نشرت صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن دبلوماسية اللقاحات التي تتبعها كل من روسيا والصين.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن اللقاح هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الكابوس العالمي لذلك فقد بات حاليا من أكثر الموارد طلبا من قبل الأمم، الأمر الذي جعل القوى العظمى تتسابق للظفر بهذا الإنجاز. وفي الواقع، لن يساهم اللقاح في الانتعاش الاقتصادي للدول المصنعة له فحسب، بل ستكون هذه الدول وحدها من تقرر لمن ستبيعه.
وذكرت الصحيفة أن الدول الغربية التي كانت من أكثر المتضررين من الوباء تخوض سباقا ضد الزمن لتأمين الجرعات اللازمة من اللقاح لمواطنيها. في الأثناء، تعتبر اللقاحات الصينية والروسية بمثابة طوق نجاة بالنسبة للعديد من البلدان التي إما لا تستطيع تحمل تكلفة اللقاحات الغربية أو لا تستطيع البقاء على قائمة الانتظار لأشهر.
كان واضحا أن السباق على اللقاح سيكتسي طابعا سياسيًا بين القوى العالمية التي تتنافس على الهيمنة. وفي 11 آب/ أغسطس، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه وافق على تصنيع أول لقاح ضد فيروس كورونا في العالم "سبوتنيك في"، الذي طوره معهد جماليا الذي تديره الدولة. ويشير اسم اللقاح إلى أحد الانتصارات الروسية العظيمة في الحرب الباردة، التي تتمثل في أول قمر صناعي يُرسل إلى الفضاء بنجاح من قبل الاتحاد السوفييتي في سنة 1957 متقدمًا بذلك على الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين أعلن عن لقاح "سبوتنيك في" عندما اكتملت المرحلة الثانية من التجارب السريرية. ويُعزى هذا الاستعجال إلى الحاجة الملحة لاحتواء تفشي فيروس كورونا من جهة، والرغبة في تحقيق نصر جديد على الخصوم من جهة أخرى.
اقرأ أيضا: لقاحات كورونا تصل إلى مزيد من الدول والصين تقرّ نوعا جديدا
ومن جهتها، لم تنتظر الصين المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لإعطاء الضوء الأخضر للإعلان عن لقاحين، أحدهما تابع لمختبر "سينوفارم" الحكومي والآخر من شركة "سينوفاك" الخاصة، ليكونا جاهزين من أجل بدء حملة التطعيم. وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ استعداد بلاده لمساعدة الدول النامية بتخصيص ملياري دولار لفائدة أفريقيا، وتقديم تسهيلات لأمريكا اللاتينية لشراء اللقاحات.
منذ ذلك الحين، تمكن الروس والصينيون من إبرام عقود ثنائية في جميع القارات. ولعل القائمة المختارة من الدول تكتسي أهمية بالغة. في هذا الصدد، وقّع معهد جماليا الروسي عقودًا مع حكومات صديقة مثل بيلاروسيا وإيران وفنزويلا والجزائر وصربيا والمجر، ومع المتمردين في أوكرانيا في كل من لوغانسك ودونيتسك. وأبرمت الصين صفقات مع إندونيسيا والفلبين والإمارات والبحرين ومصر وبيرو والبرازيل والمكسيك.
ورغم تلقيها مبالغ ضخمة من الخزينة العامة، فإن شركات الأدوية الغربية والشركات الخاصة للقاح تعد بمثابة عمل تجاري. وتتوقع شركة "فايزر" أن تصدر جرعات من اللقاح بقيمة 15000 مليون دولار في سنة 2021 فقط. في المقابل، ترى كل من روسيا والصين أن تحقيق المصلحة الجيوسياسية من خلال توزيع اللقاحات يتجاوز المصلحة التجارية وهو ما يتيح لها تقديم أسعار تنافسية وحتى منحها مجانا.
ونقلت الصحيفة عن مارسيلا فييرا، من مركز الصحة العالمية في معهد الدراسات العليا في جنيف، أنه "بالنسبة للصين، يعد هذا الأمر جزءًا من استراتيجية القوة الناعمة. لقد لعبت هذا الدور في أفريقيا لسنوات، حيث تكفلت بمشاريع البنية التحتية الصحية، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة البحر الكاريبي".
يعتبر السيناريو الحالي انعكاسًا واضحًا للتحول الذي حدث في ميزان القوى العالمي مع تسارع وتيرة تفشي الوباء. وترى فييرا أن "العصر الذهبي الذي كانت فيه القوى الغربية بلا منازع رائدة في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم قد ولّى، وانتهى معه عصر صعود الديمقراطيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية الرجعية والدفاعية. الآن ما يحدث هو عكس ذلك تماما".
قارن ديفيد فيدلر، خبير الصحة العالمية في منظمة مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة، بين فشل قيادات الدول الغربية في التصدي لفيروس كورونا والدور الحاسم الذي لعبته في مكافحة وباء إيبولا في سنة 2014 في غرب إفريقيا.
ويرى فيدلر أنه "يكفي أن تنظر إلى الأوضاع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل عام، والتي لا تتعلق بسوء إدارتها للوباء فحسب. فقد عانت الولايات المتحدة من أعمال شغب، وخرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بينما يحاول الاتحاد الأوروبي الوصول للقاح مهما كلف الثمن. هذه الأجواء المشحونة تجعلنا ننسى العالم النامي، إنها معركة بين الديمقراطيات الغنية للوصول إلى مورد نادر. إنه لأمر مخز حقًا".
اقرأ أيضا: إندبندنت: لقاح كورونا يدفع العالم لنظام "فصل عنصري"
وأوردت الصحيفة، نقلا عن المحلل الأمريكي فيدلر، أن التقصير الغربي هو الذي يسمح لروسيا والصين باستخدام اللقاحات كوسيلة لخدمة مصالحها وتعزيز نفوذها. ولا يعتقد فيدلر أنه “سيكون هناك نظراء يفضلون عقد صفقات مع الأوروبيين. هذه الدول لا تشك في نوايا روسيا أو الصين. وهي تدرك أنه في خضم هذه الأوضاع، يجب أن يكون لديها دافع أكبر للتواصل مع موسكو وبكين، لأن ما تحتاجه الآن هو ضمان الوصول إلى لقاح فعال. ويمكن للصينيين والروس بيع لقاحهم أو منحه مجانًا. يمكنهم فعل ما يريدون في ظل غياب منافسة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا".
وخلصت الصحيفة إلى أن التاريخ قد لا يكون شاهدا على أن روسيا والصين بمثابة منقذين لدول العالم النامي سواء في آسيا أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو الشرق الأوسط فحسب، بل من الوارد أن يدق أبوابهم الأوروبيون أيضا. وفي ظل مشاكل تأخر الإمداد التي تعاني منها شركتا فايزر وأسترازينيكا، فإن خطط التطعيم الأوروبية يمكن أن تحيد عن مسارها ما قد يجبر الحكومات على البحث عن بدائل أخرى.
WP: بايدن يعيد ترتيب السياسة الخارجية وسط حذر أوروبي
FP: لماذا يصمت عمران خان عن معاناة مسلمي الإيغور؟
هل تشتري السعودية أسلحة من روسيا بسبب رفض واشنطن؟