صحافة دولية

FP: على أمريكا تبني دبلوماسية سماعة الطبيب بالشرق الأوسط

قالت المجلة إن على إدارة بايدن الاهتمام بالبنية التحتية في الشرق الأوسط- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا مشتركا للطبيبة مايا قهوجي، والطبيب كيرميت جونز، طرحا فيه وجهتي نظرهما حول الدبلوماسية التي على إدارة الرئيس جو بايدن تبنيها في الشرق الأوسط.

 

وجاء في المقال أنه "نظرا لأن إدارة بايدن تعمل على إعادة بناء النفوذ الأمريكي في العالم، يجب أن تنظر بشكل أقل إلى الخيارات البالية من دفاع أو تأمين إمدادات النفط وبدلا من ذلك تركز الاهتمام على الاستثمار في رأس المال البشري التي ثبت أنها تجعل السكان أفضل حالا وأكثر ثقة في أمريكا".

 

وتابع الطبيبان: "في إطار هذه الجهود، توفر جائحة كوفيد للرئيس جو بايدن فرصة، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث يمكن لواشنطن أن تساعد المنطقة على النمو لتصبح مركزا لتكنولوجيا الرعاية الصحية. وسوف تساعد هذه العملية على تحسين وضع المرأة، وتنويع اقتصادات المنطقة وتنشيطها، وخلق استثمارات مستدامة في أهم مواردها: شعبها".


واستثمرت الديمقراطيات الغربية على مدى عقود مليارات الدولارات في الشرق الأوسط لمختلف برامج التنمية المدنية والعسكرية. وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، احتل الحكم الرشيد والعلاقات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها مرتبة عالية في قوائم أولويات أمريكا لهذا الإنفاق.

 

بعد 11 أيلول/ سبتمبر، تم توجيه الكثير من المساعدات الأمريكية إلى العراق والمشرق لمعالجة التهديدات العسكرية المباشرة للمصالح الأمريكية. ومع ذلك، لا تزال المنطقة في وضع غير مستقر. فقد عانى العراق من أسوأ انكماش اقتصادي في عام 2020 - 9.5 في المائة - في ما يقرب من عقدين من الزمن، وتفاقمت أزمة العملة اللبنانية، وتوفير الرعاية الصحية، وعدم المساواة الاقتصادية بشكل كبير بسبب جائحة كوفيد-19.


بعبارة أخرى، حان الوقت لأن تعيد أمريكا التفكير في مساعدتها للمنطقة. كما تظهر العديد من الدراسات، فإن أنواعا معينة من المساعدات الاستراتيجية غير العسكرية - وخاصة المساعدات التي تقلل من عدم المساواة الاقتصادية مثل التعليم والاستثمار في الصحة العامة - يمكن أن تزيد من الناتج الاقتصادي للبلد، وتحسن حالتها الصحية، وتقلل من مخاطر الصراع.

 

"سماعة الطبيب"

في المقابل، يجب على إدارة بايدن أن تتطلع إلى تحسين علاقة أمريكا بالشرق الأوسط من خلال نوع من دبلوماسية "سماعة الطبيب" التي تركز على تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية في البلدان.

 

إذا تم القيام بذلك بشكل صحيح، فستشمل هذه المساعدة خططا لجعل دول الشرق الأوسط مركزا إقليميا متكاملا للرعاية الطبية المتقدمة، والعمل مع المنظمات الصحية الدولية لتقوية المنطقة ضد الأوبئة المستقبلية، وإنشاء برنامج تبادل طبي قوي بين مرافق التدريب الأمريكية والشرق أوسطية.


وتمتلك العديد من دول الشرق الأوسط بالفعل أنظمة رعاية صحية متقدمة. فقد ضخت الإمارات والسعودية، على سبيل المثال، مليارات الدولارات في أنظمة الرعاية الصحية الخاصة بهما، مما أدى إلى إنشاء مئات مراكز الرعاية الصحية المجهزة بشكل جيد.

 

بالنسبة للسعودية، أدى ذلك إلى تدخلات قوية في مجال الصحة العامة ومعدلات أقل بكثير من حالات كوفيد-19 المبلغ عنها. وتستخدم الإمارات نظام الرعاية الصحية الخاص بها للقيام بثاني أسرع حملة تطعيم في العالم. ولكن على الرغم من ذلك، لا يزال يتعين القيام بالمزيد من أجل سكانها لجني عوائد تلك الاستثمارات في أنظمة صحية جيدة الأداء وممولة تمويلا جيدا.


على سبيل المثال، على الرغم من نظام الرعاية الصحية الحديث نسبيا في السعودية، فإن انتشار الأمراض المزمنة في البلاد مثل السمنة والسكري في ارتفاع مستمر، مما ساهم في ما يقرب من 60 بالمائة من الوفيات المبكرة في البلاد في عام 2016. أمريكا، التي تواجه الأمراض المزمنة الخاصة بها يمكن أن تساعد في هذا الجهد من خلال مشاركة السعودية في كيفية استخدام الرعاية المتكاملة والخدمات المساعدة مثل التثقيف الغذائي لتحقيق نهج أكثر نجاحا للإدارة الصحية.


وفي نفس الوقت، لم تتمكن لبنان والعراق وسوريا - التي شابتها سنوات من الصراع - من إحراز تقدم كبير في تحديث أنظمة الرعاية الصحية. ونتيجة لذلك، ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كوفيد -19 بسرعة في العراق وسوريا، إلى جانب دخول المستشفيات والوفيات. يجب أن تركز المساعدات الأمريكية في تلك البلدان على الأساسيات: تحسين المعدات الطبية، وسلاسل توريد الأدوية، والوصول إلى اللقاحات الفعالة التي يمكن توزيعها بسرعة.


يمكن لواشنطن أن تساعد ليس فقط في سد فجوة الرعاية الصحية بين البلدان المجاورة، ولكن الأهم من ذلك أنها يمكن أن تساعد تلك البلدان على التواصل من أجل تبادل بيانات الرعاية الصحية. في مثل هذا النظام المترابط، يمكن لطبيبة مصرية أن تعالج مريضة لبنانية أصيبت أثناء سفرها في مصر لقضاء عطلة وأن تستطيع الحصول على سجلها الطبي إلكترونيا من لبنان. علاوة على ذلك، من خلال أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية المتكاملة والاتفاقيات بين البلدان، يمكن إرسال مريضة لا يمكن رؤيتها في مستشفى مكتظ في بلدها بسرعة إلى مستشفى في بلد مجاور، والذي سيكون بإمكانه الاطلاع بشكل كامل على سجلاتها الطبية.


فيما يتعلق بخبرة التكنولوجيا الصحية، كان العديد من أعضاء فريق بايدن جزءا من جهد رصد له 35 مليار دولار بموجب قانون HITECH لإدارة أوباما لزيادة استيعاب السجلات الصحية الإلكترونية في المستشفيات الأمريكية. يمكن لهؤلاء المسؤولين استخدام الدروس المستفادة لمساعدة دول الشرق الأوسط في تطوير أنظمتها القوية والقائمة على البيانات والتي يمكن أن تسمح لهم بمشاركة بيانات نتائج المرضى وتحسين الممارسات.


ولعل الأمر الأكثر إلحاحا هو أن تبادل بيانات نتائج المرضى وعلم الأوبئة يمكن أن يساعد في بناء نظام إنذار مبكر للتهديدات الصحية الإقليمية. إن العالم دائما لا يحتاج لأكثر من طفرة فيروسية رئيسية واحدة لوقوع جائحة عالمية أخرى. هذا هو السبب في أن تعزيز قدرات المراقبة والتعاون في كل منطقة تعتبر حلقة وصل بين قارات العالم أمر أساسي. في الأشهر القليلة الماضية، ارتفع عدد الإصابات بكوفيد-19 في الشرق الأوسط بشكل كبير. ويمكن لإدارة بايدن خلال الأسابيع القليلة الأولى من عملها عقد مؤتمرات افتراضية مشتركة ومساحات مشاركة إقليمية حيث يمكنها تقديم المشورة بشأن توزيع اللقاحات والمعلومات حول كيفية تقييم مجلس مراقبة سلامة البيانات في أمريكا للتجارب السريرية للقاحات الجديدة.


تحت مظلة إظهار أن أمريكا قد عادت للعالم، كما يحب بايدن أن يعلن، يمكن لواشنطن أيضا أن تنتهز الفرصة لزيادة المنح التدريبية بشكل كبير لبرامج تبادل كليات الطب في أمريكا والشرق الأوسط. مثل برامج تبادل الخدمة الخارجية الأخرى على مستوى الدراسات العليا، تأخذ هذه البرامج الطلاب في مرحلة تكوينية وتعرضهم للثقافات والسكان الذين يمكنهم التعلم منهم. يمكن أن يساعد التبادل على هذا المستوى أيضا في تعزيز المساواة.

 

تمكنت القليل من المهن في الغرب من سد الفجوة بين الجنسين بالسرعة نفسها التي تمكنت بها الرعاية الصحية. إن السماح لطلاب الشرق الأوسط بالانخراط مع طلاب الطب في أمريكا، والعكس بالعكس، من شأنه أن يؤكد على فوائد الفرق المتنوعة التي تعمل معا للتعلم من بعضها البعض أثناء توفير رعاية المرضى.


لقد جربت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الكثير من السياسات المختلفة تجاه الشرق الأوسط، والتي تركت العديد منها المنطقة في وضع أسوأ. لقد حان الوقت لاتباع نهج أكثر إنسانية وعملية، وقد حقق بعضها فوائد مثبتة كاستثمارات استراتيجية في النظم الصحية وصحة السكان. إذا كان بايدن جادا بشأن "إعادة البناء بشكل أفضل"، فعليه استخدام تداعيات جائحة كوفيد-19 لتعزيز دبلوماسية سماعة الطبيب، التي يمكن أن تساعد الشرق الأوسط والعالم بشكل أفضل.

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)