لا تهدف هذه المقالة إلى
قراءة نتائج قمّة "مجلس التعاون الخليجي" الحادية والأربعين، والتي
انتهت أعمالها سريعا في مدينة العلا السعودية، بقدر ما تطرح سؤالا إشكاليا مهمّا
طالما طرحه ناشطون خليجيّون يتمثل في: "لماذا لا تتحوّل الأُسر الحاكمة في
دول المجلس إلى أُسر مالكة؟ وبعبارة أخرى، ألم يفكّر زعماء "مجلس
التعاون" بعد هذا العمر الطويل من التأسيس، في التحوّل إلى الممالك الدستورية
بدل الاستفراد بمقاليد الحكم وإدارة الثروة والمحكومين؟
عند متابعة وقائع الجلسة الافتتاحية لقمة
العلا، استرجعت ما يُطرح في منصّات التواصل الاجتماعي عن الداعي إلى تلك المقاطعة
التي استمرّت ما يزيد على ثلاث سنوات منذ عام 2017. فقد جرى قطع العلاقة مع دولة
شقيقة هي "قطر" ، من دون أن تُعرف الأسباب، وتمّ تجريم كل من يتعاطف
معها وتشتيت أُسر، وتدمير مصالح رجال أعمال... وفي يوم وليلة، وبأمر أميركي، عادوا
وأصبحوا "حبايب" ؛ فهل ما يحدث سلوكٌ طبيعي؟ وهل له صلة بالبنية
السياسية لهذه الحكومات التي لا تحوز في غالبيتها على التمثيل الشعبي الحقيقي؟
بعيدا عن الغايات السياسية، تهمّنا من
المصالحة الجوانب الإنسانية، ذلك أنّ أُسرا خليجية واسعة دفعت الثمن باهظا من
الفرقة والتباعد العائلي والأُسري. كما في الحالة البحرينية، حيث أدخلت تهمة
التخابر زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان السجن مؤبّدا.
السؤال الإشكالي هنا، هو "لو كانت شعوب
الخليج تتمتّع بحريات، وفي أجواء مؤسّسات تُعنى بالرقابة والمساءلة، هل كانت ستحدث
هذه المقاطعة؟ وهل ستبقى قمم "مجلس التعاون" تنعقد لمصالح الحكومات بدل
الشعوب في عمر انعقادها الطويل؟
لقد حان الوقت إلى أن يتمّ تداول مشروعات
التحوّل إلى الملكيات الدستورية، ولن تخسر هذه الأُسر كثيرا بقدر ما ستحصل على
الاحترام والتقدير من شعوبها، خصوصا أنّ هذه الحكومات، طيلة وجودها في الحكم، لم
تُنتج سوى دول مستبدة وكيانات هشّة، ينصبّ اهتمامها على بناء الجيوش والفرق
الأمنية، وهو ما تتبعه زيادة في المصاريف العسكرية على حساب مشاريع التنمية
السياسية والاجتماعية. التحوّل إلى الملكيات الدستورية له إغراءاته، فهو يستوجب
التوجّه لإيجاد دساتير تكون بمثابة عقود اجتماعية، كما يتبع ذلك العمل على إيجاد
برلمانات منتخبة تمارس أدوارها في الرقابة والمساءلة، ناهيك بحريات في مجال
الصحافة والحقوق السياسية.
في دول المجلس حاليا، تكاد الكويت تتقدّم على
مثيلاتها الخليجيات، حيث للدستور الذي كُتب في حقبة الستينيات حاكمية ملحوظة بين
الحاكم والمحكومين. ويُعتبر مجلس الأمّة الكويتي من أقوى البرلمانات في الخليج،
إضافة إلى وجود صحافة لديها مساحة لا يُستهان بها من الحرية، بعيدة عن النفوذ
الحكومي الرسمي.
في البحرين عام 2001، ومن أجل الخروج من
الأزمة السياسية التي ترجع إلى التسعينيات، عرض الملك ميثاق العمل الوطني الذي
صوّت عليه البحرينيون بنسبة 98.4 في المئة، وهي وثيقة سياسية تنصّ على تحوّل
البحرين إلى ملكية دستورية. لكنّ هذه الطموحات تمّ تجاوزها بدستور
"منحة" لا يحظى بالتوافق الشعبي، وببرلمان بصلاحيات متدنّية وبنظام
انتخابي لا يشبه الأنظمة العالمية السائدة. وأفضى ذلك إلى شكل مشوّه من الملكيات
الدستورية، حيث تجتمع كلّ السلطات في يد الملك، ما تسبّب في قيام الحراك الشعبي
المنادي بالحريات والمشاركة السياسية في عام 2011 في دوار اللؤلؤة، والذي تعرّض
للسحق الأمني بأدوات القمع السياسي.
في المقابل، هناك من يعتبر أنّ قاعدة
"تملك ولا تحكم" التي تُطبَّق في الممالك الدستورية في أوروبا، لا يسهُل
تطبيقها في هذه الدول التي ما زالت أعراف القبيلة هي المتحكّمة فيها. ويُردّ على
ذلك بالقول إنّ عدمية التحوّل نحو الدولة الدستورية، هي ضرب من العبث لأنّ
الانتقال التدريجي فكرة عاقلة، وهو ما أسمته غالبية أدبيات المعارضة في البحرين
بالتحوّل الديمقراطي، وهو ذاته طالبت به فعّاليات سياسية خليجية عبر انتقالات آمنة
من الملكيات المطلقة إلى الممالك الدستورية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحكومات
القائمة، عادة ما تلجأ إلى التجنّي على دعوات التحوّل نحو الملكيات الدستورية،
فإمّا تلصق بها النزعات الطائفية أو تجعلها صادرة عن موروثات قبلية، أو يجري وصمها
بأنّها دعوات ملوّثة من الخارج وتشكّل خطرا على السلم الأهلي، ومخالِفة للأعراف
الاجتماعية السائدة، وبالتالي تصويرها بأن لا قيمة لها وفاقدة للإجماع الشعبي.
لا بدّ من الإشارة، أيضا، إلى أنّ التجارب
العربية القريبة من الملكيات الدستورية، كثيرا ما تمّ استهدافها من قبل جهات نافذة
في "مجلس التعاون" لجهة عدم توسيعها في المنطقة العربية، كالتجربة
الأردنية أو المغربية، وذلك خوفا من أن تكون نموذجا يمكن مقاربته خليجيا. وفي هذا
الصدد، يقول كاميل الساري، المدرّس في "جامعة السربون" الفرنسية، إنّ
"دول مجلس التعاون الخليجي عرضت على المغرب الانضمام إلى صفوفه مقابل وعود
باستثمارات ضخمة، رغبة منها في منعه من التحوّل إلى ملكية دستورية وإلى نظام
ديمقراطي قد يكون قدوة لمواطنيها في التطلّع والمطالبة بالملكيات الدستورية" .
ولا ننسى أن نذكّر بأنّ دول "مجلس
التعاون" تمتلك مخزونات عالمية من النفط، وهو ما يوفّر لها وفرة مالية.
ويُعدّ ذلك عاملا مشجّعا للتحوّل نحو الممالك الدستورية، كما تتّصف شعوب الخليج
بوحدة ثقافية قلَّ نظيرها من أماكن أخرى. لأجل هذا كلّه، ينبغي أن لا ننظر إلى
دعوات التحوّل إلى الملكيات الدستورية بأنها دعوات منقطعة عن واقعها الخليجي.
إنّ انعقاد قمة "مجلس التعاون
الخليجي" ، يُعدّ من الفرص التي ينبغي التذكير خلالها بهذا المشروع الناهض،
ودعوة الجهات المشتغلة في مجال الحقوق السياسية إلى أن تنادي به باستمرار من دون
كلل. كذلك، ينبغي عليها إقناع القيادات الشابّة في دول المجلس على أن تتبنّى هذه
الخيارات، ولو بشكل تدريجي، فالدولة الدستورية توفّر أمانا سياسيا وقبولا مجتمعيا.