في الوقت الذي يسارع فيه ساسة غربيون إلى مهاجمة ما يسمونه بـ"التطرف الإسلامي" بعد كل حادثة إرهابية يكون فاعلوها من المسلمين، يُغض الطرف عن كثير من صور التطرف والإرهاب التي يرتكبها غير المسلمين.
ومع أن الكثيرين يرددون بكثرة مقولة "التطرف لا دين له" إلا أن الملاحظ أن الضخ الإعلامي العالمي يركز في إدانته للتطرف والإرهاب على "التطرف الإسلامي" دون غيره، مع أن مقتضى تلك المقولة يوجب إدانة التطرف بكل أشكاله وصوره سواء كانت دوافعه دينية أو قومية أو عنصرية، لأنه ناتج عن ثقافة الكراهية وبغض الآخر ما يحمل على إقصائه وتصفيته.
وكان واضحا في خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهاجمته للإسلام ووصفه بـ"الإرهاب المتطرف"، وهو ما كرره الرئيس الفرنسي ماكرون في خطاباته وتصريحاته حينما وصف الإسلام بـ "الديانة التي تعيش أزمة في العالم"، كما هاجم الإسلام وربطه بالإرهاب، وهو ما أثار سخطا شعبيا إسلاميا واسعا.
من جهته أرجع الداعية الفلسطيني المقيم في السويد، فكري المسكاوي أسباب "قصر إدانة التطرف والعنف حينما يكون فاعله مسلما، في حين يُغض الطرف عن إدانة العنف والتطرف إذا كان فاعله غير مسلم، بل ربما يتم تبريره بتزوير الوقائع إلى عدة أسباب منها ما يتعلق بالمسلمين، ومنها ما يتعلق بالسياسات الغربية".
وذكر أن "فشل المسلمين رغم كثرة عددهم في بعض الدول من اتخاذ موقف تجاه قضايا المسلمين في الغرب والسياسات التي تستهدفهم أحد الأسباب المهمة، إضافة إلى أن التشرذم الحاصل في صفوف الجالية المسلمة وفقدانها الثقة بالمؤسسات الإسلامية التي تداهن ولو على حساب كرامة المسلمين وحقوقهم من أجل الحفاظ على ما تحصل عليه من دعم مادي".
وقال الداعية والإمام المسكاوي "هناك أجندة إعلامية فاعلة لا يُعلم بالضبط من يقف خلفها تستهدف الوجود الإسلامي برمته في الغرب عبر حملات إعلامية منظمة للإساءة للإسلام والمسلمين".
وأضاف لـ"عربي21": "كما يلاحظ ارتفاع وتيرة العنصرية بشكل واضح حتى أصبحت الأحزاب العنصرية منافسة لأكبر الأحزاب مما جعل هذه الأحزاب، والتي كانت فيما مضى ليبرالية تتسابق للنيل من المسلمين في محاولة استقطاب للمواطنين الذين تخلوا عن هذه الأحزاب لصالح الأحزاب اليمينية العنصرية".
وأشار إلى أنه تم "ترسيخ مفهوم أن الإسلام ضد القيم الديمقراطية الغربية، وبالتالي فإن أي تطرف غير إسلامي بات يُنظر إليه باعتباره ردة فعل ضد أفعال المسلمين، وليس هو فعل استباقي حتى تتم إدانته".
أما عن احترام الرموز الدينية فلفت المسكاوي إلى أن "هذه القضية باتت خارج حسابات الديمقراطيات الغربية، لأنهم أصبحوا يرون في هذه الرموز والتعاليم الإسلامية خطرا يهدد قيمهم الديمقراطية على حد زعمهم، وذلك لرفض الإسلام المثلية الجنسية، أو تحرر المرأة وفق المثال الأوروبي".
ووفقا للمسكاوي "فمما زاد من وتيرة هذه الهجمة على المسلمين وشجع الغرب على عدم اعتبار ما يحدث ضدهم تطرفا هو موقف بعض الدول العربية المهاجم للمسلمين في الغرب، بل والتحريض عليهم وعلى مؤسساتهم والذي ظهر من خلال بعض التصريحات سواء الإماراتية أو المصرية".
وفي ذات الإطار رأى الأكاديمي المصري المتخصص في العلوم السياسية وعلم الاجتماع الديني، الدكتور كمال حبيب أن "مصطلح الإرهاب الإسلامي استخدمه اليمين المتطرف، والأصولية الإنجيلية، وقوى التمدد الإمبراطوري الأمريكي في الخارج، والذين رأوا في ظاهرة المجاهدين الأفغان أنها تحولت إلى تهديد للغرب بعد أحداث 11 سبتمبر".
وأضاف: "وقد لعبت الآلة الإعلامية والدعائية والعسكرية وصعود النزعات الصليبية التي برررت الانتقام من البلدان العربية والإسلامية التي اعتبرتها دون تحقيق أو إثبات تمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، ومن ثم تبرير العدوان عليها استنادا لمفهوم الاستباق، وليس الانتظار لتأديب هذه الدول، والتي كانت ضحايا العنف الأمريكي والغربي كالسودان وأفغانستان والعراق".
وتابع: "من الملاحظ أن صك المصطلحات وصناعتها في أروقة القوى المهيمنة في الغرب، لا تلبث أن تصبح مصطلحات شائعة، يستخدمها الإعلام والباحثون والعسكريون ثم تغدو متداولة ومقبولة من كثرة الاستخدام والتداول الذي يعطيه قوة وشرعية، ثم يجري تسويقها والترويج لها في كتابات مراكز الدراسات والبحوث وفي التقارير والتحقيقات الصحفية الكبرى".
وواصل حبيب حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وقد كان صعود ترامب كارثة في هذا السياق، لأنه استخدم مصطلح الإرهاب، ووصم به المسلمين سواء في حملته الانتخابية أو في سياساته العداونية تجاه العالم الإسلامي بما في ذلك وصم الدين الإسلامي بالتطرف والإرهاب".
وحذر من أن "صعود التيارات اليمينية في أوروبا وفي أمريكا حيث توجد شبكات من هذه التيارات تسوق لاعتبار الإسلام تهديدا، وأن المسلم في البلدان الأوروبية يمثل احتمالا للاتجاه نحو التطرف والعنف، وهو ما يؤدي إلى تعرض المسلمين للاعتداءات المتكررة، وكذلك المسلمات المحجبات، واستهداف أماكن العبادة، وهو ما يجعل المسلمين في الغرب يعيشون حالة من الخوف والذعر".
ولفت الأكاديمي المصري حبيب إلى أنه "في الأزمة الأخيرة التي اصطنعها ماكرون مع العالم الإسلامي، واستخدامه لمصطلحات الإرهاب الإسلاموي، والانفصالية الإسلامية، تحدثت مصادر متحيزة عن الرجل الذي قتل في أفينيون والذي كان يحمل مسددا ويهدد المارة قائلا (الله أكبر)، وهو ما لم يحدث أبدا، لأن الرجل كان يمينيا، يرتدي تي شرت مكتوب عليه (دافعوا عن أوروبا) مما يعتبره هو وأضرابه خطرا ديموغرافيا بسبب تمدد الإسلام في الغرب".
بدوره قال الكاتب والباحث السوري المقيم في النمسا، أحمد الرمح "لعل من أهم العوامل التي جعلت إدانة التطرف تقتصر على الظواهر العنفية التي يفعلها مسلمون هو تصاعد ظاهرة "الإسلام فوبيا" في أمريكا والغرب بعد أحداث 11 سبتمبر، ثم حدث سكون إعلامي لفترة من الوقت، ثم عادت تلك الظاهرة من جديد بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وما قام به من عمليات عنفية في أوروبا".
ونبه الرمح في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أنه "مما يلفت النظر أن عمليات تنظيم الدولة في أوروبا ترافقت مع صعود اليمين المتطرف الأوروبي، فكانت أحداث 2015 في بروكسل، وأحداث أخرىي في مدن أوروبية مختلفة تبناها التنظيم، وهو ما كان خادما لليمين الأوروبي المتطرف الصاعد آنذاك، وبالتالي كان خادما بشكل مباشر لظاهرة "الإسلام فوبيا".
وأردف "ثم جاءت أحداث فرنسا وفيينا وبلجيكا ليستفيد منها اليمين المتطرف الذي خسر كثيرا من زخمه بعد انتهاء ظاهرة (داعش)" مضيفا "لكن الحقيقة التي يجب أن نعترف به أن الإسلام قضية رابحة ابتليت بمحامين فاشلين، فمؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية الموجودة في أوروبا وهي قديمة بعضها مر عليها نصف قرن، لم تستطع أن تستغل أحداث شارل إبدو الأخيرة مع تصريحات ماكرون بشكل إيجابي لاستصدار قوانين تمنع ازدراء الأديان عموما، والإسلام خصوصا".
وحمل الرمح الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في أمريكا وأوروبا المسؤولية عن عدم قدرتها على إقناع الجهات المعنية في البرلمانات الأوروبية لاتخاذ قرارات من هذا النوع، إذ لدينا آلاف المحامين والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، لكنهم للأسف في الأحداث الأخيرة في باريس وفيينا لم يحركوا ساكنا حتى اليوم".
وشدد في ختام حديثه على أن استصدار تلك التشريعات والقوانين في أوروبا يحتاج إلى حشد الرأي العام الإسلامي، وتحريك منظمات المجتمع المدني العربية والإسلامية في أوروبا، وتحرك المحامون والقانونيون العرب والمسلمون بفاعلية ضمن نشاطات منظمة ودائمة لاستصدار تلك القوانين، وليس عبر حالات انفعالية غاضبة آنية سرعان ما تهدأ لتعود الحياة على ما كانت عليه من قبل".