كشف مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية تراجع مصر 11 موقعا في ترتيب الأكثر والأقل فسادا بين دول العالم، ليشير إلى استمرار وضع مصر السيئ بهذا المؤشر خلال حكم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
التقرير أكد أن ترتيب مصر جاء رقم 117 من 179 دولة، بعلامة 33 في الاتجاه نحو الأكثر فسادا، بينما كانت مصر في 2019 بالترتيب 106 بعلامة 35، فيما تناوله الإعلام المصري دون إشارة إلى ترتيب مصر فيه.
وتصدرت نيوزيلندا والدنمارك المؤشر للعام الثاني على التوالي، ثم فنلندا، وسنغافورة، والسويد وسويسرا، والنرويج، وهولندا، وألمانيا، ولوكسمبورغ، فيما جاءت أمريكا بالمرتبة 25 متراجعة درجتين عن العام 2019، وجاءت إسرائيل بالمرتبة 35.
وعربيا حلت الإمارات بالمرتبة 21، وقطر الـ30، وسلطنة عمان 49، والسعودية 52، والأردن 60، وتونس 69، والبحرين والكويت 78، والمغرب 86، والجزائر 104، ولبنان 149، والعراق 160، وليبيا 173، والسودان 174، واليمن 176، وسورية 178، واحتلت الصومال المرتبة الأخيرة.
وفي آخر تصريح للسيسي، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد 9 كانون الأول/ ديسمبر 2020، شدد على تمسك الدولة بسيادة القانون وترسيخ قيم النزاهة ورفض ممارسات الفساد، مؤكدا أن "هذا المسار انتهجته الدولة كأحد ركائز الحكم الرشيد"، مشيدا بمؤسسات الدولة المعنية بمكافحة الفساد.
وعلى الرغم مما عاشته مصر في عهد حسني مبارك من فساد قاد إلى ثورية كانون الثاني/يناير 2011، التي تحل ذكراها الآن، سجلت مصر المركز 70 بمؤشرات الفساد عام 2006، والمركز 98 عام 2009،إلا أنها تتذيل مؤشرات الشفافية في عهد السيسي.
اقرأ أيضا: فورين بوليسي: لا أحد بأمان في مصر
وفي آذار/ مارس 2018، صنفت منظمة الشفافية الدولية مصر بمؤشر مدركات الفساد بالمركز 117 من 180 دولة، وفي كانون الثاني/ يناير 2017، احتلت المرتبة 108 بين 176 فيما كانت بالمرتبة 88 من بين 168 دولة عام 2015.
خبراء أكدوا في حديثهم لـ"عربي21"، أن الفساد نتيجة طبيعية للاستبداد، وأن من أسباب تزايده عدم التزام مصر باحترام القانون، وتراجع دور الإعلام الرقابي، وانعدام الرقابة الشعبية للبرلمان، وتراجع استقلالية الأجهزة الرقابية، واحتكار السلطة، وقرارات الإسناد بالأمر المباشر.
"500 مليار جنيه سنويا"
الخبير الاقتصادي علي عبدالعزيز، أكد أن "الفساد في مصر نتيجة طبيعية للاستبداد"، مبينا أن "وجود حاكم عسكري ومعه مجموعة عساكر وأمنيين يحتكرون السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لهم ولحلفائهم ولعملائهم، يجعل كل شبر بالدولة به فساد".
الأكاديمي المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "المقابل سلطة وفساد مطلق"، مشيرا إلى أن "النظام يسابق الزمن لوضع قوانين وسياسات تعطيه مزيدا من القدرة على الفساد؛ وليس هناك دليل أوضح من إقالة وحبس المستشار هشام جنية لكشفه بـ 2016 ، فساد 4 سنوات بنحو 67 مليار دولار".
وقال؛ إن "الفساد عامل أساسي من عوامل هدم الدولة، وسبب رئيسي لانخفاض الاستثمار المباشر رغم ما يسمي بتعويم الجنيه في 2016 "، لافتا إلى أن "الفساد يزداد وسيزداد؛ وأرى أن ترتيب مصر بالـ117، قليل على حجم فساد النظام والجيش".
ويعتقد الخبير المصري، أنه لو "كان هناك تقدير لحجم الفساد اليوم؛ فهو لا يقل سنويا عن 500 مليار جنيه، أغلبها مرتبط بعمليات الإسناد المباشر والتوريدات للدولة، التي تقوم بها الأجهزة العسكرية والأمنية".
وفي نهاية حديثه توقع أن "ينتهي كل ذلك عندما يحكم الشعب نفسه، وتكون هناك آليات وقاية من الفساد، ومراقبة على كل مسؤول مهما كان منصبه".
تغييب الآليات
وفي رؤيته، قال الناشط الحقوقي هشام قاسم؛ إن "مكافحة الفساد لها مجموعة آليات على رأسها احترام قوانين الإجراءات التي تكاد تكون تم الاستغناء عنها تماما بعهد السيسي"، مشيرا للإطاحة ببعض رؤساء الهيئات الرقابية مثل محمد عرفان، وهشام جنينة، بالمخالفة للدستور الذي يحصنهم لمدة 4 سنوات وتعيين قائمين بالأعمال بتفويض سنة بهذه المواقع".
وتمت الإطاحة برئيس جهاز المركزي للمحاسبات الأسبق هشام جنينة، لإعلانه عام 2015، وصول الفساد الحكومي وبالجهات السيادية لـ 600 مليار جنيه، فيما تم سجنه لاحقا، كما تمت الإطاحة برئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان، آب/ أغسطس 2018، قبل انتهاء مدته القانونية.
قاسم، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن السيسي، "جرد تلك المؤسسات من دورها الرقابي، واعتمد على الأفراد، ما يعني تغول الفساد"، ضاربا المثل بمنح شركة لحق امتياز بحديقة عامة بالأمر المباشر لإنشاء ما عرف بـ"عجلة الزمالك"، معتقدا أن هذا "لم يحدث طوال الحكم العسكري منذ 1952 الذي كان يراعي بعض الإجراءات".
الخبير الإعلامي، أكد أن من أولويات مكافحة الفساد أيضا الصحافة الحرة، موضحا أن "الإعلام تم تخريبه ولم يعد بمصر إعلام إلا لقضايا الإلهاء كالتحرش والجنس، أما القضايا العامة وملفات الفساد فاختفت من الإعلام، وكأنها اختفت من مصر".
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: الربيع العربي أثبت ضعف الأنظمة الاستبدادية وخوفها
وتوقع مزيدا من التراجع بمؤشرات الفساد بمصر 2021، مشيرا إلى عامل "صناعة القوانين التي تحد من استقلالية السلطة القضائية، التي تنقص سلطات الجهات التنفيذية وبخاصة الهيئات الرقابية التي يمنحها القانون نوعا من الحصانة"، لافتا إلى أن "بناء مباني لهيئة الرقابة الإدارية ليس مؤشرا على وجود عمل بشكل منهجي للأجهزة الرقابية".
وتحدث الناشط المصري أيضا عن تهميش الدور الرقابي للبرلمان، لافتا إلى أن برلمان 2015، تم تشكيله على يد المخابرات وفشل فشلا ذريعا، فأعطى السيسي تشكيل برلمان 2021، للأمن الوطني"، مضيفا: "لكن، وقع فساد أشد مما سبق".
وأوضح أنه "تم تعيين نواب ليس لهم علاقة بالعمل السياسي والتشريعي، وحُسم الكرسي لمن يدفع أكثر"، لافتا إلى أن "الفساد بدا أكثر بعملية تستيف وصناعة البرلمان، ورغم محاولة النظام تغيير بعض الوجوه ليعطي انطباعا بالتغيير؛ لكن السلطة التشريعية الرقابية المنتخبة ماتت قبل 5 سنوات، وليس منتظرا لها دور قادم".
لماذا تراجع تصنيف الجيش المصري رغم صفقات السلاح الضخمة؟
ماذا يستفيد السيسي من قرار أمريكا ضد "ولاية سيناء" و"حسم"؟
"تجاهل المزارع" يدفع نقابة الفلاحين بمصر لتجميد نشاطها