رأى رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق في تونس مصطفى بن جعفر، أن حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، لا تبرر السقوط في فخ مقايضة الأمن بالحرية بحجة أن الأمس خير من اليوم، مؤكدا أن ما تعيشه تونس من حريات اليوم حصل بفعل تضحيات أجيال متعددة.
وقال ابن جعفر في حديث مع "عربي21": "ما يجري من احتجاجات شعبية في تونس هذه الأيام من فئة الشباب خاصة، هو انعكاس لوضع اجتماعي متأزم، ذلك أن رهانات الثورة وما طرحته من تحديات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، أدى إلى ما نحن عليه اليوم من اححتجاجات واعتداءات، وهذا مدان".
وأضاف: "مع ذلك فإن ما يجري هو تعبير عن غضب لدى الشباب والمواطن بشكل عام الذي يعيش ظروفا صعبة للغاية، والحقيقة أن كل الظروف التي دفعت الشعب التونسي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للثورة هي نفسها، ولكن ما تغير هو المناخ".
ورفض ابن جعفر توجيه الاتهام لأي طرف سياسي بالوقوف خلف هذه الاحتجاجات، التي تقول مصالح الأمن إن أغلب المشاركين فيها هم من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و25 سنة، وقال: "الحديث عن وجود طرف يتحكم في هذع التحركات من جملة التخمينات الموجودة، والكلمة الفصل في هذا الأمر هي للقضاء".
وأضاف: "علنا نتأكد من أن فكرة المؤامرة لا حدود لها، وهذا فخ لا يجب أن نسقط فيه، هذا لا يعني عدم وجود قوى تريد الشر لتونس، وغير راغبة في نجاح تجربتها الديمقراطية، وهذا شيء طبيعي، لكن القضاء في نهاية المطاف هو الفيصل".
واعتبر أن ما أنجزته الثورة في المستوى السياسي والحقوقي مهم للغاية، رافضا تحميل مسؤولية الأزمة السياسية للثورة، وقال: "الوضع السياسي في تونس غير مستقر لأسباب معروفة، فالدستور لم يتم احترامه بالشكل المرضي، وكذلك بسبب عدم الاستقرار في الحكومات، التي تداولت على السلطة لكنها لم تقدم بدائل، بالإضافة إلى المنظومة الحزبية، والقانون الانتخابي الذي لا يساعد في تجسيم الاستقرار البرلماني والحكومي".
وأشار إلى أن الأنظار اليوم تتجه إلى دعوة الحوار الوطني، وقال: "المأمول أن يكون الحوار جديا وحقيقيا في التصدي للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة لإصلاح القانون الانتخابي وقانون الأحزاب".
وجوابا على سؤال يتعلق بغياب مواقف رسمية من الرئاسات الثلاث حول ما يجري من تطورات على الأرض، قال ابن جعفر: "الخلاف بين الرؤساء الثلاثة مبالغ فيه، ذلك أن لدينا دستورا يضبط المسؤوليات لكل الأطراف، صحيح أن هناك مسؤولية للأشخاص، لكن اليوم علينا أن نضع في الاعتبار أن كل القضايا تدار بشكل مكشوف وفي وسائل الإعلام".
وأضاف: "علينا أن نتذكر أيضا أن النظام السياسي الذي تم التوافق عليه في تونس جاء لمنع أي سلطة من الانفراد بالحكم، وهذا واقع جديد، صحيح أن الممارسات الفردية لا تسرّع بهذا البناء الديمقراطي ولا تضعه على قاعدة سليمة، لكن نحن ما زلنا في بداية التجربة".
وتابع: "إذا أردنا أن نتأكد من أننا في الطريق الصحيح فعلينا أن نقارن بين ما جرى قبل 14 كانون الثاني (يناير) 2011، عندما انتفض الشعب واجهه النظام بالرصاص، أما اليوم، فعلى الرغم من التجاوزات المؤسفة والمدانة التي شهدتها الاحتجاجات، فإنه لا مقارنة على الإطلاق.. نحن نمر بأزمة حقيقية بالتأكيد، ولكن مسؤوليتنا بين أيدينا، هذا هو الجديد، وإذا لم نكن عقلاء ولا نستحق هذه الحرية فهذا سنتحمل مسؤوليته".
وحول مطالب العودة للنظام الرئاسي قال ابن جعفر: "نحن ناضلنا من أجل الوصول إلى الديمقراطية 50 سنة، وغيرنا استشهد من أجلها وآخرون قضوا عشرات السنين في السجون، ولا يجب أن نسقط في فخ مقايضة الحرية بالأمن الذي تريد قوى الردة أن تضعنا فيه بحجة أن الأمس خير من اليوم، هذه ترهات لا يقبلها عاقل"، على حد تعبيره.
وتشهد أحياء بالعاصمة تونس وبعض المحافظات، منذ عدة أيام، احتجاجات وسط صدامات مع رجال الأمن، على خلفية رفض تدابير كورونا.
ومنذ نحو شهرين، تشهد تونس احتجاجات في عدد من المناطق للمطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير فرص عمل للعاطلين.
وتأتي هذه الاحتجاجات بينما يحيي التونسيون الذكرى العاشرة للثورة، بالتزامن مع تعديل وزاري جاء في ظل أنباء عن خلافات بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
اقرأ أيضا: الجيش التونسي يتدخل لحماية مقار سيادية وسط توتر مستمر
الجيش التونسي يتدخل لحماية مقار سيادية وسط توتر مستمر
عودة الهدوء إلى تونس بعد اشتباكات بين الأمن ومحتجين
تونس.. مشاركة برلماني في نشاط حقوقي بسويسرا تثير جدلا