوجب مساءلته سياسيا.
"فساد وإهدار مال وخسائر"
وفي ما يتعلق بإهدار المال العام، كشفت اللجنة أن هيكل جمع بين منصب
وزير الدولة للإعلام ورئاسة مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، والعضو
المنتدب، بالمخالفة للدستور، بالإضافة إلى تحميل ميزانية الدولة 12 مليون جنيه خلال
6 أشهر (الدولار يساوي 15.7 جنيه).
وكذلك رفع بدل حضور اجتماعات أعضاء مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي
إلى 6 آلاف جنيه، ومكافأة رئيس مجلس الإدارة (الذي يشغله) إلى 20 ألف جنيه في الجلسة،
كما أنه رفع راتبه كرئيس لمجلس الإدارة إلى 100 ألف جنيه.
وكان وزير الإعلام قد كشف في بيانه أمام البرلمان أن ديون المؤسسات
الإعلامية القومية (تليفزيون وصحافة) بلغت أكثر من 62 مليار جنيه، مشيرا إلى أن ديون
الهيئة الوطنية للإعلام (اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقا) بلغت 40 مليار جنيه، وأن
الهيئة الوطنية للصحافة تصدر نحو 50 إصدارا صحفيا، وديونها بلغت 22 مليار جنيه.
"فشل الإعلام والإعلام الفاشل"
من جهته قال الخبير الإعلامي والمدير في عدد من القنوات الفضائية المصرية
المعارضة مسعد البربري، إنه "يجب أن نفرق بين الإعلام الرسمي الذي يمثل الدولة
(التلفزيون والصحف القومية) وبين الإعلام الذي تهيمن عليه الأجهزة الأمنية وهو قطاع
واسع من القنوات والصحف الخاصة".
وأضاف لـ"عربي21": "الأول (التابع للدولة) فشل، وسوف
يستمر في فشله؛ لأنه يفتقر لمكونات وأسس المؤسسات الإعلامية الناجحة القابلة للنجاح،
ولن تحل مشاكله بوزارة أو وزير أو غير ذلك، وكذلك المؤسسات القومية، وما جرى من نقاش
حوله وكشف ما يعانيه من ترهل وفساد سواء للاستهلاك المحلي أو تصفية حسابات، ليس بجديد".
واستدرك: "أما الإعلام الثاني، فهو الإعلام الخاص الذي تهيمن وتسيطر
عليه الدولة بكافة أجهزتها السيادية، هو إعلام مؤثر ويعد منصة المنظومة الحاكمة في
مخاطبة الجماهير، كما حدث في مداخلة السيسي ومن بعده وزير خارجيته مع أحد الإعلاميين
على إحدى القنوات الخاصة".
تعود جذور الأزمة المشتعلة إلى تشرين أول/ أكتوبر الماضي، عندما انتقد الوزير هيكل أداء الصحف والإعلام قائلا:
"الشباب أقل من 35 سنة، ويمثلون حوالي 60 بالمئة لا يقرأون الصحف أو يشاهدون التليفزيون
وبالتالي فإن من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات".
وأثارت تلك التصريحات حفيظة المؤسسات الصحفية والإعلامية، خاصة أنها
تسير بتوجيهات الأجهزة السيادية، وانطلقت حملة شرسة على جميع الصحف والقنوات تهاجم
الوزير بقوة، وتتهمه بالفشل، وطالبته بالاستقالة من منصبه.
"صراع جواري السلطان"
ووصف مدير المرصد العربي لحرية الإعلام، قطب العربي، ما يحدث حاليا
بأنه "صراع جوار في بلاط السلطان، وقد كشف هذا الصراع المستور من الفضائح مثل
الديون الضخمة على القنوات والمؤسسات الصحفية الرسمية والتي تجاوزت وفق تصريحات الوزير
التي أكدها تقرير البرلمان مبلغ الـ62 مليار جنيه (40 مليار مديونيات ماسبيرو و22 مليار
مديونيات المؤسسات الصحفية القومية)".
وأضاف لـ"عربي21": "الحقيقة أننا في معركة بين طرفين
يتنافسان على إرضاء النظام والتقرب منه، ولكن من الواضح أن الجبهة المناوئة للوزير
أسامة هيكل تتسع بحكم وجود أطراف نافذة خلفها مثل مسؤول الإعلام في المخابرات المقدم
أحمد شعبان، والغالب أن الوزير يقضي لحظاته الأخيرة في الوزارة، وقد استثمر هذه الأيام
الأخيرة بتلميع نفسه وتبرئتها".
ورأى أن "مثل هذه الصراعات هي جزء من تركيبة الأنظمة القمعية التي
يتنافس فيها المسؤولون على إرضاء رأس النظام ويكون طريقهم لذلك هو المكيدة لبعضهم، وهو
ما حدث بعد انقلاب يوليو 1952 وتكرر في العقود التالية".