صحافة دولية

MEE: جيش فرنسا غير عابئ بارتكاب مجزرة بحفل زفاف بمالي

فرنسا تستخدم الطائرات المسيرة في ضرب أهداف غير متأكدة من أنها غير مدنية تماما- جيتي

نشر مراسل موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، آزاد عيسى، تقريرا انتقد فيه عمليات الجيش الفرنسي الخارجية لا سيما في مالي التي استهدف فيها حفل زفاف ما أدى إلى مجزرة.

 

وقال معد التقرير وفق ما ترجمته "عربي21"، إنه "لربما قصف الفرنسيون حفلة زفاف في مالي، ولكن لا يبدو أن أحدا منهم يعبأ بذلك".

 

ولفت الموقع إلى أن الفرنسيين اعتبروا أن الأنباء عن استهدافهم حفل زفاف في مالي عبارة عن "تضليل"، إلا أنه نقل شهادات تقول بعكس ذلك. 

 

وأضاف أنه "ما هو معروف على وجه التأكيد هو انعدام أي توثيق لأسماء أو سجلات جرائم من تزعم فرنسا أنهم مقاتلون، كما لا يوجد ما يفسر لماذا استحق هؤلاء الموت".

وقال: "رغم غرورهم بشأن ما يزعمون أنها هوية من قاموا بقتلهم، إلا أن عساكر فرنسا ليسوا متأكدين حتى كم عدد الأشخاص الذين قضوا نحبهم بسبب هجماتهم، لدرجة أن وزارة الدفاع قالت: حوالي ثلاثين".

 

ولفت إلى أنه "مثل الهجمات الأمريكية في اليمن وأفغانستان أو الصومال، لا يوجد ما يثبت أن الذين قتلوا في هجمات الطائرة المسيرة كانوا فعلا مقاتلين".

 

وأفاد أنه "إذا ما أخذنا بالاعتبار إصرار ماكرون على ما يسميه "تحرير الإسلام" والمحاولات المتكررة لمأسسة الإسلاموفوبيا في فرنسا، فإنه لم يعد واضحاً حتى ماذا تعني كلمة مقاتل بالنسبة للفرنسيين".
 
وزاد منتقدا: "ربما يقصد بها أن يكون الإنسان مسلما. وربما يقصد بها كل إنسان يعتبره ماكرون مقاتلا".

 

وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":

 

 

يقول الفرنسيون إنهم أجهزوا على مقاتلين مسلحين، ولكن مثل الهجمات الأمريكية في اليمن وأفغانستان أو الصومال، لا يوجد ما يثبت أن الذين قتلوا في هجوم الطائرة المسيرة الأخير كانوا فعلاً مقاتلين


  
 ما بعد ظهر الثالث من كانون الثاني/ يناير، أرسل الجيش الفرنسي طائرة مسيرة من طراز "ريبر" لتحلق فوق قرية باونتي في وسط مالي. وألقت الطائرة المسيرة ثلاث قنابل على مسكن في منطقة مفتوحة خارج القرية، فأفنت عشرات المقاتلين المتمردين كما يقول الجيش الفرنسي.
 
ولكن بعد ساعات من الهجوم، قال العديد من الشهود من قرية باونتي إن مجموعة من القنابل ضربت حفلة زفاف في القرية، فقتلت عشرين مدنيا، وجرحت عددا آخر.

 

وبحسب ما صرحت به "جينيسي تابيتال بولاكو"، وهي مجموعة تدافع عن حقوق الرعاة الفولانيين، فقد قتل والد العروس أيضاً. فيما بعد نشرت المجموعة أسماء تسعة عشر مدنيا قضوا نحبهم في الهجوم، وقالت إن سبعة آخرين أصيبوا بجروح.
 
وفي تصريح لوكالة "رويترز"، قال رئيس المجموعة، حمدون ديكو: "إذا ما كان يتواجد جهاديون في المكان أثناء الهجوم أم لا، لا أدري".

 

أضرار غير مباشرة
 
في تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قال خوان كارلوس كانو، رئيس بعثة أطباء بلا حدود في مالي، إن موظفيه عالجوا ثمانية مصابين من القرية في تلك الأمسية.

 

وقال كانو: "تحدث الجرحى ومرافقوهم عن ضربات جوية، وقالوا إن الهدف كان حفل زفاف، وإن عددا من القتلى قد سقطوا".
 
إلا أن كانو أضاف أنه يستحيل عليه أن يعرف من هم الذين أصيبوا. وقال كانو، الذي يتخذ من باماكو عاصمة مالي مقرا له: "لا نصنف المرضى على أنهم مدنيون أو مقاتلون، نحن نبحث عمن يحتاجون إلى العون الطبي، ونحاول تقديم العلاج لهم".
 
وفي السابع من كانون الثاني/ يناير، وصف الجيش الفرنسي الاتهامات الموجهة إليهم بأنهم قصفوا حفل زفاف بأنها تقوم على "التضليل".
 
وقالت وزارة الدفاع في بيان صحفي صادر عنها: "تم هذا الإجراء الحربي بواسطة طائرة مسيرة من طراز ريبر بمشاركة سرب من طائرتي ميراج 2000، وأمكن بفضل ذلك تحييد ثلاثين (مقاتلا مسلحا). إن العناصر المتوفرة، سواء من تحليل المنطقة قبل وبعد القصف، بالإضافة إلى متانة عملية الاستهداف، يجعل من الممكن استبعاد إمكانية وقوع أضرار غير مباشرة".
 
وسارعت حكومة مالي إلى إصدار بيان خاص بها تتفق فيه مع التقييم الفرنسي، رغم أنها أعلنت عن فتح تحقيق في عملية القصف.
 
لم يستقر الغبار بعد، ولكن بالنظر إلى أن أسيادهم الفرنسيين نفوا ارتكاب أي أخطاء، فيمكن اعتبار أنه تم إغلاق ملف القضية.
 
حرب فرنسا الأبدية
 
وتصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور ثمانية أعوام على التدخل العسكري الفرنسي في مالي بحجة استعادة السلام والأمن وسط تهديدات بالانفصال من قبل الطوارق والسيطرة من جماعات مسلحة مرتبطة بالقاعدة تنشط في شمال البلاد.
 
ولكن بعد ما يقرب من عقد من الزمن ليست مالي أكثر أمنا واستقرارا مما كانت عليه قبل وصول الفرنسيين. ليس هذا فحسب، بل ما تزال العملية العسكرية التي يقومون بها غاية في الكثافة. إضافة إلى ذلك، ما لبث الفرنسيون يوسعون نطاق عملياتهم في بلدان الجوار، في كل من بوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد والنيجر، من خلال قوة عسكرية قوامها خمسة آلاف مقاتل.
 
ما كان قد بدأ على أنه "استعادة" الديمقراطية في مالي بعد انقلاب عام 2012 ونشوب التمرد في شمال البلاد، ما لبث في عام 2014 أن تطور إلى ما قيل إنه قلق بشأن "الهجرة غير الشرعية" والجريمة العابرة للحدود والتنمية الإقليمية.
 
وفي عام 2017 ساعد الفرنسيون على إيجاد "قوة جي5 الساحل" (مع البلدان المذكورة آنفاً) فيما بدا أنه محاولة لتركيز قيادة مكافحة الإرهاب في المنطقة تحت الوصاية الفرنسية.
 
أما في الواقع فلم يكن للأمر علاقة بتاتاً باستعادة الاستقرار، وإنما كان باستمرار متعلقاً بفرض السيطرة والاستعمار من جديد.
 
شهد العقد الماضي قيام هذه الحكومات الضعيفة وغير المستقرة في منطقة الساحل بتقديم غطاء لمغامرات فرنسا الاستعمارية تحت اسم "مكافحة الإرهاب". وفي المقابل يضمن الجيش الفرنسي لعدد كبير من الزعماء السلطويين والفاسدين الحرية المطلقة في استخدام "الإرهاب" حجة للانطلاق بوحشية لقمع أو إهمال أو طمس وجود من لا يُرغب في وجودهم داخل حدودهم.
 
بالنتيجة تبقى مالي دولة جوفاء خاضعة على الدوام لاستعباد أسيادها الفرنسيين.
 
خطوط التصدع المجتمعي
 
جاء الفرنسيون إلى مالي بأبهة الجيش المحرر، إلا أن وجودهم لم ينجم عنه سوى مزيد من التمزق والتفكك، عادة عبر خطوط التصدع المجتمعي.
 
وطبقاً لما تقوله الأمم المتحدة فقد غذى الهجمات عبر خطوط التصدع المجتمعي وكرسها نشاط مجموعات مثل القاعدة والمغرب الإسلامي والدولة الإسلامية والصحراء العظمى ومجموعة نصرة الإسلام والمسلمين، الذين اندفعوا نحو المناطق الوسطى بعد أن حلت القوات الفرنسية في الشمال.
 
في عام 2019 وحده قتل ما يزيد عن أربعة آلاف شخص، وارتفع عدد النازحين ما بين مايو / أيار 2010 ونيسان/ إبريل 2020 من 600 ألف إلى 1.5 مليون.
 
ويقول كانو من أطباء بلا حدود: "إن الغالبية العظمى من الضحايا هم ضحايا مباشرون للعنف، وذلك أن المنطقة ابتليت بصراع دائم منذ سنوات عديدة، الأمر الذي يوثر على جميع القاطنين فيها لأنهم لا يتمكنون من الوصول إلى الحقول لزراعة محاصيلهم ولا إلى مراعيهم لرعي ماشيتهم. ولا يتمكنون من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وفي نفس الوقت تفرض علينا قيود تحد من قدرتنا على الوصول إليهم".
 
ويضيف: "إن أكبر أسباب الوفاة ليس العنف المباشر وإنما العنف غير المباشر".
 
بالرغم من كل حديثها عن حقوق الإنسان والحرية والرغبة في تحقيق الاستقرار، تستمر فرنسا، مثلها مثل الولايات المتحدة، في عزف الألحان ليرقص عليها الزعماء الأشد عداوة لهذه القيم، وعادة ما يكون ذلك على حساب السكان المحليين. ولا عجب إذاك أن تبادر حكومة مالي إلى التغطية على جريمة كبرى ارتكبتها فرنسا في قرية باونتي.
 
فهذا بالضبط هو الدور الذي تلعبه الدول العميلة.
 
منذ ستينيات القرن الماضي نفذت فرنسا عشرات التدخلات العسكرية في مختلف أرجاء القارة الأفريقية، وعملت على دعم أنظمة كرست الهيمنة الفرنسية رغم حصول دولها على الاستقلال، ووصل بها الأمر لأن تطيح بالأنظمة السياسية التي تجرأت وعصت أوامرها.
 
وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاول إقناع غرب أفريقيا أنه أيفع شباباً من أن يسعى للحفاظ على الاستعمار الفرنسي في المنطقة إلا أن الواقع يكذبه في ذلك.
 
في مقابلة مع وكالة الأسوشيتد بريس في آب/ أغسطس 2020، قال إيفان غيتشاوا من كلية بركسيل للدراسات الدولية في جامعة كينت: "أعتقد أن الفرنسيين يرغبون في الاحتفاظ بالنفوذ في مستعمراتهم السابقة وحيازة الزعامة في مثل هذا النوع من التقاسم العالمي للأدوار".
 
وأضاف: "وهي سبيلهم لإدامة رواية الأبهة الفرنسية في أوساط الرأي العام الفرنسي ومفادها أن فرنسا ما زالت قوة عظمى."
 
حرب الطائرات المسيرة
 
مع إدخال الطائرات المسيرة المسلحة إلى مالي في كانون الأول/ ديسمبر  2019، زاد الصراع، الذي كان أصلا يتسم بانعدام الشفافية وممارسات في غاية الوحشية، من إحساس عامة الناس بأنهم لا حول لهم ولا قوة وعمق من حالة البؤس والشقاء التي يعيشون فيها.
 
وتدرك العائلات جيدا أن من يجدون أنفسهم في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ ويقعون فريسة للقصف الذي تنفذه هذه الآلات الطائرة، فتشعل الأرض فيهم ناراً ثم تختفي في الأجواء، لن يجدوا من يلوذون به من أجل العدالة أو محاسبة من يتحملون المسؤولية عن التنكيل بهم.

 

وكان شهود عيان قد قالوا في شباط/ فبراير 2020 إن قصفا من طائرة مسيرة نجم عنه قتل العديد من المدنيين في منطقة تقع بالقرب من غروسي في وسط مالي. وعندما أثارت مجلة ميديابارت الموضوع سارع الجيش الفرنسي إلى تكذيب تلك المزاعم، وقال إنها باطلة.
 
وردا على أسئلة وجهها موقع ميدل إيست آي، قالت وزارة الدفاع الفرنسية إنه بسبب "اعتبارات أمنية" ليس بإمكانهم توفير معلومات تزيد عما ورد في بيانهم الصحفي.
 
ولم تستجب بعثة الأمم المتحدة في مالي لطلب تقدم به موقع "ميدل إيست آي" للتعليق أو التوضيح.
 
مثل الهجمات الأمريكية في اليمن وأفغانستان أو الصومال، لا يوجد ما يثبت أن الذين قتلوا في هجمات الطائرة المسيرة كانوا فعلا مقاتلين. وإذا ما أخذنا بالاعتبار إصرار ماكرون على "تحرير الإسلام" والمحاولات المتكررة لمأسسة الإسلاموفوبيا في فرنسا، فإنه لم يعد واضحاً حتى ماذا تعني كلمة "مقاتل".
 
ربما يقصد بها أن يكون الإنسان مسلما. وربما يقصد بها كل إنسان يعتبره ماكرون مقاتلا.
 
وما هو معروف على وجه التأكيد هو انعدام أي توثيق لأسماء أو سجلات جرائم من تزعم فرنسا أنهم مقاتلون، كما لا يوجد ما يفسر لماذا استحق هؤلاء الموت.

 

ورغم غرورهم بشأن ما يزعمون أنها هوية من قاموا بقتلهم، إلا أن عساكر فرنسا ليسوا متأكدين حتى كم عدد الأشخاص الذين قضوا نحبهم بسبب هجماتهم، لدرجة أن وزارة الدفاع قالت: "حوالي ثلاثين".
 
وبات معلوما لدى المتمردين المسلحين في مالي، وفي غيرها، أنه لا ينبغي عليهم أن يتكتلوا في مجموعات بالنظر إلى الخطر المحدق بهم بسبب الطائرات المسيرة، الأمر الذي يثير السؤال التالي: "كيف يتسنى للجيش الفرنسي التأكد من أن من فتك بهم مقاتلون، وليسوا مجرد مجموعة من الرجال كانوا يشاركون في حفل زفاف ينفصل فيه الرجال عن النساء؟".
 
لا يمكنهم ذلك. والأهم من ذلك، هو أنهم لا يعيرون ذلك أدنى اهتمام.

 

(عن موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")